اخبار سوريا
موقع كل يوم -سناك سوري
نشر بتاريخ: ٢٣ شباط ٢٠٢٥
واجه جيل الشباب السوري واحدة من أطول المِحَن وأعنفها في عهد النظام البائد ليكون أكثر فئات المجتمع دفعاً للأثمان خلال 14 عاماً.
وليس غريباً القول أن الشباب في 'سوريا' كانوا النسبة الغالبة سواءً بين الضحايا أو المعتقلين أو المهجّرين، في وقتٍ كان فيه نظام 'الأسد' يضع الشباب الذكور بين خيارين إما أن يكونوا وقوداً للحرب أو أن يغادروا بلادهم قسراً، وفي الحالتين عليهم أن يتحولوا إلى مصدر مالي لصبِّ ما يحصدونه في خزائن النظام.
تعامل نظام 'الأسد' بأسوأ الطرق مع جيل الشباب، وعمل على 'تطفيشهم' بشكل ممنهج حيث لم يرَ فيهم سوى وسيلة للنهب، عبر دفع بدل للخدمة العسكرية أو دفع رشاوى أثناء تأدية الخدمة، أو دفع رسوم جواز السفر أو دفع ودفع إلى ما لا نهاية.
فشل النظام السوري في تدجين الأجيال المتعاقبة من الشباب عبر منظماته الحزبية التي تفرض قسراً على الأجيال منذ الطفولة في 'طلائع البعث' وحتى سن الشباب في 'اتحاد شبيبة الثورة' أو 'اتحاد الطلبة' في المرحلة الجامعية.
هذه الأدلجة القسرية لم تنجح في تدجين الشباب على مدار عقود، لكنها لم تكن الوسيلة الوحيدة لدى النظام ربما لأنه يدرك مدى هشاشة شعاراته التي يحاول حقن الأجيال بها، فاتّبع وسيلة أخرى تتمثّل بمنح الميزات لمن يدين له بالولاء.
وعلى الرغم من أن الجامعات الحكومية كانت متاحة للجميع نظرياً، إلا أنها كانت تمنح ميزات للطالب 'البعثي' مثل المنح الدراسية أو البعثات الخارجية، أما بعد انتهاء الدراسة فإن مسألة التوظيف في المؤسسات العامة سترتبط بإجراء دراسات أمنية تتضمن البحث في الانتماء السياسي لمقدِّم طلب التوظيف، ثم سيرتبط الارتقاء في السلم الوظيفي حكماً بالانتماء السياسي للحزب أو لأحزاب الجبهة الموالية للنظام، مع الإشارة لوجود حالات استثنائية لوصول مدراء أو وزراء غير بعثيين، إلا أن الصورة العامة كانت كذلك.
أنتج المشهد السوري صورةً قد تكون مكررة في بلدان أخرى عاشت ظروفاً مماثلة من الثورات والصراعات مع الديكتاتوريات، حيث يكون الجيل الشاب في المقدمة خلال الصراع وعند نهاية المشهد والانتهاء من حقبة الديكتاتور يتراجع دور الشباب لصالح قيادات أكبر سنّاً تحت ذرائع متعلّقة بالخبرة والحنكة وثقة المجتمع.
ولا شكّ أن القرارات التي اتخذتها السلطات الجديدة في 'سوريا' بما يتعلق بإلغاء الخدمة الإلزامية وإلغاء دفع بدل الخدمة للمغتربين، أعطت شعوراً بالأريحية للشبان ومنحتهم حرية التحرك داخل بلادهم وحرية اتخاذ قرار السفر والبقاء دون ضغوط الخوف والترهيب.
ولكن المسألة لن تنتهي هنا، إذ سيظهر تلقائياً السؤال عن الأفق الحالي للشباب وتحديداً بما يتعلّق بفرص العمل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
ويرى البعض أن افتتاح الإدارة الجديدة رحلتها في السلطة من بوابة تسريح الموظفين عبر إنهاء العقود أو قرارات الفصل أو الإجازات القسرية، لم يكن السيناريو المثالي لها خاصة في ظل الوضع الراهن الذي يبحث فيه السوريون عن مصدر دخل يعيلون به أسرهم.
في المقابل كانت فرصة العمل الأولى التي وفّرتها الإدارة الجديدة فتح باب التطوع في الجيش وأجهزة الأمن للشباب، بعد حلّ الجيش والأجهزة الأمنية التي كانت قائمة في عهد النظام البائد.
والأكيد هنا أن أي بلد في العالم تحتاج جيشاً وأجهزة شرطة وأمن، لكن الشباب السوري اليوم يحتاج فرص عمل تبعده عن العسكرة وتسعفه في الظرف الراهن وتجعله منتجاً وفاعلاً في المجتمع وتجنّبه سيناريو 'التطفيش' والسفر القسري وإن بشكل غير مباشر في حال تحوّل إلى جيش بطالة.
مسألة خلق فرص عمل للشباب أكثر واقعية من شعار 'بالحب بدنا نعمرها' فرغم ضرورة الحب في مسألة البناء إلا أنه ليس عاملاً كافياً إذ لا بدّ من توفير بيئة حقيقية لتوظيف طاقات الشباب عبر طريقين هما فتح باب الحريات على إطلاقه من أجل إفساح المجال لجيل الشباب للتعبير عن نفسه وتطلعاته وحماية خصوصياته الثقافية والاجتماعية، والآخر توفير الفرص للعمل والإنتاج وحتى القيادة عن استحقاق وليس على مبدأ 'الولاء' تجنّباً لتكرار سيناريو النظام الذي لم يتعامل مع الشباب كثروة من الطاقات والإمكانات والإبداعات ولم يرَ فيهم سوى مصدر لصناعة ثروة مالية لخزينته الخاصة.