اخبار سوريا
موقع كل يوم -بزنس2بزنس سورية
نشر بتاريخ: ١٠ نيسان ٢٠٢٥
تعد القروض المصرفية اليوم ركيزة أساسية لدفع عجلة الإنتاج في اقتصادات العالم، غير أن المشهد في سوريا يبدو مختلفاً بعد أكثر من 13 عاماً من الحرب.
فالمصارف العاملة في سوريا ما تزال تعاني من آثار الأزمة، مما أدى إلى تعطيل دورها الطبيعي في تمويل المشاريع الإنتاجية. وبينما تشهد البلاد مؤشرات خجولة لتحسن الوضع الاقتصادي مؤخراً، تطرح تساؤلات جادة حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستنجح في تصحيح مسار الإقراض وإنعاش الاستثمار والإنتاج
في ظل الظروف الراهنة التي يشهدها العالم، تشير العديد من التقارير الاقتصادية إلى احتمال ارتفاع نسبة القروض لتصل إلى 110% من الناتج الإجمالي في بعض الدول، مما يعكس الدور المتزايد الذي تلعبه القروض في دعم الاقتصاد الوطني.'
ماذا عن سوريا..
من يراقب وضع المصارف والبنوك في سوريا يلاحظ فوراً أنها لا تزال تعاني من آثار الحرب لتي مرت بها البلاد منذ أكثر من 13 عام، والتي أدت إلى ظواهر غير طبيعية في الاقتصاد السوري تأثرت بها كل جوانب الحياة الاقتصادية وبالأخص الودائع والقروض المصرفية.
فمثلاً وخلال مراجعة سريعة لواقع القروض في سوريا فقد توقفت الأخيرة خلال الفترة ما بين 2012 وحتى 2016، وثم سمح المركزي السوري للمصارف بالعودة إلى التمويل، مع التركيز على مجالات القروض التي تخص الإنتاج مثل الصناعات الغذائية وقروض التجزئة « الاستهلاكية» بهدف تحريك عجلة الاقتصاد.
ولكن مع ارتفاع معدل التضخم الذي تعاني منه البلاد خلال تلك الفترة بسبب السياسات المالية الخاطئة وخوف المصارف من أزمة مصرفية تتجسد بعدم القدرة على الدفع حينها خففت المصارف إجراءات منح القروض بما يعني زيادة في نسبة السيولة المعطلة في البنوك بمقارنة بما يطلبه المركزي والتي عادة ما تصل لـ 30% من الإمكانيات كسيولة احتياطية، لكن السيولة المعطلة في البنوك وصلت إلى أكثر من 50%، الأمر الذي يعني تجميد دور البنوك في تحريك عملية النمو الاقتصادي حينها، واستمرار هذا التجميد حالياً كون المصارف لا تقدم قروضاً بالشكل المطلوب في الوقت الحالي.
حركة المصرف التجاري:
وكمثال على الحركة في المصارف العامة في البلاد خلال الفترة ما قبل التحرير فتشير البيانات المنشورة عن المصرف التجاري السوري «وهو أكبر المصارف السورية »خلال النصف الأول من العام 2024 إلى أن القروض الممنوحة خلال تلك الفترة كانت كالتالي:
قروض استثمارية : لتمويل رأس المال العامل بما يدعم المشاريع وبالأخص الانتاجية منها بقيمة 72 مليار ليرة سورية.
قروض التجزئة :بلغت 325 مليار ليرة سورية.
وأما قروض الطاقة المتجددة : فتبلغ 184 مليار ليرة سورية.
بينما بلغت ودائع القطاع الخاص لدى المصرف خلال النصف الأول من العام الحالي نحو 2.925 مليار ليرة كودائع تحت الطلب، و91 مليار ودائع لأجل، و 167 ودائع توفير.
وبذلك يمكن القول إن حجم الودائع في البنك التجاري السوري والذي يشكل بين 60 لـ 70% من حجم النظام المصرفي في سورية إذ أنها تبلغ نحو 3 تريليون و283 مليار ليرة خلال النصف الأول من العام 2024، فتعتبر قليلة مقارنة مع حجم الناتج المحلي الإجمالي المفصح عنه والبالغ 38 تريليون ليرة سورية، فالنسبة ستكون 7% فقط.
وبالاعتماد على نموذج التجاري السوري، كوسيلة لمقارنة عمل المصارف ستكون النسبة قليلة جداً، ويرى خبراء اقتصاديين أن السبب في ذلك يعود لعامل التضخم كون المودع عند الإيداع سيخسر قسمة التضخم من رأس المال، فمثلاً إذ وضع مستثمر وديعة بالبنك قدرها مليار وكانت نسبة التضخم 10% فإنه سيخسر 100 مليون ليرة سورية.
وبما أن حجم الفائدة سيكون أقل من معدل الربح، لذلك الناس لم تقدم كثيراً على الإيداع في البنوك بسبب التضخم من جهة وقيود السحب المقررة حينها من جهة أخرى.
حركة القروض:
وبالنظر إلى حجم القروض الممنوحة من التجاري السوري وتحليله كنموذج يمكن إسقاطه على بقية البنوك فيبلغ إجمالي القروض التي منحها التجاري خلال نصف عام نحو 581 مليار ليرة سورية، وبإسقاط هذه النسبة على بقية المصارف، يمكن القول أن حجم القروض قد كان قليل جداً وذلك بسبب وضع قيود في الإقراض على البنوك أولها توجيه المبالغ المقرضة إلى أعمال إما إنشائية، أو شركات غذائية وبالتالي إلغاء القروض التجارية والعقارية وعليه أصبح هناك جزئين كبيرين من الاقتصاد الوطني مغيبين عن القروض.
إضافة إلى ذلك كله كانت الظروف الإنتاجية وغلاء المواد الأولية على المنتج نفسه لا تساعد على زيادة الإنتاج أو إقامة منشأة جديدة.
إفادة مما سبق:
كل ما ذكر سابقاً كان له أثر كبير في تراجع حركة الاقتصاد السوري خلال الفترات الماضية، فمع إيقاف القروض وتحديد قيمها ومدد المنح والسداد تراجع العديد من المنتجين والصناعيين عن إقامة مشاريع جديدة في البلاد لعدم وجود التمويل الكافي لهذه المشاريع.
وعلى اعتبار أن التضخم في سوريا تراجع هذا العام بنسبة كبيرة، ومواد البناء والمواد الأولية للعديد من الصناعات شهدت تراجعاً حاداً هي الأخرى فيرى الخبراء أن هذه الفرصة حالياً مناسبة لإقرار أنواع جديدة من القروض خاصة بالمشاريع الإنتاجية دون تحديد ماهية هذه المشاريع، مع فرض شروط معينة تسمح للمصارف بمراقبة هذه المشاريع والتأكد من سير عملية بناء المصانع والمعامل وإطلاق عمليات الإنتاج.
حيث أن سوريا بالرغم من كل ما تمر به لا تزال قادرة على الإنتاج والعمل واستقطاب المشاريع الاستثمارية الضخمة وذات الأهمية الاستراتيجية للبلاد، وحتى المشاريع الصغيرة، نظراً لأنها تمتلك أهم عامل من عوامل الإنتاج وهي اليد البشرية الراغبة بالعمل والمتقنة لما تقوم به، عدا عن توفر العديد من العوامل الأولية لكثير من الصناعات، التي يمكن تأمينها عبر إطلاق مشاريع زراعية تكفل تأمين هذه المواد في الشق الغذائي، أو انتاجية في الاطار الصناعي.
يشار إلى ان غالبية الدول المتقدمة والتي تتجه نحو إقامة صناعات وطنية دائمة توجهت نحو منح قروض تؤمن حوالي 50% أو 51% من قيمة إنشاء المشروع بضمانات تؤكد سداد القرض من قبل المستثمر الذي يجد في هذه الطريقة من التمويل أسلوباً رابحاً وطريقاً آمناً لبناء مشروعه وإطلاقه، الأمر الذي يساهم بإطلاق عجلة الإنتاج بشكل جدي وفعال في الاقتصاد.