اخبار سوريا
موقع كل يوم -عكس السير
نشر بتاريخ: ١ أب ٢٠٢٥
انتظرت الحكومة التركية انتهاء العام الدراسي، متوقعةً أن ترتفع أعداد السوريين الراغبين في العودة الطوعية إلى بلادهم خلال العطلة الصيفية. فمعظم اللاجئين السوريين، البالغ عددهم نحو 2.7 مليون شخص، هم عائلات مع أطفال، وكانت التقديرات تشير إلى أن الكثيرين منهم سيبدؤون بالعودة بعد 20 يونيو. وبالفعل، ارتفع عدد العائدين من 250 ألفًا إلى 316 ألفًا بين مطلع يونيو ومطلع يوليو.
لكن بعد ذلك، بدأ هذا الزخم بالتراجع. فقد أثارت الاشتباكات في السويداء ذات الغالبية الدرزية، إلى جانب الغارات الإسرائيلية على دمشق، مخاوف أمنية لدى الكثير من السوريين، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في وتيرة العودة. وقال إبراهيم فورغون كافلاك، من منظمة الإغاثة التركية ASAM، إن “المخاوف الأمنية ازدادت خلال الأيام الماضية، وبالتالي تراجعت أعداد العائدين”.
“لماذا لا يزال السوريون هنا؟”
تحوّلت قضية اللاجئين السوريين إلى ملف سياسي ساخن في تركيا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، وتصدرت أجندة المعارضة، خصوصًا حزب الشعب الجمهوري (CHP). إلا أن التركيز السياسي على هذا الملف تراجع مؤخرًا، مع انشغال الحزب بالمطالبة بالإفراج عن مرشحه الرئاسي المعتقل أكرم إمام أوغلو. هذا الوضع منح الرئيس أردوغان فرصة للتمسك بخيار العودة الطوعية بدلًا من الإلزامية – مؤقتًا.
لكن كافلاك يحذّر من أن هذا قد يتغيّر مع بداية الحملة الانتخابية المقبلة، قائلًا: “الضغط سيتزايد. فهناك توقعات داخل المجتمع التركي المضيف؛ يسألون لماذا لا يزال السوريون هنا بعد سقوط الأسد”. ويرى كافلاك أن تركيا قد تتجه إلى تغيير نظام الحماية المؤقتة خلال عام ونصف إلى عامين.
أسباب العودة: الضغوط الاقتصادية والتمييز السكني
يؤكد كافلاك أن أهم دوافع العودة حاليًا هي: الوضع الاقتصادي المتدهور – ارتفاع البطالة – تكاليف المعيشة الباهظة.
أكثر من نصف السوريين في تركيا يعيشون في المناطق المتضررة من زلزال فبراير 2023، حيث ارتفعت الإيجارات بشكل كبير، خاصة على السوريين الذين لا يُسمح لهم بمغادرة الولايات المسجّلين فيها. ومع توقف المساعدات الطارئة وتقليص التمويل الدولي للبرامج الإنسانية، قد تتزايد دوافع العودة. يضاف إلى ذلك الاعتداءات العنصرية التي شهدتها عدة مدن تركية في يوليو 2024.
مقابل ذلك: الدمار الواسع في سوريا
ورغم هذه الدوافع، تبقى الأوضاع في سوريا صعبة للغاية:
– ثلث المناطق السكنية مدمَّر تمامًا.
– الكهرباء متوفرة مرة كل أربعة أيام فقط.
– المياه مرة كل خمسة أيام.
– يوميًا يُقتل 30 إلى 40 شخصًا بسبب الألغام.
– نصف الأراضي الزراعية ملوثة بمخلفات الحرب.
كما أن العديد من القضايا القانونية لا تزال عالقة، مثل:
– الولاية القانونية على الأطفال بين الأزواج الأتراك والسوريين.
– الاعتراف بموالد الأطفال السوريين المولودين في تركيا (أكثر من مليون طفل).
– الاعتراف بالشهادات المدرسية والجامعية.
قلق أوروبي وتباطؤ دولي
يشير كافلاك إلى أن الكثير من النساء السوريات الشابات اللواتي نشأن في تركيا يخشين من فقدان حرياتهن في سوريا. ويقول إن “المرحلة العاطفية التي سادها التفاؤل بعد سقوط الأسد قد انتهت، والآن بات السوريون يُقيّمون واقعهم في كلا البلدين بعقلانية”. كما أن رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية جزئيًا وتحسين تحويل الأموال نحو سوريا أعطى إشارات إيجابية، لكن كافلاك يأسف لأن “قرارات الاتحاد الأوروبي بطيئة جدًا”، ما قد يضيع فرصة ثمينة.
الأمم المتحدة: “الوقت لا يزال مبكرًا للعودة المنظمة”
بحسب متين جوراباتير، مدير مركز أبحاث اللجوء والهجرة (IGAM)، فإن منظمات الأمم المتحدة تعتبر أن الظروف لم تنضج بعد لبدء العودة المنظمة والمدعومة ماليًا. ورغم وجود أفكار لدعم النقل وإعادة الإعمار، إلا أن الجهات الدولية لا تزال مترددة في تقديم حوافز للعودة. حتى الطلب التركي بدعم برامج التدريب المهني المرتبطة بترحيل اللاجئين لم يلقَ قبولًا. ومع ذلك، هناك مقترحات لتعليم اللغة العربية للأطفال السوريين، وربما توفير شهادات تركية عبر التعليم عن بعد.
“الاندماج” كلمة محظورة في السياسة التركية
أشادت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتركيا، لأنها – بعد سقوط الأسد – سمحت بشكل سريع لما يُعرف بـ”زيارات التحقق”: حيث يمكن لكل عائلة إرسال أحد أفرادها لزيارة سوريا والعودة لتقييم الوضع. وقد شارك 33,500 شخص في هذه المبادرة، لكنها توقفت بنهاية يونيو 2025، رغم مطالب المجتمع المدني بتمديدها.
وتتوقع المفوضية أن يصل عدد العائدين إلى نحو 700 ألف لاجئ سوري بحلول نهاية 2025، لكن مراقبين يرون هذا الرقم متفائلًا جدًا في ظل الأوضاع الميدانية الراهنة. وفي جميع الأحوال، يتضح أن غالبية السوريين لن يعودوا في المستقبل القريب. وهنا يواجه صناع القرار في أنقرة “لحظة الحقيقة”، في ظل استمرار رفض النخبة السياسية استخدام مصطلح “الاندماج” في الخطاب الرسمي.
استراتيجية جديدة: من الاقتصاد الموازي إلى السوق النظامي
ورغم كل ذلك، فإن المديرية العامة للهجرة التركية بدأت في تعديل استراتيجيتها تدريجيًا لمواكبة الواقع. ففي الوقت الحالي، يعمل أكثر من 1.1 مليون سوري في قطاعات غير رسمية مثل الزراعة والمصانع وورش السيارات. والآن تُطرح خطة لدمج هؤلاء العمال في سوق العمل النظامي. كما تنص لائحة جديدة أنه اعتبارًا من يناير المقبل (2026)، سيكون على أصحاب العمل تحمّل تكاليف ترحيل أي عامل أجنبي يعمل لديهم بشكل غير قانوني.
وقد يكون ذلك إيذانًا بنهاية مرحلة “العودة الطوعية فقط”، تمهيدًا لخيارات سياسية أكثر صرامة.
فريدريكه بويغ – فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ