منتدى "خيزران" لكسر الجمود الثقافي والرقابة في إدلب | فيديو

أطلق عدد من الأدباء والأديبات قبل أيام في مدينة إدلب 'منتدى خيزران الثقافي' في محاولة لإحياء المسيرة الثقافية في إدلب بعد سنوات من السُبات، ومحاولة لإيجاد صوت أدبي حر في مرحلة يكاد ينتهي مصير الأدب فيها في المنطقة.

القائمون على المنتدى قالوا إن فكرة 'خيزران' نابعة من رغبة كتاب وأدباء ومفكرين ومسرحيين في إدلب في تكوين قاعدة انطلاق وكيان جامع لهم، لتنظيم اجتماعاتهم، واستقطاب المهتمين بهذا المجال، بالإضافة إلى كسر الحصار الثقافي المفروض على المنطقة والمتمثل في عدم قدرة كثير من الكتاب من الوصول لدور النشر الكبرى خارج سوريا.

لماذا 'خيزران'؟

يقول الكاتب عمار الأمير صاحب فكرة المنتدى إن لاسم خيزران معاني ودلالاتٍ كبيرة، فنبات الخيزران له مسيرة نمو فريدة من نوعها، فخلال الأعوام الخمسة الأولى بعد أن تُغرس بذرة الخيزران في الأرض لا تنمو على الإطلاق، ولا يظهر خلال كل هذه المدة الطويلة سوى برعم صغير جداً يأخذ شكلاً ملتوياً ويُجاهد خلال كل هذه الأعوام الخمسة من أجل البقاء حياً، ولكنه بعد ذلك لا يحتاج لأكثر من ثلاثة أشهر فقط لتنمو سيقانه لأكثر من 30 متراً دفعة واحدة. فخلال أول ستين شهراً تنمو جذور شجرة الخيزران أسفل التربة وتصنع لها شبكة معقدة وممتدة من الجذور وبعد أن تكتمل قوة الجذور المتشعبة في الأرض، تبدأ سيقان الخيزران في رحلة مجنونة من النمو لتُعانق السماء، وقد يصل معدل نموها 100 سم في اليوم الواحد، وهي بذلك تكون من أبطأ وأسرع النباتات نمواً ولكن على مرحلتين من عمرها.

ويُشَبه الأمير الأدب بالخيزران، فهو يحتاج لفترة طويلة من القراءة والتدريب والمحاولات المستمرة وإعداد المخزون الأدبي وعرضه على المختصين والاستماع لنقدهم ونصائحهم، وهي مرحلة بناء الجذور المتينة، قبل أن يطلق الأديب نتاج عمله على شكل أعمال أدبية شعراً كانت أم رواية أو قصة وغيرها، ويعتبر الأمير أن مرحلة النمو بعد إطلاق الأديب أول أعماله تكون عادة سريعة بخلاف فترة ما قبل إطلاق الأعمال والظهور في الوسط الفني وبين القراء.

أيضاً اختيار اسم 'خيزران' له دلالة أخرى هامة، فأعواد الخيزران مشهورة في البيئة العربية وخاصة السورية بأنها ملائمة للضرب والجلد وذلك بسبب مرونتها، فالخيزران يجلد، وكذلك الأدب يجلد، ويضرب بكلماته وحروفه، فالأدب الحر سلاح ضد الطغاة والمجرمين والفاسدين.

أيضاً للخيزران استخدامات عدة أبزرها دخوله في صناعة الكتابة بالحبر السائل، وبعض أنواع ريش الرسم، وبعض أنواع الآلات الموسيقية كالناي ذي الصوت الشجي العذب، فضلاً عن بعض التحف الفنية الخشبية من أعواده وأخشابه.

وكتب المؤرخ السوري فايز قوصرة الذي حضر حفل إطلاق المنتدى على صفحته في فيسبوك: 'قد أحيوا المسيرة الثقافية بإدلب الملقبة بالأزهر الصغير سابقاً ... النشاط (إطلاق المنتدى) يأتي بعد سُبات ثقافي لسنوات، وهو يعطينا الأمل بأن إدلب الثقافة ستظل منبراً تشع منه الحضارة رغم بعض الصعوبات فهي في أصل معنى اسمها (قلب الإله) لكنها هي ستظل قلب الثقافة، وروحها في الشمال السوري'.

يقول الكاتب عمار الأمير صاحب فكرة ومدير 'خيزران' في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إنه يطمح لأن تحافظ إدلب على لقبها مدينة القصة القصيرة السورية، كما اللاذقية الرواية السورية ودمشق مدينة الشعر.

عمار الأمير هو كاتب من مدينة إدلب، يكتب في عدة مجالات أبرزها القصة القصيرة وقصص الأطفال والتراث، حاصل على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في السودان، وذلك في قسم قصص الأطفال.

صلة وصل مع دور النشر وطموحات أخرى

نشر الأمير حتى الآن خمسة كتب له في دور نشر عربية شهيرة تحفظ الكتاب برقم خاص به معتمد عالمياً وتحفظ اسمه وحقوقه ككاتب، لكن كثيرا من الكتاب في شمالي سوريا لم يحالفهم الحظ بنشر أي كتاب حتى الآن، ولذلك يطمح الأمير أن يكون هو ومن استطاع النشر بوابة للآخرين من خلال المنتدى إلى دور النشر العربية الشهيرة.

وعلى الرغم أن الأمير لم يستطع مغادرة إدلب لتوقيع كتاب ما أو لاستلام جائزته في السودان، لكنه استطاع كسر الحصار الثقافي المفروض عليه ككاتب وأديب يعيش في إدلب، ويسعى من خلال خيزران لكسر ذلك الحصار عن جميع الكتاب والأدباء والشعراء.

يضيف الأمير أن من مهام المنتدى أيضاً قبول الأعضاء المنتسبين وذلك لاحتواء المواهب وتقديم الدعم والتدريب لها، في بيئة أدبية وثقافية مختصة.

كذلك من خطط المنتدى إقامة نادي للقراء وتأسيس مكتبة في مقر المنتدى وإقامة الجولات الثقافية والأمسيات الشعرية والأدبية في عدد من مناطق شمال غربي سوريا.

أما على المدى البعيد فيطمح القائمون على المنتدى لإحياء الجريدة الورقية، فيأملون بتغير الأحوال السياسية والسماح بإطلاق الصحف الحرة ليتسنى لهم إطلاق صحيفة 'خيزران' الورقية.

يجيب القائمون على المنتدى حول السؤال عن إصرارهم على الجريدة الورقية في زمن الانترنت بأن من يقرأ من الكتاب الورقي أو الجريدة الورقية يقرأ بحواسه كلها، فهو يقرأ بعينيه، ويلمس الورق بيديه، ويشم رائحة الورق، كما يسمع صوت طقطقة وحركة الأوراق.

منتدى حر بعيداً عن السلطة

يقول الشاعر والكاتب نور الدين الإسماعيل لموقع تلفزيون سوريا: كنت أبحث منذ فترة عن جسم أو تشكيل أدبي حقيقي، يحمل فكراً متحرراً وإبداعياً في شمال غربي سوريا لكني لم أجد ذلك الجسم في تلك الفترة، فجميع الأجسام التي ولدت كانت مرتبطة بجهات أو شخصيات أو كيانات ومرجعيات معينة، حتى عُرض علّي الانضمام إلى خيزران وبعد الاطلاع على أهداف المنتدى والقائمين عليه وأنشطته، وجدت أن هذا الجسم الذي كنت أنتظره منذ مدة أنني ربما أضيف لهذا الجسم ويضيف لي المزيد، فهي علاقة تشاركية هدفها الارتقاء بالواقع الثقافي والمجتمع ككل.

ويضيف الإسماعيل أن 13 عاماً من الحرب في شمال غربي سوريا أدت لغياب المشهد الثقافي عن الحياة العامة في إدلب، لذلك كان وجود 'خيزران' لإعادة المشهد الثقافي لإدلب التي كانت تشتهر سابقاً بوجود المثقفين والكتاب والشعراء.

لم تكن ولادة 'خيزران' على عجل، بل جاءت بعد اجتماعات ومشاورات استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، لكن الإعلان عن المنتدى تزامن مع الأحداث والتظاهرات التي تشهدها محافظة إدلب، وسط دعوات من مثقفين وأكاديميين لإيجاد الحلول للمشكلات العالقة، وهو ما اعتبره البعض ركيزة ودعامة تدعم تغليب صوت المثقفين وأصحاب الفكر على صوت البنادق وأصحاب الخطابات الدينية المرتبطة بالبزّات العسكرية.

في حين اعتبر آخرون أن خيزران ولدت لتحارب وحيدة في الدفاع عن الثقافة المسلوبة في إدلب، حيث إن حكومة الإنقاذ الذراع المدني لهيئة تحرير الشام باتت تسيطر على مختلف جوانب المشهد الثقافي في إدلب، فتتحكم بالمسرح وتدقق المسرحيات أمنياً وتعدل عليها قبل عرضها، كما تشرف على دور الطباعة المحلية وتقيم معارض الكتب، وكل ذلك المحتوى يخضع لتدقيق أمني مسبق منها.

يقول القائمون على خيزران إن الأدب حر ولا سقف له، ولا يمكن للأدب أن يكون تابعاً، فالأدب التابع لا ينتج إبداعاً، فالأديب الحر المستقل هو القادر على الإبداع، وهذه الثوابت لا نقاش فيها بالنسبة لهم، فلن يقبلوا بالانصياع لسلطة ما، أو العمل تحت سقفها.