اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
منذ انهيار اتفاق وقف إطلاق «قوات الدفاع الإسرائيلي» النار على المدنيين العُزل في قطاع غزة، فجر الثلاثاء الموافق الثامن عشر من مارس (آذار) الماضي، لم يمر نهار واحد بلا تكرار مشهد خطايا قتل يومية، ترتكبها عناصر تلك القوات ذاتها، وأغلب ضحاياها نساء وأطفال وعجائز ينتظرون تسلم معلبات غِذاء، أو قارورة ماء، في طوابير تبدو كأنها من أشباح بشر، لكنها تتلوى كثعبان يبتلع كل ما يبدو شبيهاً بالطعام، فيسُفّ في الجوف الجائع حتى ذرات التراب، إذا توفرت، أمام مراكز توزيع المساعدات. الأرجح أن فظائع المجازر التي مارستها إسرائيل بنيامين نتنياهو، والمتحالفين معه من شاكلة بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، وغيرهما، في غزة، وغيرها من قرى فلسطين ومدنها، لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ انتهاء ثانية الحروب العالمية. هل من المفاجئ، إذنْ، في زمن «القرية الكونية»، كما يُسمى كوكب الأرض منذ بضع سنين، أن تنتفض ضمائر ملايين البشر، ومن ضمنهم سياسيون وعلماء ومبدعون في مختلف مجالات الحياة، غضباً يرفض ممارسة إغماض الأعين إزاء فظاعات «قوات الدفاع الإسرائيلي»، كأنها لم تقع؟
الفنان بوب فيلان، مغني الراب المعروف، واحد من أولئك الذين انتفضوا، أو قُل إنه أحدثُ المنتفضين، والأغلب أنه لن يكون آخرهم، احتجاجاً على جرائم حرب إسرائيل المستمرة ضد الغزيين. وقع الحدث مساء السبت الماضي، كما بات معروفاً، وجرى أمام عشرات آلاف الشبان والشابات من جمهوره خلال إحدى حفلات مهرجان موسيقي يلتئم سنوياً في مدينة غلاستونبري، جنوب غربي إنجلترا، ويحمل اسمها. قبل أن يشطح بوب فيلان بعيداً في انفعال الغضب، بدا من الواضح لأي متابع أن أجواء الحفل كانت تتسم بأحاسيس تأييد عفوية للفلسطينيين تمثلت في مئات الأعلام الفلسطينية، التي كانت تعانق فضاء مسرح «ويست هولتس»، حيث كانت تجري وقائع الحفل. واضح كذلك أن انفعالات الغضب استبدت بالفنان بوب فيلان فطفق يصيح بهتافات تطالب بالحرية لفلسطين، وتتضمن صريح العداء الناقم على «قوات الدفاع الإسرائيلي». خلال بضع ساعات كان الخبر يملأ شاشات كل قنوات التلفزيون البريطانية، ويحتل موقع الصدارة على مواقع الإنترنت كافة. جميع المُعقبين، تقريباً، راحوا يطرحون، بصوت مرتفع، السؤال التالي: كيف يحدث هذا، ولماذا لم يبادر الفنيون في هيئة «بي بي سي» إلى قطع الإرسال فوراً؟
من جهتي، أعرف مسبقاً أن تعقيبي لن يعجب كثيرين، ولعل البعض منهم يذهب أبعد من مجرد الرفض، إنما ليس هذا هو المهم، إذ الأهم هو التذكير بواقع يقول إن المجتمعات الغربية، بعدما تعمق فيها تنوع الثقافات، وتعدد الأعراق، أضحت تنبذ لغة التحريض أياً كان مصدرها، أو هدفها. المسلمون، مثلاً، في بريطانيا تعرضوا لكثير من موجات عداء منذ هجمات عام 2001 الإرهابية في أميركا، لكنهم وجدوا مناصرين لهم تصدوا لظاهرة «الإسلاموفوبيا» بقوة في مختلف المجالات. خلاصة القول هي أن بوب فيلان مشكور على عاطفته، لكنه أخطأ المكان والمناسبة، فجمهوره ذهب إلى مهرجان «غلاستونبري» بقصد أن يستمتع بفنه، وليس لكي يستمع إلى هتافات سياسية. أليس لكل مقام مقال؟ بلى.