اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
ضحايا توصية رئاسية من عائلة الأسد وتحاول بيروت حل أزمتهم بالتنسيق مع دمشق
قبل سقوط نظام 'البعث' في دمشق، كانت الجامعات السورية تعج بمئات الطلاب اللبنانيين المبتعثين لإتمام التحصيل العلمي العالي، مستفيدين من 'نظام المنح الممول من المحور السوري - الإيراني'.
وشكلت لحظة 'ولادة سوريا الجديدة' خلال الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 نقطة تحول في حياة هؤلاء، إذ كان للتغيير هناك نتائج عكسية عليهم، إما بسبب الخوف من تعرضهم لأعمال انتقامية نظراً إلى انتماءاتهم الطائفية والسياسية، أو استخدام 'شبهة' الصلة بالمنظومة الأمنية السابقة، نظراً إلى انتشار 'سياسة الوشاية' على نطاق واسع، واستخدام استراتيجية التضييق داخل المؤسسات التربوية تحت ذريعة 'قمع المتعاطفين مع المعارضة السورية' إبان حكم الأسد.
وبين هذا وذاك، تعرقلت المسيرة العلمية لعدد من الباحثين المتحدرين من مناطق حدودية لبنانية – سورية بسبب حال عدم اليقين، وعدم وضوح الصورة المستقبلية للتعاون بين البلدين الشقيقين.
تاريخياً ربطت علاقة وثيقة عائلة الأسد داخل سوريا مع تحالف من الأحزاب اللبنانية، وهو ما فتح الأبواب واسعة أمام الطلاب، وتحديداً 'شريحة محدودي الدخل من أبناء المناطق الحدودية'، وحظي هؤلاء على تسهيلات داخل النظام التعليمي السوري والسكن الجامعي، وفي المقابل أسهم هؤلاء في تفعيل التعاملات المتعددة المستويات بين البلدين، ولكن مع اندلاع الثورة السورية، ودخول أحزاب لبنانية على خط المواجهات والنزوح الكثيف في الاتجاهين، أدى إلى صعود الخطاب الطائفي في البلدين.
وشكلت تلك المرحلة فرصة لولادة 'حال من النقمة' بين السوريين الصامتين بانتظار التغيير، والوافدين المستفيدين من التحالفات والنفوذ السياسي والأمني المتصاعد بالتحالف مع حزب البعث، إلا أنه وعلى حين غرة 'سقط النظام الحليف' وهرب بشار الأسد إلى موسكو، واختلت الموازين التي كانت قائمة منذ عقود، ودفع المئات من الطلاب اللبنانيين ثمن ممارسات لا دخل لهم فيها، ولم يشارك أكثريتهم في رسمها أو تنفيذها.
يقدم حسن فواز المتحدث باسم الطلاب اللبنانيين في الجامعات السورية إحاطة حول ملفهم والصعوبات التي تواجههم منذ سقوط النظام، موضحاً أنه 'يمكن تصنيف الطلاب إلى فئة تدرس على حسابها الشخصي، وأخرى كانت تستفيد من منح حزبية بالتنسيق مع نظام بشار الأسد'، لافتاً إلى أنه 'يتعامل مع كل من حصل على منحة بالتعاون مع النظام السابق على أنه متورط في الفساد وضمن سياسات النظام بفعل المعاملة المميزة التي كان يحظى بها الطالب اللبناني بناءً على توجيه رئاسي'، مشيراً إلى أنه 'ربما ولَّد ذلك حالاً من الحقد، وما إن حدث الانقلاب حتى بدأ الترويج بأن الطالب اللبناني مستهدف، وهو ما حال دون إكمال العام الدراسي في حينه، ودخول مرحلة الانتظار'.
ويكشف فواز عن مغادرة الغالبية للجامعات السورية، حيث 'لم يعد هناك وجود دائم هناك بسبب الأعمال الفردية التي تحصل أو المخاوف من التعرض للاختطاف'، 'فيما أعداد قليلة ما زالت تتوجه إلى سوريا من أجل إجراء مقابلة تربوية'، ويلفت إلى توزع الطلاب اللبنانيين على أكثر من محافظة في عموم الأراضي السورية، ويتسجل طلاب في القلمون وحمص وطرطوس واللاذقية ودمشق وريف دمشق ودرعا، و'تلك المناطق ليست آمنة بصورة مطلقة'، ناهيك بالعامل المذهبي لأن غالبية الطلاب هم الطائفة الشيعية بفعل انتقال أبناء البقاع للدراسة داخل سوريا، والاستفادة من منح التبادل الثقافي بين الحلفاء.
يقول حسن فواز 'كثيراً ما التزم الطالب اللبناني بالأنظمة الجامعية وعدم لعب أدوار سياسية واحترام الانتماءات الطائفية المختلفة، وكان الهم الأول للطلاب التحصيل الجامعي والحصول على شهادات في اختصاصات مثل الطب، ولم يكونوا هناك بصفة مقاتلين'، منوهاً إلى أنه 'ما إن غادر الطلاب سوريا حتى حصلت مداهمات لأماكن السكن التي كان يقيم بها الطلاب اللبنانيون، على رغم عدم وجود شيء سوى الكتب والفرش المنزلي، ربما بسبب ظنهم أن السكن مستودع'.
عاد الطلاب الجامعيون إلى لبنان، ليجدوا فروقاً عميقة بين المنهاج في البلدين، سواء على مستوى المقررات أو اللغة أو حتى الأنظمة الدراسية، ويشير حسن فواز إلى وجود نظام في لبنان 'يلزم الطالب الذي درس في جامعة أجنبية، ولم يتم دراسته بدراسة 50 في المئة من المقررات في لبنان، بالتالي وإن أنجز الطالب 90 في المئة من مقرراته هناك، فيجب عليه عبء دراسة نصف المقررات المعتمدة في لبنان'.
ويتحدث عن تجربته الشخصية، فهو طالب العام السادس داخل سوريا، وكان في حاجة إلى دراسة نصف عام دراسي في سوريا، إلا أن عودته إلى لبنان تحتم عليه إعادة الأعوام الرابعة والخامسة والسادسة في حال قرر إتمام دراسته في جامعة لبنانية، فيما يبقى الغموض محيطاً بمصير الدراسة في الخارج، 'ينصحنا بعض بالذهاب إلى دولة أجنبية ودراسة العام المتبقي قبل العودة إلى لبنان مع شهادة، فيما عبرت بعض المراجع العلمية اللبنانية عن تحفظها أمام هذه الفرضية'، وأمام تلك العقبات المحلية، يبحث طلاب لبنانيون عن حل في العراق، وتنشط بعض الجهات المحلية بالتواصل مع بغداد لتأمين منح.
تفيد أوساط التعليم العالي داخل سوريا بأنه 'لا توجد لوائح جديدة في شأن كيفية التعامل مع الطلاب اللبنانيين والعرب في الجامعات السورية، فالنظام الذي كان قائماً موضع مراجعة تامة'، دون أن تستبعد أن يمر الحل بين البلدين في الأقنية السياسية، إذ يبدو أن حل الملف التعليمي العالق بين البلدين يمكن أن يكون من خلال سياسة التقارب وتعزيز التعاون بين لبنان وسوريا.
من جهتها، تحاول وزارة التربية والتعليم في لبنان عبر مجلس التعليم العالي بإيجاد حل لمشكلة الطلاب اللبنانيين داخل سوريا، وهي دعت هؤلاء الطلاب لتقديم ملفاتهم من أجل تحديد سبل المعالجة الممكنة.
وتكشف الأوساط أن 'الوزارة دخلت مرحلة تصنيف الطلبات وإتمام الجردة، لتوجيه كل فئة من الطلاب إلى الحل المناسب بإشراف المديرية العامة للتعليم العالي في لبنان'، منوهة إلى أنه 'لا يمكن وضع الجميع في سلة واحدة، المشكلات متعددة، فبعض كان يفترض أن يتخرج خلال عام دراسي كحد أقصى، والآخر كان ينتظر المناقشة، فيما بعض أتم دراسته ولا ينقصه إلا الحصول على الشهادة من سوريا، وهناك شريحة تحتاج إلى وقت طويل لإنجاز دراستها'.
من جهة أخرى، 'هناك معلومات عن عودة مجموعات من الطلاب لإكمال الدراسة في سوريا بعدما اطمأن بأنه لن يكون عرضة لأية انتهاكات'.
ورداً على سؤال حول التواصل مع الجانب السوري لمعالجة ملف الطلاب اللبنانيين في سوريا، تأتي التأكيدات بـقيام الملحق الثقافي في السفارة السورية بزيارة وزارة التربية لمتابعة الملفات العالقة، و'الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، وتُعالج القضية بعيداً من الإعلام'.
يواجه هؤلاء الطلاب عقبة أساس على مستوى المقررات واللغة، ففي الطب مثلاً تدرس المقررات في اللغتين الفرنسية والإنجليزية داخل الجامعة اللبنانية، فيما تعتمد تلك السورية اللغة العربية، ومن هنا تتحدث الأوساط عن أن 'الجامعة اللبنانية لديها نظام خاص بها لا يمكن تجاوزه، ولا بد من احترامه'، و'سيقوم مجلس التعليم العالي بدراسة الملفات، وسيرسل توصية إلى وزيرة التربية، وفي حال تطلب الأمر قراراً من مجلس الوزراء فستقوم بواجباتها من خلال متابعة الملف'.
على صعيد تربوي متصل، يسلك ملف أبناء القرى اللبنانية في الداخل السوري وأبناء المناطق المتداخلة في البقاع الشمالي مسار الحل. ويتحدث الناشط التربوي في الهرمل علي مرتضى عن 'لعب العلاقات الاجتماعية وروابط المودة دورها الإيجابي في حل ملفات طلاب المدارس، إذ سهلت تلك المسألة حصول أبناء القرى المتداخلة على إفادات لإكمال الدراسة في لبنان'، كاشفاً عن إعفاء سكان الحدود من بيان حركة الدخول والخروج عند طلب المعادلة لطلاب الصف الثامن الأساس وما فوق، 'مع استثناء العناصر الحزبية نظراً إلى حساسيات المرحلة السابقة' تفيد الأوساط المتابعة.
من جهة أخرى، يوضح مرتضى أنه 'في العام الدراسي الماضي، سمحت وزارة التربية اللبنانية بتقدم الطلاب اللبنانيين إلى الشهادة الرسمية وتحديداً الذين حرمتهم الظروف من إكمال دراستهم في سوريا، إلا أن نتائجهم جاءت معلقة ريثما تتحقق الجهات الرسمية من دقة ملفاتهم'، مشيراً إلى القرار الصادر أخيراً عن مجلس الوزراء، والذي أعطى الإفادات للطلاب الناجحين في الشهادات الرسمية.