اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
محمد العتيبي
لم يكن مستغربا أن نسمع صوتا سعوديًا يعلو في لحظة ضجيج غربي، لا ليضيف صراخًا، بل ليضع إصبع الحقيقة على جرح المعايير المزدوجة.. فبينما كانت تُمطر القاذفات سماء إيران بالقنابل، وتُمرر الاعتداءات الإسرائيلية على غزة بصمت رسمي دولي، خرجت المملكة بموقف متّزن، لكنه واضح، يعيد ضبط البوصلة الأخلاقية.
حيث تتحرك الجغرافيا تحت أقدام اللاعبين الكبار وتُفرض قرارات الحرب والسلام من خارج الإقليم، وتُقدَّم المصالح الفوقية على حساب الدماء الواقعية، وسط كل هذا، برز الدور السعودي مرة أخرى، لا كلاعب يبحث عن نقاط على رقعة الشطرنج، بل كقوة عاقلة تُذكر الآخرين بأن ما يُسمّى “القانون الدولي” يجب أن يُطبق على الجميع، لا أن يتحول إلى عصا بيد طرف وغضّ طرف عن آخر.
الموقف السعودي ليس رد فعل عاطفيًا، ولا قفزة على موجة غضب، بل هو استمرار لنهج طويل قائم على ضبط النفس، والرهان على الحوار، ورفض المغامرات العسكرية. في وقتٍ تتهافت فيه بعض القوى على تسعير الحروب وتوسيع النزاعات، كانت السعودية – كما عهدها العالم – تدفع نحو التهدئة، وتدعو لضبط النفس، وتُحذر من “النتائج غير المقصودة” التي عرفها العالم سابقًا في بغداد وكابول.
الازدواجية في التعامل مع ملفات المنطقة باتت صارخة. دولٌ تُفرض عليها عقوبات بسبب اجتياحها لدولة مجاورة، ودول أخرى تُكافأ رغم امتلاكها ترسانة نووية خارج أي رقابة دولية. فهل المطلوب من العرب أن يصفّقوا لمن يحتقر قواعد اللعبة، فقط لأن الإعلام الغربي صوّره “مدافعًا عن نفسه”؟ المملكة لم تنزلق يومًا إلى استعراضات السلاح أو مزايدات الخطاب، لكنها أيضًا لم تقبل أن يُفرض عليها الصمت باسم الواقعية أو التحالفات.
موقف الرياض ليس فقط تذكيرًا للمجتمع الدولي بمسؤوليته، بل أيضا رسالة لأشقائها: أن لا أحد أحرص على أمن هذه المنطقة من أهلها، وأنه لا يُعوّل على من يرى في دماء المنطقة وقودًا لحملته الانتخابية أو اختبارًا لصواريخه الذكية. قد لا تملك السعودية مفاتيح كل الملفات، لكنها تملك أهم ما يمكن لدولة أن تملكه في لحظة اضطراب: البوصلة.