اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٤ حزيران ٢٠٢٥
التنظيم ينشط خلايا نائمة في البلدين وإحباط 12 مخططاً كبيراً هذا العام وترمب طلب من الشرع منع عودته
حذر زعماء في منطقة الشرق الأوسط وحلفاء غربيون من احتمال استغلال 'داعش' سقوط نظام بشار الأسد للعودة إلى سوريا والعراق، حيث فرض التنظيم المتطرف ذات يوم سطوته بالإرهاب على الملايين.
ويرى أكثر من 20 مصدراً من بينهم مسؤولون أمنيون وسياسيون من سوريا والعراق والولايات المتحدة وأوروبا ودبلوماسيون في المنطقة، أن هذا هو تحديداً ما يسعى تنظيم 'داعش' إلى تحقيقه.
وتقول المصادر إن التنظيم بدأ بإعادة تنشيط مقاتليه في البلدين وبدأ أيضاً بتحديد أهداف محتملة وتوزيع أسلحة وتكثيف جهود التجنيد والدعاية.
وتبدو نتائج هذه المساعي محدودة حتى الآن، وقالت عناصر أمن في سوريا والعراق تراقب تنظيم 'داعش' منذ أعوام، إنهم أحبطوا ما لا يقل عن 12 مخططاً كبيراً هذا العام، ومن الأمثلة على ذلك ما جرى في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وهو الشهر ذاته الذي أطيح فيه بشار الأسد.
عملية معقدة بالعراق
قال خمسة من مسؤولي مكافحة الإرهاب في العراق، إن قيادات بـ'داعش' متحصنون قرب الرقة، حيث كانت عاصمة 'الخلافة' التي أعلنها التنظيم سابقاً، أرسلت مبعوثين لبغداد بالتزامن مع التقدم الذي أحرزته قوات من المعارضة المسلحة في دمشق.
وأضافوا أن المبعوثين حملا تعليمات شفهية لأتباع التنظيم بشن هجمات، لكنهما اعتقلا عند نقطة تفتيش لدى تنقلهما في شمال العراق في الثاني من ديسمبر الماضي.
وبعد مرور 11 يوماً على ذلك، تمكنت قوات الأمن العراقية، بناء على معلومات حصلت عليها من المبعوثين، من تعقب من يشتبه في أنه انتحاري داعشي كان متجهاً إلى مطعم مكتظ في بلدة داقوق بشمال البلاد عبر تتبع هاتفه المحمول، وقال المسؤولون إن القوات أطلقت النار على الرجل وأردته قتيلاً قبل أن يتمكن من تفجير حزام ناسف.
وذكر العقيد عبدالأمير البياتي من الفرقة الثامنة بالجيش العراقي والمنتشرة في المنطقة أن الهجوم الذي جرى إحباطه أكد شكوك بغداد في شأن التنظيم الإرهابي، وقال 'بدأت عناصر تنظيم داعش في إعادة تفعيل نشاطها بعد أعوام من الخمول، مستغلين الفوضى في سوريا'.
ومع ذلك، انخفض عدد الهجمات التي يتبناها تنظيم داعش منذ سقوط الأسد.
أرقام مخيفة
ووفقاً لبيانات مجموعة (سايت إنتليجنس) المعنية بمراقبة نشاط المتشددين عبر الإنترنت، أعلن تنظيم 'داعش' مسؤوليته عن 38 هجوماً في سوريا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، مما يجعل من المتوقع أن يعلن عن إجمالي يزيد قليلاً على 90 هجوماً هذا العام، وتشير البيانات إلى أن هذا سيشكل نحو ثلث عدد الهجمات التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها عام 2024.
وفي العراق، حيث نشأ 'داعش'، أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن أربع هجمات في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، مقابل 61 هجوماً في الإجمال في 2024.
ولم ترد الحكومة السورية على أسئلة حول أنشطة تنظيم 'داعش'، ويقود أحمد الشرع، ذو التوجه الإسلامي، سوريا حالياً في منصب الرئيس في المرحلة الانتقالية.
وقال وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة في يناير (كانون الثاني) الماضي إن الدولة تطور جهودها في جمع معلومات الاستخبارات، وأجهزتها الأمنية ستتصدى لأي تهديد.
وقال مسؤول دفاعي أميركي ومتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي إن قدرات فلول 'داعش' في سوريا والعراق ضعفت إلى حد كبير، إذ لم يتمكنوا من السيطرة على مناطق منذ أن طردهم تحالف قادته الولايات المتحدة وشركاء محليون من آخر معاقلهم في 2019، وقال صباح النعمان المتحدث باسم الجيش العراقي إن العمليات الاستباقية هي التي أدت إلى إبقاء التنظيم تحت السيطرة.
وبعد سقوط الأسد، استهدف التحالف وشركاؤه مخابئ المتشددين بغارات جوية ومداهمات، وأوضح النعمان أن هذه العمليات أسفرت عن اعتقال أو قتل 'عناصر إرهابية' ومنعتهم من إعادة تنظيم صفوفهم وتنفيذ عمليات، وأضاف أن عمليات الاستخبارات العراقية أصبحت أكثر دقة من خلال استخدام الطائرات المسيرة وغيرها من التقنيات.
وفي أوج قوته في الفترة من 2014 إلى 2017، سيطر تنظيم 'داعش' على ما يقارب ثلث سوريا والعراق، حيث فرض تفسيره المتطرف للشريعة الإسلامية وعرف عنه ارتكاب أعمال عنف وحشية لدرجة صادمة.
ولم يشر أي من المسؤولين إلى خطر من تكرار ذلك، لكنهم حذروا من مغبة استبعاد التنظيم من الحسابات قائلين إنه أثبت أنه عدو لديه مرونة ويمكنه استغلال أي فراغ أمني ببراعة.
ويشعر بعض المسؤولين في المنطقة وفي أوروبا بالقلق من احتمال سفر مقاتلين أجانب إلى سوريا للانضمام إلى جماعات متطرفة، وقال مسؤولان أوروبيان إن أجهزة الاستخبارات رصدت للمرة الأولى منذ أعوام وصول عدد محدود ممن يشتبه في أنهم من المقاتلين الأجانب من أوروبا إلى سوريا في الأشهر القليلة الماضية، إلا أنهما لم يتمكنا من تحديد ما إذا كان تنظيم 'داعش' أو جماعة أخرى هي التي جندتهم.
استغلال الانقسامات
يأتي ضغط تنظيم 'داعش' في وقت حساس للشرع، إذ يحاول توحيد بلد متعدد الطوائف ووضع جماعات المعارضة المسلحة السابقة تحت سيطرة الحكومة بعد حرب أهلية استمرت 13 عاماً.
واعتبر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب المفاجئ في مايو (أيار) الماضي برفع العقوبات عن سوريا انتصاراً للشرع الذي قاد في السابق فرعاً من تنظيم 'القاعدة' حارب 'داعش' لأعوام، لكن بعض المتشددين انتقدوا جهود الشرع لكسب ود حكومات غربية، وعبروا عن قلقهم من أنه قد يرضخ لمطالب الولايات المتحدة بطرد المقاتلين الأجانب وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
واستغل تنظيم 'داعش' هذه الانقسامات، وندد بالاجتماع مع ترمب في عدد حديث من نشرته الإخبارية الإلكترونية التي تحمل اسم 'النبأ'، ودعا المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الانضمام إلى صفوفه.
وفي اجتماع في الـ14 من مايو الماضي في السعودية، طلب ترمب من الشرع الإسهام في منع عودة ظهور تنظيم 'داعش' في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة في عمليات دمج لقواتها في سوريا تقول إنها قد تقلص وجودها العسكري البالغ قوامه حوالى ألفي جندي إلى النصف هذا العام.
وزاد احتمال الانسحاب الأميركي من القلق بين الحلفاء من احتمال توصل تنظيم 'داعش' إلى طريقة لتحرير حوالى 9 آلاف مقاتل وأفراد أسرهم، ومن بينهم أجانب محتجزون في سجون ومعسكرات تحرسها قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أكراد ومدعومة من الولايات المتحدة.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية إن محاولتين في الأقل للهرب من السجن وقعتا منذ سقوط الأسد، فيما يريد ترمب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تتولى الحكومة السورية مسؤولية هذه السجون والمعسكرات.
وينظر أردوغان إلى الجماعات الكردية الرئيسة على أنها تهديد لبلاده، لكن بعض المحللين في المنطقة يتشككون في امتلاك دمشق للقوة البشرية اللازمة لذلك.
وتواجه السلطات السورية صعوبات في التصدي لهجمات يشنها من يشتبه في موالاتهم للأسد، كما تعاني اندلاع عنف طائفي سقط فيه قتلى، وغارات جوية إسرائيلية واشتباكات تنشب بين جماعات مدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على حوالى ربع البلاد.
حكومة منهكة أمنياً
وقال تشارلز ليستر الذي يترأس برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط وهو مؤسسة بحثية أميركية، 'الحكومة السورية منهكة من الناحية الأمنية، ليست لديهم القوة البشرية الكافية لتعزيز السيطرة على كامل البلاد'.
ورداً على طلب للحصول على تعليق، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن من الضروري أن تستعيد الدول مواطنيها المحتجزين من سوريا وتتحمل جزءاً أكبر من عبء تأمين المعسكرات وكلف تشغيلها.
وقال مسؤول الدفاع الأميركي إن واشنطن لا تزال ملتزمة بمنع عودة 'داعش' ولا يزال شركاؤها السوريون الموثوقون موجودين في الميدان، وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة 'ستراقب بيقظة' حكومة الشرع التي 'تقول وتفعل الصواب' حتى الآن.
وبعد ثلاثة أيام من اجتماع ترمب مع الشرع، أعلنت سوريا أنها داهمت مخابئ دواعش في حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، وقتلت ثلاثة مسلحين واعتقلت أربعة وضبطت أسلحة وأزياء عسكرية.
وقال مسؤول دفاعي أميركي آخر ومسؤولان سوريان إن الولايات المتحدة تتبادل معلومات استخباراتية مع دمشق في حالات محدودة، ولم تتمكن 'رويترز' من تحديد ما إذا كانت واشنطن قد فعلت ذلك في ما يتعلق بعمليات الدهم في حلب.
ومن المتوقع أن ينهي التحالف عملياته في العراق بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل، لكن المسؤول الأميركي الثاني قال إن بغداد أبدت سراً اهتمامها بإبطاء انسحاب حوالى 2500 جندي أميركي من العراق عندما أصبح من الواضح أن الأسد سيسقط، وأكد مصدر مطلع على الأمر هذا الطلب.
ولم يرد البيت الأبيض وبغداد ودمشق على أسئلة حول خطط ترمب للقوات الأميركية في العراق وسوريا.
تنشيط الخلايا النائمة
تقدر الأمم المتحدة أن تنظيم 'داعش' لديه ما بين 1500 و3000 مقاتل في البلدين، لكن بيانات موقع سايت تظهر أن أنشط فروعه موجودة في أفريقيا.
وقال مسؤول دفاعي كبير للصحافيين في أبريل (نيسان) الماضي، إن الجيش الأميركي يعتقد أن الزعيم السري للجماعة هو عبدالقادر مؤمن الذي يتزعم ذراع التنظيم في الصومال.
وحذرت مديرة موقع سايت، ريتا كاتز، من مغبة اعتبار تراجع هجمات التنظيم في سوريا علامة ضعف، وقالت 'المرجح هو أنه دخل مرحلة إعادة صياغة إستراتيجيته'.
وقالت ثلاثة مصادر أمنية وثلاثة مسؤولين سياسيين في سوريا إن تنظيم 'داعش' يعمل على تنشيط خلايا نائمة ومراقبة أهداف محتملة وتوزيع أسلحة وكواتم صوت ومتفجرات منذ سقوط الأسد.
وأشارت المصادر الأمنية إلى أن التنظيم نقل أيضاً مقاتلين من صحراء سوريا، التي كانت محل تركيز الضربات الجوية للتحالف، إلى مدن منها حلب وحمص ودمشق.
وقال وزير الداخلية السوري أنس خطاب لقناة الإخبارية التلفزيونية الرسمية الأسبوع الماضي، 'تنظيم داعش من أخطر التحديات الأمنية التي نواجهها اليوم'.
وفي العراق، قال مستشار لقوات الأمن العراقية، علي الساعدي، إن عمليات الاستطلاع الجوي ومصادر الاستخبارات على الأرض رصدت نشاطاً متزايداً للدواعش في تلال حمرين شمال البلاد، التي شكلت ملاذاً منذ فترة طويلة، وعلى طول طرق رئيسة.
ويعتقد مسؤولون عراقيون أن 'داعش' استولى على كميات كبيرة من الأسلحة التي تركتها قوات الأسد، ويخشون تهريب بعضها إلى العراق.
وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إن بغداد على اتصال مع دمشق في شأن 'داعش'، موضحاً في تصريحات سابقة لـ'رويترز' أن التنظيم ينمو وينتشر في مزيد من المناطق، وأضاف 'نأمل أن تكون سوريا مستقرة في المقام الأول، وألا تكون مكاناً للإرهابيين وبخاصة إرهابيو تنظيم 'داعش'.