اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٣١ أيار ٢٠٢٥
المانغا والكيوي والأناناس صنفها النظام السابق من السلع الكمالية وعرقل استيرادها وعاقب بائعيها
فوق رفوف خشبية صغيرة في سوق الشعلان بوسط دمشق، تصطف حبات المانغا والكيوي والأناناس بألوانها الزاهية، في مشهد لم يعتده السوريون إبان الحكم السابق، الذي صنفها من السلع الكمالية وعرقل عملية استيرادها وعاقب بائعيها.
أمام واجهة محله حيث يعرض مختلف أنواع الفاكهة والخضر، يقول مروان أبوهايلة (46 سنة) لوكالة 'الصحافة الفرنسية' 'لم نعد نخبئ الأناناس، نضعه اليوم على الواجهة بصورة علنية. زمن الخوف من الأناناس انتهى'.
ويوضح بينما زينت ابتسامة عريضة وجهه 'الأناناس والكيوي والمانغا، كانت كلها فاكهة مفقودة وسعرها مرتفع للغاية'، مضيفاً 'كنا نحضرها من طريق التهريب'.
فاكهة الأغنياء والمهربين
طيلة عقود، عدت الفاكهة الاستوائية رمزاً للرفاهية في سوريا، حيث صنفتها السلطات، وفق تجار، من الكماليات. وعرقلت استيرادها من الخارج، في إطار سياسة تخفيض فاتورة الاستيراد والحفاظ على العملة الصعبة، عدا عن دعم الإنتاج المحلي. وعاقبت بالغرامة المالية وحتى السجن كل من يعرضها للبيع، مما جعل وجودها يقتصر على موائد الأغنياء.
واعتاد التجار إيجاد طرق بديلة لإحضار تلك الفاكهة التي كانت أشبه بعملة نادرة.
ويروي أبو هايلة 'كنا نحضرها عبر طرق التهريب من خلال السائقين، على غرار البنزين والمازوت'، الذي اعتاد السوريون تهريبه من لبنان المجاور على وقع أزمة اقتصادية خانقة وعقوبات حالت دون الاستيراد'.
ويضيف، 'كانوا أحياناً يخبئونها داخل محرك السيارة، وبكميات قليلة'.
وبعدما كان سعر كيلوغرام الأناناس يلامس عتبة 300 ألف ليرة (نحو 23 دولاراً) العام الماضي، انخفض حالياً إلى نحو 40 ألفاً (أربعة دولارات تقريباً).
ويقول البائع بينما يعاين زبائنه حبات الفاكهة الناضجة تحت أشعة شمس حارقة 'البضاعة نفسها والجودة نفسها، لكن السعر اختلف كثيراً'. مضيفاً 'بات الأناناس مثل البطاطا والبصل'، وهما نوعا الخضراوات الشعبيين في سوريا.
الحق في الأناناس
ويربط الباعة وحتى الزبائن بين توافر الفاكهة والتغيرات السياسية التي طرأت على البلد، منذ وصول السلطة الجديدة إثر إطاحة الحكم السابق في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، مع تدفق سلع ومنتجات طالما كانت محظورة أو نادرة.
فالدولار الذي كان التداول به أو حتى الإتيان على لفظه ممنوعاً مثلاً ويعاقب عليه القانون، بات موجوداً في كل مكان. وتجوب سيارات من طراز حديث الشوارع، بينما بات الوقود الذي عانى السكان لأعوام من شحه، متوافراً.
ويقول البائع أحمد الحارث (45 سنة) للصحافة الفرنسية، إن الفاكهة التي كانت 'أصنافاً نادرة وسعرها مرتفع للغاية، انهارت أسعارها بعد سقوط النظام'.
وباتت حبات الأفوكادو والأناناس والكيوي والموز الصومالي اليوم في متناول السوريين إلى حد كبير، بحسب قوله، بعدما كان سعر الحبة الواحدة يعادل راتب موظف.
وكانت دوريات الجمارك والأجهزة الأمنية تداهم المحال، مما دفع الباعة إلى التعامل معها كسلع تباع في الخفاء وعلى نطاق محدود، خوفاً من الملاحقة.
وتقول طالبة الطب نور عبدالجبار (24 سنة) 'كنت أرى الفاكهة الاستوائية على شاشة التلفزيون أكثر مما أراها في السوق'.
وتضيف ساخرة، 'الأناناس من حق الجميع، حتى لو أن بعضهم لا يعرف كيفية تقشيره'.
الرفاهية لا تزال بعيدة
ولكن في بلد أنهكته أعوام الحرب منذ عام 2011 واستنزفت اقتصاده وجعلت 90 في المئة من سكانه تحت خط الفقر، لا تزال أصناف الفاكهة تلك كماليات بالنسبة إلى سوريين يكافحون من أجل تأمين قوتهم اليومي مع تراجع قدرتهم الشرائية، وعدم تمكن السلطات من دفع عجلة التعافي الاقتصادي بعد.
تقر ربة المنزل إلهام أمين (50 سنة) بينما كانت تشتري الخضراوات لإعداد وجبة الغداء، أن 'واجهات المحال باتت ملونة أكثر وتغري الزبائن بالشراء'.
لكنها على رغم ذلك، لا تزال غير قادرة على شراء الفاكهة عامة، وتجنب أطفالها المرور أمام تلك الواجهات لئلا 'تثير شهيتهم'. وتقول 'الأوضاع المعيشية صعبة، ويعد الأناناس من الكماليات ورفاهية لعائلة مثل عائلتنا'.