اخبار سوريا
موقع كل يوم -سناك سوري
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
تبرّع أمام الملأ بمبلغ مليوني دولار ولم تصل تبرعاته فعلياً لحملة دير العز بحسب اتهامات المسؤولين عن الحملة. الرجل رد عليهم بتوضيحات حقيقية لا يمكن أن نفهم منها إذا كانت وصلت أم لم تصل للحملة!
هذه الحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فجمع التبرعات على شكل مزاد عالمايك قد يحمّس البعض ويدفعهم للمبالغة وقول كلام لا يقدرون على تحقيقه. وربما يتمكن أحد حاملي المايك من إحراج متبرع أمام المنصة كي يضاعف تبرعه، وينال المُحرِج ثناء السوشيل ميديا. وباليوم التالي يأتي المتعهد الذي كانت خطته التبرع بنصف المبلغ ليجد نفسه أمام مأزق، فلا يتبرع بشيء أو يتبرع مكرهاً أو يتبرع بنصف فقط. وهذا حدث وسيحدث كثيراً بعد مزادات جمع التبرعات الحالية، والتي تفتقد بشكل واضح لآليات الالتزام بالتعهدات ولشفافية ما بعد التعهّد.
وهذا الواقع سينعكس سلباً على ناحيتين: المتبرعين الذين يحتاجون لآليات دقيقة ومنظمة لإدارة الحملات وصرف التبرعات، وعلى المجتمع الذي ستتزعزع ثقته بالسلطات التي تنظم الحملات وتعطيه أرقاماً كبيرة تولِّد لديه أحلاماً وطموحات ليتفاجأ لاحقاً أن جزء كبير منها غير واقعي.
أتتبع صندوق التنمية السوري باهتمام شديد يومياً، لأنني مدرك جداً لأهميته في عملية التنمية والاستدامة وليس كتظاهرة إعلامية تدور المحافظات ويخرج منها فيديوهات تصبح تريندات.
الصندوق حتى الآن جمع فعلياً أقل من 7 مليون دولار بينما اذا تتبعنا الأرقام المعلنة فإنها تصل إلى 82 مليون دولار.
وزير المالية يعلن التوجّه لإنشاء صندوق وطني للزكاة وإطلاق برامج لمكافحة الفقر
طبعاً هذا دون أخذ حملات المحافظات مثل 'الوفاء لإدلب، دير العز..إلخ' بعين الاعتبار فهذه الفزعات حقيقةً غير واضحة المرجعية، ومثلاً إذا نظرنا إلى حملة 'دير العز' نجد على صورها لوغو وزارة الثقافة ما يوحي بأنها أحد المسؤولين عنها. وبتتبع خبر تعيين مجلس أمناء للحملة لا يتضح من الجهة التي أصدرت قرار تعيينهم وبالتالي الجهة الرسمية المسؤولة حتى الآن غير واضحة إذا كانت صندوق التنمية أم جهات أخرى. واذا نظرنا لأرقام تعهدات التبرع التي أعلنها الصندوق نجد أنه فعلياً لا يدخل أرقام هذه الحملات ضمنها.
هذه الآلية التي يبدو أنها منفصلة عن صندوق التنمية لكنها بنفس الوقت رسمية حكومية ستؤثر سلباً على عمل الصندوق الذي كان من المفترض أن يناط به إدارة هذه الحملات ولا مركزة عمل الصندوق، بحيث يكون هناك صندوق لا مركزي في كل محافظة يدار بعقلية تنموية محلية ومركزية في آن معاً، بحيث يتم التخطيط للتنمية في البلاد عبر الصندوق على شكل أقاليم تنموية ويتم التخطيط للتنمية المحلية ضمن كل إقليم تنموي وهذا موضوع طرحناه سابقاً.
بالمحصلة نحن أمام أرقام كبيرة تقع على أذن المواطن وعينيه وتبني له أحلاماً كبيرة فهذه أرقام نظرياً كبيرة، ووقعها على السمع أكبر من قيمتها الفعلية في تغيير الواقع.
أحد تعهدات التبرع في محافظة ريف دمشق كانت 2.5 مليون دولار وأشار مقدّمها إلى أنها لبناء 40 منزل، وبالحقيقة هو أدق وأوضح تبرع رأيته وأهمها لأنه قال ماذا يصنع فعلياً هذا المبلغ.
اذا أسقطنا هذا الرقم على الدمار الإجمالي في ريف دمشق فإنه، فعلياً كل ما جمع في ريف دمشق يبني 1120 منزل تقريباً بينما تقدر وكالة سانا عدد المنازل المدمرة كليا وجزئياً بـ 200 ألف منزل بالإضافة لـ 170 مدرسة.
أي أن ما جمع من تبرعات يكفي 1% من الاحتياجات.. بينما وقع هذه الأرقام على الأذن يوحي بأنها قادرة على إعادة أعمار محافظة كاملة.
لذلك من الضروري أن نعود خطوة للخلف في إظهار حملات التبرع وقدراتها لكي لا نبيع الناس الوهم ولكي لا تدمر عملية الثقة بهذه التبرعات.
وأيضاً يجب مراجعة المفردات التي تستخدم وأن يقال بوضوح هذه تعهدات وليست تبرعات ويعاد ويكرر هذا الأمر آلاف المرات لكي لا تبنى عليه أحلام. فعندما أسمع بـ 82 مليون دولار وأرى في الصندوق 7 مليون دولار كمواطن فإنك كمسؤول تكون أوهمتني والبناء على الوهم يثمر خراباً.