اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
لا تهمل هذه المنصة أي زيف ترصده وتسعى دوماً إلى الحفاظ على حيادها التام
'بينما تربط الحقيقة حذاءها، تلف الكذبة أنحاء العالم'، بهذه المقولة الشهيرة يستهل مدير منصة 'تأكد'، أحمد بريمو حديثه عن التزييف الحاصل على وسائل التواصل الاجتماعي، أو على المنابر الإعلامية غير المهنية، ولعل الحديث عن هذه المنصة وطريقة عمل كادرها المتخصص بكشف التزييف أشبه بالحديث عن 'جهاز كشف الكذب'، إلا أن المنصة السورية تحضر الحقيقة بكامل تفاصيلها إلى الجمهور، ويبقى على المتلقي الحكم.
عاش السوريون ثقل الحرب الداخلية وكانت عيونهم تشخص إلى خطوط التماس مع بدء الحراك الشعبي عام 2011 واندلاع الثورة التي طالبت بإسقاط نظام بشار الأسد (2000 - 2024)، ومع ذلك اعتادوا على متابعة منصة 'تأكد' التي شكلت الحكم الفصل في غالب القضايا المثيرة للجدل وذات الطابع الإشكالي، فتفلح في كثير من الأحيان في إماطة اللثام عن خداع سياسي أو مراوغة بأخبار اجتماعية ملفقة.
وبات المنبر مع مرور الوقت لا يوفر أي زيف يرصده حتى بعد سقوط الأسد ورحيله إلى موسكو أواخر العام الماضي 2024، إذ يراقب كل الأطراف حتى الطرف الذي يحكم سوريا الجديدة اليوم، مما أثار لدى معظم المتابعين أسئلة عمن يقف وراء هذا الفريق التحريري الذي يسعى إلى كشف الكذب.
وللحديث أكثر كان لنا لقاء مع مؤسس ومدير 'تأكد'، أحمد بريمو الذي روى منذ البداية كيف جاءت الفكرة لإنشاء هذا الموقع المتخصص، فقال إن إدراكه 'خطورة الحقيقة، وأهميتها هو الدافع الرئيس'، إلا أن تلك المنصة سبقتها حكاية تجربة ولدت عام 2008 عبر موقع إلكتروني سماه بريمو 'شو الأخبار'، التي كانت مع اندلاع الثورة، أول وسيلة إعلامية تعمل داخل سوريا وصفت الحراك الجاري بـ'الثورة'، حسب بريمو.
ويتابع 'لقد نطقنا بالحقيقة المطلقة مما استدعى اعتقالنا، وإغلاق الموقع واختراقه من قبل الجيش السوري الإلكتروني، كما يسمى في ذلك الوقت، ولاحقاً تعرضت للخطف من داعش وكنت قريباً من القتل على يد أفراد التنظيم نتيجة نشر الحقائق'.
ويسرد الإعلامي بريمو أنه 'مع ما ترافق من انفجار بالإعلام البديل وشلالات الدعم المتدفق من قبل الاتحاد الأوروبي من أجل تمكين الإعلام أثناء الثورة السورية أدى إلى دخول كثير من غير المهنيين وجدوا في ذلك فرصة لتحقيق مكاسب سياسية ومالية ومكاسب أخرى على حساب الحقيقة، وهنا كان لا بد من وجود هذه الجهة أو المؤسسة (تأكد) التي تقدم الحقيقة بصورة مجردة بعيداً من أي انحياز أو أجندة أو ارتباط، وبدأنا عام 2016 ومستمرون إلى اليوم'.
وتعرف 'تأكد' عن نفسها بأنها 'أول منصة سورية للتحقق من المعلومات، والانطلاق منها مسلحين بأفضل الخبرات، وأرقى المعايير إلى الفضاءين العربي والعالمي، للمساهمة النبيلة، عملياً وأكاديمياً، للحد من التضليل الإعلامي وآثاره الضارة في الفرد والمجتمع، وخلق الوعي النقدي والشك الإيجابي في إطار تعميم ثقافة التزام بث الحقائق بوصفها حاجة إنسانية'.
ويظهر ضمن موقع 'تأكد' الإلكتروني تعريف بأسرة التحرير الذين تتنوع مشاربهم الثقافية والأكاديمية، بين التخصص الإعلامي والبرمجيات، لكنهم جميعاً يتشاطرون رؤية واحدة أو يضعون نصب أعينهم مهمة 'تقفي' الحقيقة والوصول إليها.
ولا تتلقى المنصة إشادة من أحد 'من المتحيزين' ودائماً تكال لها اتهامات بالتبعية نتيجة كشف الحقائق التي تنشرها بطريقة منهجية، بحسب مؤسس المنصة ومديرها، الذي أسهب في الحديث عن خطط وبرامج في غاية الأهمية يمكن وصفها بـ'السد المنيع' أمام أنهار جارفة من الكذب الحاصل في وسائل الإعلام البديل أو الجديد.
وقال بريمو 'هناك ورشات عمل وبرامج تدريبية بصورة دائمة، نتحدث اليوم عن تطور الصحافة والمهنة وأيضاً في المقابل أساليب التضليل والذكاء الاصطناعي تتطور، فهناك أدوات رهيبة تفبرك الفيديوهات والصور بصورة قد تكون أقرب إلى الحقيقة، تحتاج إلى أدوات متطورة حتى تكشفها'.
كذلك يقول بريمو إن 'منصة تدقيق المعلومات تلك أو غيرها تواجه عقبات اختيار الكادر والفريق المتخصص، فليس من السهل أن تجد الصحافي الذي يمتلك حس التفكير النقدي، والذي تجعله يتخلى عن جميع انحيازاته، وجميع أفكاره المسبقة ومواقفه من أجل الدفاع عن الحقيقة فقط'، ويضيف 'ولذلك نحن ضمن ورشة عمل مستمرة سواء كفريق تحريري، كما لدينا فريق كبير من المتطوعين الذين نستعين بهم كلما أردنا رفد كادرنا التحريري بأعضاء جدد، إضافة إلى تطور أساليب الفبركة والتزييف بخاصة في السياق السوري'.
في تلك المنصة تحديث دائم ورصد لشبكات وصفحات التواصل الاجتماعي، ويغرق الموقع بصور وعناوين كشف عنها المحررون باجتهاد وفق أدوات علمية، كذلك صنعت المنصة تحقيقات كشفت شبكات فساد وتلاعب ونصب في سوريا بعد التحرير، أثارت كثيراً من الجدل.
ويقترح بريمو إدراج التربية الإعلامية ضمن المناهج التعليمية، وأن يكون لدى الجيل تفكير نقدي لتمييز الصورة والمعلومة الصحيحة 'لأننا اليوم لسنا بعصر السوشيال ميديا فقط، بل إننا في عصر المحتوى الذي يصنعه المستخدم كما يرى، فلكل شخص هاتف ذكي ووصول للإنترنت، ومن ثم يمكن أن يكون منصة إعلامية بحد ذاته، وهؤلاء الأشخاص يكونون مشتركين بصناعة وترويج المعلومات المضللة أو يكونون مدافعين عن الحقيقة'، ويضيف 'نحاول اليوم إشراك الجمهور بعملية التحقق عبر الوصول من طريق غرف تطبيق ’واتساب‘ المغلقة، والمحادثات الخاصة للأشخاص، ولهذا يجب تعزيز الوعي لدى الجمهور حول خطورة المعلومات المضللة، وتوفير الأدوات النقدية أو التفكيرية التي تساعدهم في الأقل، إن لم يشاركوا بنشر التصحيح، ألا يشاركوا النشر الخاطئ أو المزيف'.
ولدى المنصة أربعة أقسام هي 'الرصد والتحرير، والإنتاج المرئي، والمنح والشراكات، والقسم المالي'، قسما 'الرصد والتحرير' و'الإنتاج المرئي' مسؤولان عن إنتاج ونشر المحتوى بما في ذلك المحتوى المكتوب والصور ومقاطع الفيديو، في حين أن قسمي 'المنح والشراكات' و'المالية' مسؤولان عن توسيع وإبقاء شراكات مع مؤسسات غير سياسية، ومستقلة، ولا تتبع أي جهة أو شركة، فالمنصة مرخص لها كمنظمة غير ربحية، وتتلقى منحاً بموجب عقود قانونية، بحسب مؤسسها.
في الأثناء سارعت 'تأكد' إلى تطوير ذاتها وسرعان ما حصلت على عضوية 'الشبكة الدولية لتقصي الحقائق'، ومن إيجابيات ذلك أنها باتت لا تتوقف عند حدود معينة، بل تسعى إلى تطوير أفكار جديدة تتماشى وتواكب سرعة تطور أدوات التضليل، وباتت اليوم على مسافة قصيرة من إدخال الذكاء الاصطناعي في عملية التحقق، وإطلاق أول مساعد رقمي يساعد الجمهور على التحقق من المعلومات، وستوفر خدمتها على 'واتساب' كونه الأكثر استخداماً في سوريا وربما على نطاق عربي.
لذا فإن هذا 'المساعد الرقمي' من شأنه تقديم التفسيرات للجمهور بصورة مبسطة، ويشرح بريمو 'لك أن تسأله عن طبيعة المعلومة إذا كانت صحيحة أم لا؟ وبدوره يبحث عبر قاعدة بيانات بمنصة تأكد، فإذا وجد أي ارتباط أو تطابق، فيرد بناءً على المعلومات الخاصة بقاعدة بياناتنا، وإن لم يكن هناك تطابق يفتح طلباً للتحقق يبلغنا به كفريق بالمنصة للتحقق منه، والإجابة بالرد على الطلب، وهذا يساعدنا على الحد من انتشار المعلومات المضللة'. وأضاف 'هذا يساعد في نشر الحقيقة، والتصدي الاستباقي للمعلومات المضللة، إذ من المعتاد أن تبدأ المعلومات المضللة بالانتشار عبر مجموعات صغيرة وتتدحرج ككرة الثلج وتنتشر بصورة كبرى، وإن كان هناك وصول أسرع من قبل الجمهور يمكننا التصدي السريع لها قبل أن تكبر'.
وعلى كل حال تبقى 'تأكد' منصة سورية محلية الشكل لكنها خاضت في كثير من الملفات الدولية مثل الحرب الروسية على أوكرانيا، وملف السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وغيرها، ولكن بحكم التطورات والأحداث السريعة في سوريا ما يدور فيها بقيت ضمن هذه الدائرة بخاصة مع تحديات يراها القائمون تتمثل بقلة المعرفة الإعلامية لدى الجمهور خلال عقود طويلة من حكم آل الأسد، حين كانوا يستقون الأنباء والتطورات السياسية من مصدر واحد.