اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٤
تعد أسرة آل العظم من أشهر الأسر الحاكمة في بلاد الشام، وأنجبت رجالات كثيرة كان لها الدور الفاعل والمؤثر في الحياة المجتمعية العامة بكامل جوانبها. من أشهر تلك الرجالات والي الشام وأمير الحج أسعد باشا العظم الذي اشتهر اسمه على كل لسان، وتحديداً لدى أهل الشام ومن عاش في أكنافها، ودرس تاريخها.
فأسعد باشا ترك آثاراً راسخة ما تزال قائمة إلى اليوم كقصر العظم وخان أسعد باشا وخان الأسعدية في العاصمة دمشق، وقصر العظم في حماة. فكان تتويجاً لمسيرة أسرة أحسنت العمل السياسي والقيادي وألمعت به، وقد بلغت الأسرة بتعينه والياً على الشام قمة المجد وأعلى من مرتبة جاهها وسلطانها حتى قيل في ذلك العهد: 'كل من تولى ولاية حلب أو الشام أو صيدا أو طرابلس إلّا منهم'.
كانت بدايات مجد الأسرة مع إبراهيم باشا العظم ضابط المعرة (معرة النعمان) ووالد الباشوات إسماعيل وسليمان، عام (1131هـ - 1718م). ثم تلاه إسماعيل باشا والي الشام وأمير الحج عام (1138هـ - 1725م) بعد أن شغل منصب حاكم حمص وحماة والمعرة، و'سر عسكر الجردة' (والجردة هي القوة العسكرية التي تحمي قافلة الحج وتحمل المؤن وتساعد الحجاج بتوفير حاجاتهم). وقد أظهر أداءً قيادياً متميزاً نال قبول الباب العالي والرئاسة في الأستانة، لكن شكاية أمير مكة عليه دفعت السلطان لعزله وحبسه في قلعة دمشق، ثم أُرسل إلى جزيرة كريت ومات فيها عام (1145هـ - 1732م).
ومن أهم أعمال إسماعيل، المدرسة التي سُمّيت باسمه في السابق وباتت تُعرف اليوم بـ 'مدرسة الخياطين'.
وكان إسماعيل باشا قد عَيّن في حياته ولده أسعد متسلماً ومشرفاً على أموال وأملاك معرة النعمان عام (1152هـ - 1739م) ثم عينه السلطان العثماني متسلماً لحمص وحماة، ثم والياً على الشام وأميراً للحج ثم والياً على حلب ومصر وسيواس لحين مقتله عام (1171هـ - 1757م).
سيرة وأعمال أسعد باشا
ولد أسعد باشا العظم عام (1117هـ - 1696م) في معرة النعمان في كنف والده إسماعيل باشا. مارس العمل الوظيفي في إدارة المالكانات التجارية والمقاطعات الزراعية (ويُقصد بالمالكانات نظام التزام الأرض مدى حياة الملتزم، أي أن أسلوب المالكانة اقترب كثيراً من نظام الملكية الشخصية بما في ذلك حق إرث المالكانة)، واكتسب خبرة إدارية فيها، وأظهر براعة في التصرف والإدارة، فرُشّح لإدارة سنجق حمص وحماة بعد وفاة والده إسماعيل باشا، فأصدر السلطان العثماني محمود الأول فرمان تعيينه عام (1153هـ - 1740م) وأطرى عليه وعلى أبيه بمخاطبته له 'الولد الحر يقتدي بآبائه الغر'.
وطلب السلطان محمود من أسعد باشا أن يحافظ على أمن الطرق وسلامة المسافرين ورعاية وحماية قوافل الحج وعابري السبيل من ناحيته –حمص وحماة- إلى حدود ولاية طرابلس الشام، كذلك العمل على بناء وتشيد المساجد والخانات والنزل وسبل الماء وغيرها، والسهر على راحة الرعية وتأمين متطلباتهم وحاجاتهم. فلبى رغبة السلطان وأحسن الأداء والحكم.
أما في دمشق فكان عمه 'سليمان باشا العظم' يدير ولاية الشام وإمارة الحج، وبرع في الإدارة والولاية على الرغم من الأحداث الجسيمة التي مرت بها الشام في ذلك الوقت ، كالنزاع الدموي بين ' الدالاتية' أنصار الباشا سليمان و'الآغوات' أنصار الدفتر دار 'يحيى بك' ثم دخول القبائل البدوية التي تحيط بدمشق على خط النزاع ليزداد الوضع سوءً، وبالرغم من أفعال سليمان باشا الحميدة والكثيرة ومنها نجاحه في تأمين قافلة الحج -والتي هي من أولويات السلطان العثماني دائماً- حيث لجأ إلى إقراض الأموال لرؤساء القبائل، ومخاتير القرى والنواحي ومتعهدي النقل والشراء، ورؤساء القلاع، والخانات والنُزل على طريق الحج الشامي، لتسير أمورهم والمباشرة بأعمالهم، وأثبتت هذه السياسة نجاحها وجودتها ، كما كشفت الوثائق العثمانية مئات من الإيصالات المالية التي تكشف حجم الأموال المُقْرَضة من قبل أمير الحج سليمان باشا بواسطة المجلس الشرعي بدمشق برئاسة قاضي الشام، وشهود الوجهاء.
من أهم أعمال سليمان باشا العظم، تعمير وترميم نهر القنوات، وبناء السرايا. وقال عنه الخوري ميخائيل في تاريخه المسمى (وثائق تاريخية للكرسي الملكي الإنطاكي): 'عُين سليمان باشا العظم على دمشق وكان حاكماً عادلاً رفع المظالم عن جميع الحِرف، وعمّر السرايا إلخ. وفي سنة (1156هـ - 1744م) ركب إلى طبريا لمحاربة ظاهر العمر وهناك مات وقيل قتل مسموماً. وأحضروه إلى الشام وغسل ودفن في مدفن آل العظم بجوار بلال الحبشي'.
بعد وفاة سليمان باشا بثلاثة أشهر أصدر السلطان العثماني محمود الأول فرمان تعيين أسعد باشا والياً على الشام وأميراً للحج في (25 رمضان 1156هـ - 1744م) ودخل دمشق بموكبه المهيب، خفقت له قلوب أهل الشام وأرجفت أفئدة العصاة والجناة.
وأول ما بدأ به هو الإشراف على توثيق تركه عمه الوالي سليمان باشا التي ستؤول إلى دار السلطنة، كما هو معمول به في نظام الدولة، حيث تؤول تركة الولاة إلى أملاك الدولة، بعد استثناء ما أوقف منها وحصة عائلته. ثم بعد ذلك إلى الاجتماع بعلماء وشيوخ وأئمة وخطباء المساجد ووجهاء المدينة ومخاتير الأحياء وشيوخ العشائر وأخذ العهدة على السمع والطاعة، ثم اتجه إلى المخالفين العصاة وبطش بهم وكسر شوكتهم وأنهى حركتهم. ليتفرغ إلى مشاريع البناء والتعمير والإصلاح.
سياسة أسعد باشا الداخلية
سياسته الخارجية (خارج ولايته)
أعماله العمرانية والإنشائية
أبيات شعر نقشت على جدران قصر العظم بدمشق
حمداً لمن منح الإحسان والجودا وشكره خلّـد النعماء تخليــدا
ووفق البطل الكرّار أسعد من أولاده مولى الورى نصراً وتأييدا
وأيضاً:
يا أسعد الحظ ويا من لـه في ذروة المجد مقـام كـبير
ساعدك الرحمن رب السما ودمت محروس الجناب الخطير
عمرت بالتقوى ديار الهنا ومأمن اللاجِئ ومن يستجـير
المكافآت والنيشانات السلطانية والعزل
نال أسعد باشا العظم العديد من الخلع والنيشانات والمكافآت السلطانية الدورية السنوية في المناسبات الدينية، وأعياد جلوس السلطان على عرش السلطنة، وبعد العودة من رحلة الحج، والمكافآت العارضة كالتصدي للعصاة والأشقياء.
إلا أنه، وبعد مرور 14سنة على توليته -وهي من أطول ما تولى وال على الشام– وعلى خلفية تقارير رفعت إلى الأستانة بحجم ثروته واتساع نفوذة أصدر السلطان العثماني عثمان الثالث فرمان نقله إلى ولاية حلب عام (1170هـ - 1756م) ثم صدر فرمان من السلطان المتقلد عرش السلطنة حديثاً، مصطفى الثالث، نقل ولايته إلى مصر. إلا أن أهالي حلب تمسكوا به، وكاتبوا السلطان الذي قرر إبقائه حتى عام (1171هـ - 1757م) ثم نقل إلى ولاية سيواس، وهناك صدر الأمر بالقبض عليه ونفيه إلى جزيرة كريت فأخرج من قبل شخص تولى نقله يدعى 'محمد آغا الأورفلي' رئيس البوابين في الباب العالي، فقبض عليه ونقله إلى أنقرة حيث قُتل في ليلة الخامس من (شعبان 1171 هـ - 1757 م) داخل الحمام، وفق ما ذكر وبذلك انطوت صفحة من ألمع صفحات التاريخ السوري'[i].
وذكر أحمد البديري الحلاق، صاحب كتاب (حوادث دمشق اليومية): 'إن النكبة التي حلت بالحج الشامي في موسم (1169 هـ - 1755م) وكان أسعد باشا العظم قد نقل من زمن وجيز من باشاوية دمشق بعد أن تولاها أربعة عشر عاماً، حج بالناس في كل عام منها في أمن وسلام فقد كان شخصية مرهوبة خشيها العربان فلم يجرؤوا قط على مد أيديهم بالعدوان إلى الحجيج. فما إن نُقل من دمشق حتى فشا فيها الاضطراب وتجرأ عربان بني صخر فاعتدوا على قافلة الجردة وقافلة الحج أشنع اعتداء، واتهم أسعد باشا نفسه بأنه حرض العرب على ذلك انتقاما لنقله من دمشق'.
من أملاكه ومقتنياته
في مدينة دمشق:
في حماة:
الأوقاف التي تحت تصرفه: