اخبار سوريا
موقع كل يوم -صحيفة تشرين
نشر بتاريخ: ٤ كانون الأول ٢٠٢٤
تشرين – مها سلطان:
حول «أمر عمليات» لا يمكن أن يكون إلا مشتركاً ومنسقاً بين المحتل التركي والعدو الإسرائيلي (وبضوء أخضر أميركي) تركزت جلسة مجلس الأمن الدولي- مساء أمس- حول تطورات شمال سورية بعد الهجوم الإرهابي الذي بدأ في 27 الشهر الماضي ولا يزال مستمراً بدعم من أعطى أمر العمليات.
التركيز على هذه المسألة، أي أمر العمليات، كان متوقعاً في ظل الوضوح الشديد الذي انطوى عليه الهجوم، حيث لم يكن لهؤلاء أن يخفوا حقائق تورطهم، من التنفيذ، رجوعاً إلى التخطيط والتمهيد المسبق، أي النيات المبيتة حتى تحين اللحظة المناسبة، التي رأوا أنها حانت بعد الاتفاق على جبهة لبنان، وبحيث يكون الكيان الإسرائيلي متفرغاً لمتابعة أمر العمليات على الأرض، والذي بدوره يُبيت النيات التي صرح عنها بقوله إنه في مرحلة ما «سيتدخل على الأرض».. وطبعاً نحن هنا لن نتحدث عن أطراف أخرى إقليمية كانت ضمن أمر العمليات، ولسنا بحاجة للتعريف بها، فيكفي أن نتحدث عن التمويل لمجاميع الإرهابيين في هجومها على الشمال، لندرك من هي هذه الأطراف.
الهجوم الإرهابي على الشمال يُفترض به أنه أسقط كل قواعد الاشتباك ودفع الميدان باتجاه خيار واحد هو الحسم
أيضاً، كان متوقعاً أن تكون الجلسة حامية، في ظل سقوط كل «قواعد الاشتباك» باتجاه تحديد نهائي لمحاور الحرب وجبهاتها، وفي ظل انقلاب جديد (وليس استدارة فقط) نفذه النظام التركي الذي يقوده رجب أردوغان.. وهو انقلاب من المرجح أن يعيد خلط أوراق المحاور والجبهات، وإذا ما أضفنا الأميركي ودخوله عملياً في فتح جبهة «قسد» الانفصالية، بالتزامن، يكون الميدان حكماً أمام خيار وحيد لا ثاني له، هو الحسم.. وهو، برأي فريق واسع من المراقبين، حسم مفروض لا فكاك منه، سواء بالنسبة لسورية وحلفائها حيث وصل المخطط إلى مراحله الأخطر، أو لتحالف العدوان، أميركا- تركيا- الكيان الإسرائيلي، في حال أراد المضي في مخططه الإقليمي، على قاعدة تسريع التنفيذ، وإغلاق الميادين قبل بدء ولاية دونالد ترامب الذي يريد دخول المنطقة «فاتحاً» لعهد جديد من «التطبيع والسلام الاقتصادي».. وإلا، فإن على المنطقة أن تستعد لدفع أثمان جحيم جديد أكبر وأشد توعد به ترامب.
جلسة مجلس الأمن
لم تنتهِ جلسة مجلس الأمن الدولي إلى قرار أو بيان، بل انتهت على مواجهة حامية بين مندوبي روسيا وأميركا.. وما كان من المندوب الأميركي روبرت وود من الفجور المعلن إلا أن تلطى خلف ما سماه «إدراج الولايات المتحدة والأمم المتحدة هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية» لرد جريمة الإرهاب ودعم الإرهابيين والتسبب بسقوط المزيد من الضحايا المدنيين، متهماً الدولة السورية وروسيا، ليرد مندوب روسيا فاسيلي نيبينيزيا بالقول: «ليس لديك الشجاعة للتنديد بهجوم إرهابي واضح على المدنيين المسالمين في المدن السورية المسالمة».
وكان مندوب سورية، قصي الضحاك، أكد أمام الجلسة أن حجم الهجوم ونطاقه يوضحان دعم أطراف إقليمية ودولية وجدت في الإرهاب أداة لتنفيذ سياستها الخارجية واستهداف سورية وزعزعة أمنها واستقرارها، وقال: إن الهجوم الإرهابي على حلب تزامن مع تدفق الإرهابيين عبر الحدود الشمالية وتكثيف الدعم الخارجي لهم بما فيه العتاد الحربي والأسلحة الثقيلة والعربات والطائرات المسيّرة وتقنيات الاتصال الحديثة وتأمين خطوط الإمداد العسكري واللوجيستي.
سورية قادرة وعازمة على اجتثاث الإرهاب وستتخذ كل ما يلزم للدفاع عن مواطنيها والتصدي للإرهابيين
وأكد أن هذا الهجوم الإرهابي لم يكن ممكناً تنفيذه من دون ضوء أخضر وأمر عمليات تركي – إسرائيلي مشترك مهدت له اعتداءات إسرائيلية متكررة على الأراضي السورية، مشيراً إلى أن آلاف العائلات نزحت باتجاه مناطق الدولة السورية، في حين يواجه من بقي عالقاً في الداخل ظروفاً إنسانية صعبة واعتداءات من التنظيمات الإرهابية.
وفيما شدد المندوب الضحاك على أن هذا الهجوم الإرهابي هو انتهاك سافر للقرارات الأممية واتفاقات «خفض التصعيد» التي أقرها مسار أستانا، فإنه يفرض على مجلس الأمن إدانته وإلزام الدول المشغلة لهذه التنظيمات بالعدول عن سياساتها وعدم السماح بتكريس واقع إرهابي أو إبقاء المدنيين رهينة لتلك التنظيمات. وقال: إن سورية تحمل الدول الداعمة لتنظيم «هيئة تحرير الشام» والكيانات المرتبطة به، المسؤولية الكاملة عن هذا الهجوم والآثار المترتبة عليه، مجدداً أن سورية ماضية في ممارسة حقها السيادي وواجبها الدستوري والقانوني في محاربة الإرهاب بكل قوة وحزم وستتخذ كل ما يلزم من إجراءات للدفاع عن مواطنيها والتصدي للتهديد الذي يمثله الإرهاب وتحرير أراضيها منه، وهي قادرة وعازمة على اجتثاث الإرهاب.
بين سورية والإقليم
ولأن قواعد الاشتباك سقطت تباعاً، وبما يحرر الجميع باتجاه أقصى التصعيد، فإن تطورات الأيام المقبلة ستشهد أشد المعارك وفق قواعد اشتباك جديدة، ستمتد إقليمياً وإن كانت المعارك النهائية ستتركز في مناطق الشمال السوري، حسب ما تشير التصريحات التي تتوالى وتتسع وفق المخاطر التي تفرضها الهجمة الإرهابية على سورية والمخططات من خلفها.
جيشنا وبإسناد شعبي مشهود يستعيد زمام الميدان ويؤمّن البلدات والقرى ويوجّه للإرهابيين ضربات قاصمة
وفيما جيشنا – وبإسناد شعبي مشهود – يستعيد زمام الميدان، متقدماً في عدة محاور، يؤمّن البلدات والقرى، ويوجه للإرهابيين ضربات قاصمة، قاطعاً خطوط إمدادهم.. يرى فريق واسع من المراقبين ضرورة ترقب تطورات إقليمية مهمة على صعيد المواقف، أو بعبارة أدق على صعيد تجاوز مواقف سابقة أو توسيعها لتكون أكثر تأثيراً/حسماً في مجريات الميدان.. ودائماً العين على إيران، ليس لأنها حليف للدولة السورية فقط، بل لأنها ضمن مخطط الاستهداف الأميركي- الإسرائيلي، وسبق أن أكدت إيران استعدادها لتقديم كل أشكال الدعم لسورية بمواجهة الهجمة الإرهابية الجديدة.
وكان مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، قال خلال اجتماع جلسة مجلس الأمن الدولي مساء أمس: إن حجم العمليات الإرهابية وتعقيدها، بما في ذلك استخدام الأسلحة المتقدمة والطائرات من دون طيار «يشيران إلى الدعم الخارجي المتعمد، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي جعلت من الإرهاب أداة في سياستها الخارجية لتحقيق أهداف سياسية»، معرباً عن قلق بلاده إزاء هذا التصعيد، ومؤكداً أن إيران تدعم الحكومة والشعب السوري في حربهما العادلة والحازمة ضد الإرهاب.
واعتبر إيرواني أن الهجوم الإرهابي على إدلب وحلب ستكون له عواقب مدمرة على المنطقة وشعبها، متطرقاً إلى استهداف القنصلية الإيرانية في حلب الذي «يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي وغير مسموح به تحت أي ظرف من الظروف».
وشدد على ضرورة محاسبة الدول المسؤولة عن هذا التصعيد، وعن العواقب المدمرة التي ألحقتها بالشعب السوري، وقال: ما حدث في حلب وإدلب يجب أن يكون بمنزلة جرس إنذار للمنطقة بأكملها بشأن عودة ظهور الإرهاب والتطرف.
تسمية الأشياء بمسمياتها
بكل الأحوال كان لافتاً أن اللقاءات والاتصالات حول التصعيد الإرهابي في شمال سورية، اتسمت للمرة الأولى ربما بالبعد عن الدبلوماسية في التصريحات النهائية، بل بدا أن هناك حاجة ملحة (وليس تعمداً) إلى تسمية الأشياء بمسمياتها، خصوصاً فيما يتعلق بالنظام التركي وانقلابه الجديد على تفاهمات الحلفاء ومسار أستانا، وهو ما استدعي كثيراً من التحليلات والتساؤلات المستمرة حول المصلحة التركية، وحول شكل العلاقات المقبلة بين النظام التركي وكل من روسيا وإيران، وهل يمكن العودة إلى العمل بينهم وفق مسار أستانا، وكأن شيئاً لم يكن؟
كان لافتاً أن التصريحات ابتعدت هذه المرة عن الدبلوماسية وبدا أن هناك حاجة ملحة لتسمية الأشياء بمسمياتها خصوصاً فيما يتعلق بتركيا
جزء من هذه التساؤلات قد يجيب عنه اجتماع أستانا المرتقب في 8 كانون الأول الجاري، والذي سينعقد على الحد الأدنى من التفاؤل، بينما يتوقع أن يكون الميدان قد انتقل نحو مرحلة تصعيد أكبر وأوسع جغرافياً.
ترامب وإحراق المنطقة
في الأثناء، ما زال تهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بأنه سيحرق المنطقة إذا لم يتم إطلاق الرهائن الإسرائيليين قبل بدء ولايته في 20 كانون الثاني المقبل.. ما زال هذا التهديد يطفو على الساحة، وبينما يرى البعض أن على المنطقة أن تتأهب للأسوأ، يرى البعض الآخر أن المنطقة تجاوزت أساساً هذا التهديد، وأن الولايات المتحدة تستمر بإحراق المنطقة منذ ثلاثة عقود، في حين يرى فريق ثالث أن على ترامب إذا ما أراد «إحراق المنطقة» أن يترك كل العالم ويتفرغ للمنطقة، أي أن يترك الصين وروسيا خصوصاً، ويستقر في المنطقة طوال السنوات الأربع المقبلة لولايته، لكنها لن تكفيه على الأكيد، فرغم أن أميركا هي أم الإرهاب في المنطقة، إلا أن ترامب عاجز عن إحراقها، بل هي من ستحرقه بسنوات ولايته الأربع، وسيخرج من البيت البيضاوي كما دخله، ولكن بفارق هزائم أكبر للولايات المتحدة على صعيد النفوذ والسيطرة في المنطقة، عما كانت عليه الحال في ولايته الأولى.