اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
محادثات الاتفاق الأمني بين تل أبيب ودمشق توقفت في أذربيجان بعد اليوم الأول من التطورات الأخيرة
لم يترك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مجالاً للشك في النوايا الحقيقية لإسرائيل في سوريا بتجاوز مسألة حماية الدروز، فتكثيف القصف وتوسيع نطاقه في سوريا وتجاوز المنطقة المحيطة بالسويداء أو الجنوب، وصولاً إلى دمشق ومناطق أخرى، يجعل مسألة حماية الدروز ثانوية، في ظل نقاش إسرائيلي محتدم حول مدى حرص إسرائيل على حماية الدروز وضمان أمنهم.
نتنياهو حسم بأن جنوب سوريا منطقة ترسم مستقبلها إسرائيل، فهي تريدها، بحسبه، منزوعة السلاح من الجولان وحتى منطقة جبل الدروز. حديثه هذا أمس الخميس أسهم في تأجيج النقاش الإسرائيلي والانتقادات لعدم منع 'ذبح الدروز'، كما وصفت شخصيات درزية وأخرى سياسية وأمنية أحداث السويداء.
وعلى رغم أن محادثات الاتفاق الأمني بين تل أبيب ودمشق توقفت في أذربيجان بعد اليوم الأول من التطورات الأخيرة في سوريا، وهجوم قوات النظام على السويداء من دون اتخاذ أي قرار، إلا أن نتنياهو وضع خطوطاً حمراء هناك، وحسم أن إسرائيل لن تقبل تجاوز الخط الأحمر بعدم إبقاء منطقة واسعة في الجنوب منزوعة السلاح، قائلاً 'النظام السوري بعث بقوات إلى منطقة نعتبرها منزوعة السلاح، ومن هناك قام بتنفيذ هجماته على الدروز، لقد أمرت الجيش بالتحرك بقوة وتوجيه ضربات واسعة، مما دفع إلى وقف إطلاق النار'، واعتبر نتنياهو قوة إسرائيل، بقصفها ومدفعيتها، هي ما أسهم في تحقيق وقف إطلاق النار 'نحن نحقق السلام بالقوة، الهدوء بالقوة والأمن بالقوة في سبع جبهات، وهذه ستكون سياستنا المستمرة، لن نسمح لقوات النظام بالنزول إلى جنوب دمشق، كما لن نسمح لهم بالمساس بالدروز'.
حديث نتنياهو بالتزامن مع القصف المكثف على اللاذقية ومناطق بعيدة من السويداء، عزز الموقف الأبرز في النقاش الداخلي أن إسرائيل لا تدافع عن الدروز، كما أن المشاهد التي أكدت سماح الجيش لآلاف الدروز من إسرائيل في الدخول إلى سوريا، ودخول دروز إلى إسرائيل، لم يأت من باب العطف والتضامن مع الدروز، إنما، وفق ما يرى بعضهم، ضمن استراتيجية إسرائيلية لجلب سوريا إلى حد حرب أهلية لتكون ذريعة لاستمرار بقاء إسرائيل فيها.
أحداث السويداء قلبت أولويات المؤسسة العسكرية، فبينما كانت تتعامل معها كجبهة شبه هادئة في طريقها إلى تسوية سلمية، أعادتها لرأس أولوياتها بل الأكثر توتراً. وبعد ساعات من اجتماعات التقييم الأمني للوضع تقرر إعادة جبهة غزة للمكانة الثانية، وسحب وحدات عسكرية منها، ونقلها إلى المنطقة العازلة جنوب سوريا، كما عزز الجيش هذه المنطقة بوحدات من حرس الحدود.
أمنيون وعسكريون قالوا إن إسرائيل أخطأت ولم تتعلم الدرس من السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وقال الرئيس السابق لقسم العمليات والتخطيط في الجيش الجنرال احتياط غيورا آيلاند إن إسرائيل أضاعت الفرصة ولم تتصرف في الوقت المناسب، وبحسبه 'فقد كررت فشل السابع من أكتوبر 2023، وكان يتوجب علينا العمل قبل وصولهم إلى السويداء لأنهم كانوا مكشوفين لنا. في حينه، في السابع من أكتوبر، عند اختراق عناصر النخبة من حماس الحدود كانت أمامهم مسافات طويلة حتى وصلوا إلى مواقع الجيش والكيبوتسات، وهنا أيضاً الصورة مشابهة، لقد سارت المدرعات والمسيرات والحافلات التي نقلت قوات النظام، التي هي أصلاً عناصر تدربوا في داعش، مسافة طويلة حتى وصلوا إلى السويداء، لا أفهم لماذا هذا الفشل عندنا، ماذا تعمل قواتنا المنتشرة التي تراقب المنطقة. هل يعقل أن الاستخبارات لدينا يمكنها أن تسقط طائرة أو مسيرة على بعد 2500 كيلومتر في إيران، لا تستطيع فعل ذلك على بعد 80 متراً من الحدود'؟ يتساءل آيلاند ويحمل الحكومة والجيش المسؤولية، داعياً إلى اتخاذ خطوات تضمن أمن المنطقة الحدودية.
أما الجنرال المتقاعد إسحق بريك، الذي كثيراً ما استشاره نتنياهو في بداية حرب غزة، فيحمل الحكومة الإسرائيلية والقيادة العسكرية مسؤولية تطور الأوضاع، ويحذر من الخطر الكامن في التخطيط لاتساع القتال واستمرار التوتر على أكثر من جبهة في الوضع الحالي للجيش الإسرائيلي، وبرأيه إسرائيل والجيش في أسوأ وضعية منذ بداية الحرب.
بريك كان من الشخصيات العسكرية التي حذرت من تداعيات الانقلاب في سوريا منذ اللحظة الأولى لانهيار نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، يقول اليوم بعد أحداث السويداء 'عندما ابتهج المستويان السياسي والعسكري، ووسائل الإعلام والجمهور بصوت عال وبغرور بإسقاط نظام الأسد في سوريا، وبالضربة القوية، على ما يبدو، لمحور الشر الإيراني، قلت آنذاك إننا سنشتاق إلى نظام الأسد. ذلك لأننا حصلنا بدلاً منه على نظام داعش، بدعم من الأتراك الذين أدخلوا قواتهم إلى سوريا ويهددون وجود دولة إسرائيل، ولم تمض فترة طويلة، واليوم نحن شهود على بداية نظام الجهاديين، الذي فرح المستويان السياسي والعسكري بمجيئه'.
ويعتبر بريك أن التطورات الأخيرة تضع إسرائيل في تحديات أمنية كثيرة وخطرة، في وقت لن تكون قادرة على مواجهة الوضع في مختلف الجبهات في آن واحد، 'علينا أن نقول بكل وضوح وصراحة، نحن عالقون في أزمة كبيرة. الجيش يواجه مشكلات وتحديات خطرة، هناك نقص حاد في القوات البرية، والقرار الذي اتخذه الجيش بنقل وحدات من غزة إلى سوريا هو في غاية الخطورة. ففي وقت لم نحسم بعد جبهة غزة لا يجوز تقليص القوات العسكرية فيها، ويجب أن نتذكر ونحن نخطط ونستعد لحرب واسعة مع سوريا أننا لم نحسم المعركة بعد تجاه لبنان وحزب الله، الذي ما زال قوة ذات أهمية في الجبهة الشمالية، وينبغي علينا أن نقف أمام قوة كهذه بقوات عسكرية جواً وبراً. وإذا اتجهنا شرقاً نحو الأردن، لا توجد لدينا قوات كافية على طول 300 كيلومتر من حدود الأردن، حيث تجري عملية متسارعة، بدعم من الإيرانيين، لإقامة خلايا إرهابية على طول الحدود. نواجه مشكلات مع المصريين أيضاً، حيث لا توجد لدينا قوات كافية على طول الحدود معهم، وأمامنا تحديات خطرة في الضفة'. ويضع بريك الصورة الشاملة أمام المسؤولين، متسائلاً ما إذا كان يمكن لإسرائيل اليوم أن تنفذ ما تخطط له تجاه سوريا، من استعداد لحرب أو لأيام قتال طويلة.
وبينما كانت المواجهات في أوجها في السويداء كانت الحدود السورية، حيث المنطقة المعروفة بخط وقف إطلاق النار، في حال توتر بعد أن اخترقها مئات الدروز الإسرائيليين إلى سوريا للدفاع عن أبناء طائفتهم، وفي الوقت نفسه كانت الحدود مخترقة من دروز هربوا من سوريا إلى إسرائيل، كل هذا من دون أن يحرك الجيش ساكناً، بل شوهدت قوات عسكرية تقف جانباً وتراقب بينما الدخول والخروج من إسرائيل يتم من دون اعتراض.
وفي داخل الطائفة الدرزية في إسرائيل أشعلت أحداث السويداء حال توتر وغضب عارم، غير أن الانقسام في الموقف كان واضحاً داخل الطائفة. الرئيس الروحي للطائفة الدرزية موفق طريف بقي على تواصل مع نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، وجرى التنسيق الكامل في كيفية العمل، بينما الطرف الآخر من أبناء الطائفة الذين يعملون تحت إطار لجنة التواصل الدرزية مع سوريا، فحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية، ورفض استخدام إسرائيل أبناء الطائفة الدرزية أداة لتحقيق أهدافها.
رئيس اللجنة علي معدي، الذي وصل مع مجموعة من الدروز إلى بلدة الحضر السورية، حذر من استغلال الطائفة الدرزية لتحقيق أهداف إسرائيل وقال 'نحمل المسؤولية الأولى للحكومة الإسرائيلية، كان بإمكان بنيامين نتنياهو أن يوقف الحرب هناك في غضون ساعة. نحن لا نطلب حماية إسرائيل ولا حماية أحد، لقد جربنا هذا الكيان الإسرائيلي وأدركنا بصورة واضحة، أنه لا يدافع إلا عن أمنه وكرامته، فإذا كانت تخطط إسرائيل لجعل الجولان منطقة عازلة، فلن نسمح لها أن تفعل ذلك على حساب الدروز أو كرامتهم'.
وبينما تواصل المؤسستان العسكرية والسياسية بحث التطورات على الجبهة السورية نشرت منظومات دفاعية من جديد في منطقة الشمال خشية تعرض إسرائيل لإطلاق مسيرات وصواريخ من سوريا، ورفض مسؤولون سياسيون وعسكريون دعوة وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير إلى تكثيف القتال في سوريا والقضاء على أحمد الشرع والنظام هناك، وأكدوا إبقاء الجبهة السورية في حال طوارئ قصوى ومواجهة محاولات تجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها إسرائيل، وفي مركزها عدم نزع سلاح المنطقة التي يسيطر عليها الجيش وجنوب دمشق.