المفتاح الضائع... سيناريوهات عودة اللاجئين السوريين من تركيا

3.3 مليون لاجئ ينتظرون اللمسات النهائية لخريطة طريق الإياب

 لم تعد أمام النازحين السوريين خيارات كثيرة، فالبقاء في البلدان المضيفة وسط مخاوف الطرد والترحيل القسري إلى الديار بات مسألة وقت ليس إلا، إذ ولّت كلمات الترحيب بالهاربين من ويلات الحرب، ففي تركيا ينتظر 3.388 مليون لاجئ سوري (بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين) مصيرهم المحتوم الرجوع للوطن مهما طال بهم الزمن، فاللمسات الأخيرة لخطوط خريطة طريق عودتهم تتجه نحو الانتهاء، عودة لطالما اعتراها غموض حول الوجهة ومصيرٍ مجهول إلى بلاد طاولتها نيران الصراع المسلح على مدار 12 عاماً مضت، وشهدت خلالها موجات هجرة ونزيف بشري عارم من دون توقف كان أبرزها في 2015 إلى أوروبا والدول المجاورة.

يأتي هذا مع التحضير لاجتماع لجنة إعداد خريطة طريق بغية عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، ومن المرجح حضور اللجنة كلاً من نائب وزير الخارجية التركي، بوراك أكاشابار، وشخصيات رفيعة المستوى تمثل أجهزة الاستخبارات ووزارتي الدفاع والداخلية وجميع أطراف اللجنة الرباعية، استكمالاً لمشوار الاجتماع الرباعي في موسكو منذ البداية لاستئناف العلاقات بين تركيا وسوريا والذي جاء بعد سلسلة اجتماعات لوزراء الدفاع والأجهزة الأمنية (تركيا وسوريا وإيران وروسيا) في 25 أبريل (نيسان) الماضي وصولاً لاجتماع العاشر من مايو (أيار) الجاري والذي ضم وزراء خارجية الدول الأربع.

حلول العودة

في هذه الأثناء تشهد دمشق انفتاحاً عربياً لم يسبق له مثيل منذ تجميد عضويتها في مجلس دول الجامعة العربية 2011 على خلفية الحراك الشعبي الذي حدث، بينما كان لحضور الرئيس السوري، بشار الأسد، فعاليات جلسة القمة العربية في جدة 19 مايو الحالي بمثابة فك حصار طال انتظاره، ساعد ذلك كسر جمود العلاقات الدبلوماسية بزيارات رسمية لعدد من وزراء الخارجية العرب، واجتماع العرب الذي خرج بإجماع على قرار إعادة سوريا.

 ويرجح مراقبون أن فك العزلة لن يكتمل مساره إلا إذا تابع قطار التفاوض سيره تجاه إسطنبول سعياً لعودة المياه إلى مجاريها، تدفع تلك المصالحة وجود مصالح مشتركة بين كلا البلدين من حيث الجغرافيا والموقع ومن بوابة الاقتصاد (تتشاطر كلاً من تركيا وسوريا حدود إدارية بطول نحو 911 كيلومتراً).

كل ذلك يرغم كليهما على السعي لمفاوضات سياسية لحل الخلاف، والذي زاد تعقيداً توغل الجيش التركي إلى سوريا وسيطرته على مساحات واسعة شمال البلاد بعمليات عسكرية (غصن الزيتون، نبع السلام، درع الفرات) متذرعاً بملاحقة الأحزاب الكردية المقاتلة والتي يصفها بـ'الإرهابية' بينما تصرّ دمشق على انسحاب القوات التركية من أراضيها كشرط أساس قبل البدء بالمفاوضات بينهما.

ويكاد يجزم متابعون أن التقارب الحاصل والذي بدأت ملامحه تظهر في اجتماع الرباعية لوزراء الخارجية في موسكو سيفضي إلى حل سريع لأزمة اللجوء، حيث يشكل الأفغان (نصف مليون لاجئ) والسوريون عدداً متزايداً، لا سيما أن الأراضي التركية وبحكم قربها من أوروبا باتت محطة انطلاق براً أو بحراً إلى دول القارة الأوروبية وبرحلة محفوفة بالمخاطر، على رغم ارتفاع ضبط الشريط الحدودي خشية تسرب المزيد من المتسللين كطالبي اللجوء.

وفي حين يرى الباحث السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو في حديثه لـ 'اندبندنت عربية' أن مسألة عودة اللاجئين قضية ما زالت قائمة وتصرّ الدولة التركية على إيجاد حلول لها و'بأية حكومة كانت'، توقّع أن يعود جزء من السوريين، واستبعد بذات الوقت عودة شاملة لجميعهم، معتبراً ذلك أمراً صعباً.

ويعتقد أوغلو في معرض حديثه عن خريطة الطريق أنها 'تشمل عودة إلى كافة الأماكن في الأراضي السورية من دون استثناء، فكل مناطق النفوذ المتوزعة على امتداد سوريا تشملها الخريطة، إما بالشمال وهي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة ضمن وحدات سكنية شيدت حديثاً، وخصصت للنازحين، أم إلى مناطق واقعة تحت سيطرة مباشرة من قبل الدولة السورية'.

وأضاف الباحث التركي 'بالنسبة لخريطة العودة نجاحها مرتبط بعودة العلاقات مع دمشق إلى ما كانت عليه قبل الحرب، لأنه في النهاية تركيا تحاول إيجاد صيغة مناسبة مع العاصمة السورية، ومنها حل أزمة اللاجئين وإعادة إحياء المنطقة وإنعاشها من جديد سياسياً واقتصادياً، فحالة الحرب انتهت بين البلدين كما أظن'.

بالمقابل أطلق زعيم الحزب الجمهوري والمرشح الرئاسي، كمال كليتشدار أوغلو، وعوداً أثناء حملته الانتخابية بالتزام المعارضة وبتعهداتها حول ترحيل اللاجئين، وقال 'سيُطبق هذا الوعد من دون ممارسة أي عنصرية، ومن خلال تلبية جميع احتياجات السوريين، وضمان سلامة أرواحهم وممتلكاتهم، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي ومساهمة من مقاولين أتراك، وإذا أرادوا القدوم إلى تركيا يمكنهم ذلك لكن كسائحين'.

الاستقرار الشامل

وإن كانت العودة الآمنة تُعدّ من أولى أولويات النازحين السوريين في تركيا أو بكافة أنحاء العالم، فإن الحياة الاقتصادية وسبل العيش الكريم لا تقل أهمية عن ذلك، وانكفاء الغالبية ورغبتهم بالعودة يأتي لما وصلت إليه الحال الاقتصادية في سوريا، والذي أصبح 'لا يسر العدو ولا الصديق'، كما يصفه الشارع السوري بالداخل، حيث تضيق حلقات الضائقة المالية على أنفاس المواطنين مع تدني القوة الشرائية، وزيادة التضخم يوماً بعد يوم ولا سيما زيادة الضرائب وغلاء الأسعار.

ويستبعد مسؤول إحدى ورش الخياطة بولاية غازي عنتاب، ماجد ريان، إقبال اللاجئين بالعودة حال لم تتوافر لديهم مقومات الحياة والعيش، حيث قال 'أغلب القرى والمدن مدمرة، لا يمكن رجوع مئات الآلاف من العائلات لكي يقيموا فوق أكوام الدمار، الأولوية لإعادة الإعمار أولاً ومن ثم يمكن الانتقال للعودة حتى ولو كانت إجبارية، من منا لا يُسعد حين يعود لدياره وأرضه وبيته'.

في غضون ذلك، يعتبر وزير الخارجية التركي، تشاويش أوغلو أن إعادة 550 ألف سوري إلى بلادهم غير كاف، وذكر في تصريحات صحافية 'نحتاج إلى إرسالهم ليس فقط إلى مناطق آمنة، ولكن أيضاً إلى أماكن تسيطر عليها القوات الحكومية'.

بالمقابل وسّع الجيش النظامي من مناطق نفوذه بدعم إيراني وروسي خلال السنوات القليلة الماضية، وحافظت حكومة دمشق على نسبة سيطرتها 63 في المئة من الجغرافيا السورية والتي تشمل جنوب البلاد وحلب شمالاً ومحافظات وسط سوريا والساحل وأجزاء من المحافظات الشرقية.

وجدد وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، في حديث لقناة 'آر تي' الروسية، دعوة اللاجئين من أجل العودة في ظل إصدار قرارات ومراسيم تضمن الحياة والعودة الكريمة محملاً الدول الغربية المسؤولية عن عدم وجود البيئة المناسبة لعودتهم.

مستوطنات الشمال

إزاء ذلك لم يعد أمام اللاجئ السوري في ما يخص العودة إما الهجرة نحو أوروبا، وهو ما يتوقع حدوثه حال زاد الضغط على إعادة اللاجئين، أو الوصول إلى المناطق الآمنة في الداخل، والتي تسيطر عليها الحكومة من خلال ضمانات من المُنتظر أن تكون روسية أو عربية.

وثمة خيار أقرب للتحقق بالنسبة لأصحاب التيار المعارض للسلطة ألا وهو الوصول للشمال السوري حيث تقيم الحكومة وحدات سكنية في مدينة جرابلس وريف حلب وغيرها من المناطق المجهّزة بكافة الاحتياجات والمنشآت مع توفير فرص العمل لتوطين اللاجئين بها.

 وهذه الوحدات السكنية الحديثة تتسع لمليون شخص تستوعبهم 240 ألف مسكن على مدار ثلاث سنوات، وقد وضع حجر الأساس أخيراً وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، والذي أشار إلى طوعية العائدين خلال خطاب له بهذه المناسبة، كما أن مشروع التوطين يشمل مدناً في الشمال والشمال الشرقي منها رأس العين وتل أبيض والباب.

وأمام خريطة الطريق تلك لن يكون أصحابها بمنأى عن التهجير ثانية، وتنتظرهم رحلة نزوح وشيكة لمن لا يفضل العودة، وفي وقت السيناريو الوحيد للعودة ينتظر الجميع تحقيقه فعلاً هي التسوية الشاملة المبنية على تطبيق القرارات الأممية ومنها القرار 2254 المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية كمفتاح ما زال ضائعاً للحل.