التجميل في سوريا... "فورة" بلا ضوابط

هذا الاختصاص الطبي ازدهر على حساب بقية الاختصاصات ومراكز ملأى بطالبيه

شهدت سوريا خلال السنوات الماضية ما يمكن تسميته حرفياً بالثورة في الطب التجميلي، في موازاة انتشار كثيف لمراكز التجميل.

'اندبندنت عربية' رصدت أكثر من 10 مراكز في حي 'عكرمة' بمدينة حمص، واكتفت بالعد عند الرقم 20 في حي 'مشروع دمر' بدمشق، وكذلك في مدن حلب وطرطوس وحماه واللاذقية الساحلية التي تبدو متسيدة المشهد بل صاحبة لبنته الأولى على مستوى البلاد.

مخالفات بالجملة وكلف باهظة

كثير من مراكز التجميل تدار من قبل أطباء باختصاصات غير التجميل، ففي سوريا ليس هناك شيء اسمه كليات علمية تخرج أطباء تجميل، فيما خلا كلية خاصة واحدة وشهادتها غير معترف بها داخلياً ولا خارجياً، ليقوم بهذه المهمة أطباء الجلد.

وتبلغ أحياناً كلفة عيادات التجميل أسعاراً باهظة جداً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغت كلفة إنشاء أحد مراكز التجميل في مدينة حمص نحو 10 مليارات ليرة سورية (نحو 700 ألف دولار أميركي)، وهذا لا يعني أن كل المراكز تكلف الرقم ذاته، فالأمر يعود إلى كلفة مستلزمات العيادة.

هذه الأرقام يعجز كثر من الأطباء عن تأمينها، فيعمدون لتأجير شهاداتهم للراغبين بافتتاح مراكز تجميل، وهو إجراء غير قانوني لكنه شائع للغاية، وتؤجر الشهادة بدءاً من مليوني ليرة سورية شهرياً (نحو 150 دولاراً أميركياً)، أو بنسبة قد تقارب 20 في المئة من الأرباح لصالح الطبيب صاحب الشهادة المؤجرة.

أطباء الأسنان وجدوا أنفسهم في هذا المضمار سريعاً، فأسهموا في افتتاح مراكز كهذه وإدارتها.

سمعة من ذهب

بعض هذه المراكز يخالف القوانين والمواثيق الطبية، وقلة منها تستوفي الشروط اللازمة، من ثم فإنها تترك تداعيات سلبية لطالبي التجميل في كثير من الأحيان لغياب الرقابة والاختصاص اللازم.

لكن هذا الأمر لا ينطبق على مختلف مراكز التجميل، طبعاً، ومن ثم كلما انعدمت أو تلاشت أخطاء الطبيب التجميلية ذاع صيته أكثر.

إدمان التجميل

تقول عبير نور، موظفة في القطاع الخاص، 'التجميل إدمان، من جربه مرة سيكرره كل بضعة أشهر'، معللة ذلك بأن من يعتني بشكله يعزز ثقته بنفسه 'التجميل معد، لم أكن أفكر يوماً أنني سأحتاج إلى أي إجراء تجميلي، ولكن حين رأيت جفون وجبين صديقتي كيف تغير شكلها، وكأنها عادت بالعمر 10 سنوات إلى الوراء، لم أستطع المقاومة'.

تضيف 'اليوم أحقن بوتوكس حول عيني، وفي الجبين كل ستة أشهر، أدخر أموالاً لأقوم بهذا الأمر، لم أعد أستطيع التخلي عنه، في اللحظة التي تدخل فيها عيادة التجميل، للمرة الأولى، تكون كمن تعاطى جرعة مخدر وأدمنها'.

خيارات التجميل

ترتفع تباعاً أسعار العمليات التجميلية، بدءاً من أسعار حقنة البوتوكس، والفيلر (لتخفيف التجاعيد)، والتقشير الضوئي والمائي، والخضوع لأشعة ليزر، أو الأشعة تحت الحمراء لتحفيز الأنسجة، والتدليك العلاجي، والتنبيه الكهربائي للأعصاب وغيرها، وصولاً لعمليات تجميل الثدي ونحت الجسد وتكسير الدهون، هذه التقنيات لم تكن معروفة بهذا النطاق والانتشار والطلب قبل سنوات قليلة.

وعملياً، تبدأ الكلفة من حدود 400 ألف ليرة (27 دولاراً أميركياً) وصولاً إلى ملايين الليرات بحسب ما هو مطلوب، وأحياناً تتم جلسة التجميل الواحدة بمزج تقنيات عدة، مثلاً بوتوكس وفيلر وتقشير، ويمكن تنويع الخيارات تبعاً للإجراء المستهدف.

التجميل للجميع

ومعلوم أن ارتفاع أسعار التجميل لم تمنع أن يكون طالبوه كثراً، مما يعكس صورة واضحة لتفاوت مستوى المعيشة بين من لا يجدون ما يأكلونه، وآخرون لا يتوقفون عن زيارة هذه المراكز والعيادات.

وأوضح بعض أصحاب مراكز التجميل أن قاصديهم ليسوا فقط من الأثرياء، بل من طبقات متفاوتة الدخل والمعيشة ومن بينهم طلبة الجامعة، والأمر لا يقتصر على الإناث بل يتعداه إلى الذكور أيضاً.

عبدالمنعم الجراح خريج جامعي من كلية الاقتصاد، عانى في مراهقته آفة حب الشباب المزمنة، وخضع لجلسات علاج مكثف بالليزر 'كنت أشعر بالخجل من منظر وجهي حين النظر بالمرآة، حتى قررت زيارة أحد مراكز التجميل ومقابلة طبيبة هناك وعدتني أن نتجاوز المشكلة خلال ست جلسات من العلاج'، مضيفاً أنه عمل جاهداً لتأمين كلفة الجلسات، 'وبالفعل حصلت على النتيجة التي أردتها، في الأقل بنسبة نجاح تخطت 80 في المئة وأحدثت فرقاً فعلياً في مظهري'.

الميسورون

وكحال عبدالمنعم، أيضاً الشابة مروة خيرات التي تعتمد على مرتبها (20 دولاراً شهرياً) متكلة على معيشتها لدى أهلها مما أمن لها قدرة على جمع ما يكفي لتتمكن من القيام ببعض الإجراءات التجميلية 'هناك مفهوم شائع أن التجميل للأغنياء فقط وهذا اعتقاد خاطئ، الجمال للجميع، ولكن أعرف أن ثمة أولويات لدى العائلات السورية، لكنني أفاجأ بالازدحام في مركز التجميل الذي أقصده، وفي سوريا من السهل أن تميز إلى أي طبقات ينتمي الناس، لا أعتقد أن نسبة الأثرياء في هذه المراكز أكثر من الميسورين'.

في علم النفس السلوكي

ويقول المتخصص في علم النفس السلوكي مؤيد مدنية 'المراكز ينافس بعضها بعضاً عبر عروض لا تنتهي، كل تلك العروض تبدو مغرية وتأتي بزبائن، لكنها حقيقة ليست إلا مثاراً عبثياً للتلاعب بالعقول اجتماعياً ونفسياً'، ويضيف 'إذا أردنا فهم توجه ذوي الدخل المحدود لتلك المراكز فيمكن تحليله من زاوية انعدام الأفق أمامهم، ورؤيتهم الطريق المسدود في نهايته، فيلجأون لصرف أموالهم على ما يسعدهم كالجلوس في المقاهي، أو تنمية ثقتهم بنفسهم كإجراء تعديلات في شكلهم الخارجي تكون كفيلة بمنحهم الرضا ولو بصورة آنية وموقتة، وهذا بعينه ما يفسر المفاخرة أين أجرى كل شخص عمليات تجميله، ومدى أهمية الطبيب الذي أشرف على حاله'.

أشكال متشابهة ومراكز متزايدة

مراد اسم مستعار لأحد أصحاب مراكز التجميل، فضل عدم ذكر اسمه، لكونه ليس صاحب ترخيص المركز، أوضح أن الطلب ازداد جداً لجلسات ليزر لإزالة الشعر، إذ إن الشخص يحتاج إلى أكثر من جلسة (ست إلى ثماني جلسات للجسم كله)، وتبلغ كلفة الجلسة نحو 50 دولاراً، وأكد أن هناك إقبالاً متزايداً على جلسات كهذه على رغم ارتفاع كلفتها.

وتابع 'اليوم، نرى مراكز جديدة تفتح كل يوم، ولو كان الإقبال في خفض لما كنا نشهد ما يحصل، الناس يقبلون بكثافة على التجميل، وبات كثر نسخاً طبق الأصل عن بعضهم بعضاً'.

مراد أفاد، في معرض حديثه، بأن بعض المراكز سبق وتسبب في مشكلات طبية وحالات تشوه بسبب اعتماده على الفنيين وطلاب الطب لا على الأطباء المتخصصين.