اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
المبعوث الأممي صاحب سياسة 'خطوة مقابل خطوة' يعلن استقالته لـ'أسباب شخصية'
مع إحاطته الأخيرة في جلسة مجلس الأمن ألقى المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون مفاجأة ثقيلة العيار وهي 'الاستقالة' من مهامه بعد ستة أعوام ونصف العام قضاها محاوراً ومفاوضاً بين طرفي النزاع 'نظام بشار الأسد وقوى الثورة والمعارضة له'.
يرد بيدرسون صاحب سياسة 'خطوة مقابل خطوة' سبب مغادرة منصبه لـ'أسباب شخصية'، وأفصح عن عزمه اتخاذ هذا القرار منذ وقت لكن صرف النظر عنه بسبب التغيرات الاستثنائية في سوريا خصوصاً مع فتح فصل جديد من الحياة في البلاد مما أدى إلى تفضيله البقاء في منصبه، والمساعدة في توجيه الجهود السياسية للأمم المتحدة في الأشهر الأولى الحاسمة من هذه الفترة التاريخية من الانتقال السياسي بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 وانتصار قوى الثورة.
عرفه السوريون جيداً عام 2018 حين تسلم مهام كمبعوث خاص للأمم المتحدة إلى سوريا خلفاً للمبعوث السابق ستيفان دي ميستور (إيطالي- سويدي) وعول على بيدرسون بذل جهود للتوصل إلى حل سلمي ينهي الصراع المندلع في سوريا، الذي اشتد منذ عام 2013 وأدت إلى تهجير الملايين من السوريين خارج سوريا وداخلها، علاوة عن سقوط مئات الآلاف في المعارك الدائرة، ودمار في عموم البلاد تصل إعادة إعمارها نحو 400 مليار دولار أميركي.
رفع بيدرسون القرار الأممي 2254 كراية لا تفارقه في كل محطات عمله ولقاءاته وجولاته الصعبة، وتمسك حتى آخر فصل من فصول العمل السياسي بين طرفي النزاع بـ'بيان جنيف' عام 2012 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان تعيينه قد جاء بعد أربعة أعوام من عمل سلفه 'دي ميستور' وفي وقت سعت الأمم المتحدة لكتابة دستور جديد لسوريا مما رفضه النظام، وماطل بتحقيقه.
وعمل الدبلوماسي النرويجي، غير بيدرسون بسفارة بلاده لدى إسرائيل، في أولى خطواته البارزة بالسلك الدبلوماسي في الخارج، وانتقل بعدها إلى الأمم المتحدة عام 2003 وتسلم على إثرها مهام منسق خاص إلى لبنان، ليعود إلى خارجية بلاده في أوسلو كمندوب دائم للنرويج في الأمم المتحدة حتى عام 2017 حين عين سفير لدى الصين.
خاض المبعوث بيدرسون جولات عديدة في إطار الحل السياسي، ولكن في النهاية شكلت اجتماعات اللجنة الدستورية الحيز الأكبر من المفاوضات التي قادها وسط تعنت الأطراف المفاوضة خلال الأعوام الماضية خصوصاً الوفد المفاوض من طرف النظام.
وبات واضحاً حينها أن حكومة الأسد أرادت إهدار الوقت واللعب على حبل التفاوض بينما كانت تتطلع لإعادة السيطرة ميدانياً على ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، وأعادتهم بالفعل إلى نفوذها بمساندة ومساعدة روسية وإيرانية وكان هذا الانتصار الأخير لها في المعارك الميدانية بينها وبين القوات المعارضة من جهة والفصائل المتشددة في إدلب شمال غربي البلاد.
وعرفت اللجنة الدستورية التي انطلقت بشكل فعال عام 2018 جهوداً مثمرة للمبعوث الأممي خصوصاً عبر دفعه نحو جمع الوفدين المعارض والموالي لنظام الأسد ووفد آخر من المجتمع المدني، وضم كل وفد 50 عضواً.
وظلت اجتماعات اللجنة في جنيف يعقدها بيدرسون عبر لقاءات تشاورية وسط خلافات عميقة حول كتابة دستور جديد للبلاد، والبحث في انتقال سياسي حتى توقفت بشكل نهائي عام 2024.
في هذه الأثناء لم يتخل بيدرسون وحتى الأسابيع الأخيرة قبل سقوط الأسد عن إعادة إحياء 'الدستورية' ولا غرابة في وصوله إلى العاصمة دمشق في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 ضمن زيارة رسمية لدفع العملية التفاوضية قبل انطلاق عملية ردع العدوان بقيادة غرفة عمليات عسكرية ضمت هيئة تحرير الشام وعدد من الفصائل الموالية لها، وتمكنت القوات المهاجمة من السيطرة على مدينة حلب في الـ27 من الشهر نفسه وإسقاط بقية المدن السورية وصولاً إلى دمشق.
حاول بيدرسون منذ عام 2019 إنجاح جولات اللجنة الدستورية وعاش السوريون ثماني جولات في جنيف على أمل إيجاد حل سياسي، بينما تعثرت الجولة التاسعة من الانعقاد بعد إحراز تقدم يسجل للدبلوماسي النرويجي بتشكيل (اللجنة الدستورية السورية) والتي تأسست عام 2019 بدعم الأمم المتحدة ومن هيئتين (كبيرة وصغيرة) ضمت الهيئة الكبيرة جميع أعضاء اللجنة، بينما الصغيرة مسؤولة عن كتابة الدستور ومؤلفة من 15 شخصاً ومع ذلك لم تفض الجولات عن أي تقدم.
بعد تحرير دمشق على يد الثوار في معركة ردع العدوان، وهرب بشار الأسد إلى موسكو التقى المبعوث الأممي الرئيس السوري أحمد الشرع، ودار حوار عن ضرورة فتح فصل جديد من السلام والمصالحة، وتحقيق التغيير السياسي، ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
وفي المقابل دعا الشرع الأمم المتحدة إلى إعادة النظر في القرار 2254 بما يتلاءم مع الواقع السياسي الجديد، وإسقاط العقوبات الاقتصادية والسياسية عن بلاده، لا سيما قانون (قيصر) أو (سيزر) الذي أقر عام 2019، وهو القانون الأصعب حيث أغلق كافة منافذ التواصل مع سوريا وعاشت البلاد بحصار خانق، وعد الشرع سقوط النظام البائد زوالاً للأسباب المؤدية للعقوبات.
لكن في المقابل أطلق الفريق المعارض للأسد طوال سنوات المفاوضات انتقادات طاولت الدبلوماسي النرويجي بميل كفته إلى النظام السابق، ومطالبته الفريق المعارض بتقديم تنازلات حيناً وأحياناً أخرى تقديم حلول بتغييرات شكلية لا تصب بتغيير النظام الجوهري والحقيقي. في الوقت ذاته واجه بيدرسون تحديات خلال الثمانية أشهر الماضية بما يخص الاستقرار السياسي في سوريا بعد أحداث متسارعة سواء في الساحل أو السويداء.
وإن كانت الأسباب الشخصية هي الدافع وراء استقالته لكن مراقبين لديهم تفسيرات حول الاستقالة المفاجئة وارتباطها بتغييرات جوهرية بطريقها للحدوث على الأرض مع وصول إدارة سورية جديدة قد تكون لها علاقة بنية الأمم المتحدة نقل مكتب المبعوث الأممي من جنيف إلى العاصمة دمشق، علاوة عن استصدار قرار أممي جديد يتجه نحو تجميد القرار 2254 وهو القرار الذي يتمسك به بيدرسون في إطار الحل السياسي في سوريا.
في غضون ذلك تمسك بيدرسون بـ'الانتقال السياسي' كحل وحيد، وانتقد في كلمة باجتماع مجلس الأمن في فبراير (شباط) الماضي أسلوب إدارة البلاد بقوله، 'الكثر يشعرون بالقلق من عدم وجود سيادة للقانون، وعدم وجود إطار دستوري أو قانوني للتعيينات والقرارات السياسة، ولا التواصل المنهجي أو الشفافية ومخاوف من أن سلطات تصريف الأعمال تتخذ قرارات تتجاوز أسلوب السلطات الموقتة، بما في ذلك إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، مع تأثير محتمل على مجتمعات محددة'.
واصطدم المبعوث الأممي بملفات عالقة كان أبرزها 'المقاتلين الأجانب' لا سيما إصرار الإدارة الجديدة على إدراجهم في الرتب العليا للقوات المسلحة وضمن الجيش الجديد، وارتباطهم بانتهاكات وصفت من قبل الحكومة بـ'الفردية'.
وأسهب في إحاطة له عن حوادث مستمرة على خلفية العمليات الأمنية للسلطات، بما في ذلك مقتل أشخاص في تبادل إطلاق النار، وسوء المعاملة الخطرة أثناء الاحتجاز، وحوادث الاختطاف والنهب ومصادرة الممتلكات، وإخلاء العائلات من المساكن العامة، وعدم وجود سياسة للانتقام، والعمل على تعزيز العدالة الانتقالية.
اليوم يعود وجه الدبلوماسية الدولية لتدوي استقالته كصرخة تقاعد بعد سنوات عمل طويلة لكن بات واضحاً أن قلقه ومخاوفه المعتادة طوال الأعوام الماضية من عمله لا تزال تسيطر عليه حتى مع وصول عهد جديد، وليس غريباً في إحاطته الأخيرة في مجلس الأمن أنه يلفت النظر إلى ضرورة إجراء انتخابات برلمانية في سوريا تضمن مشاركة وتمثيل حقيقي لجميع السوريين واحترام التنوع.