اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٣١ أب ٢٠٢٥
د. زياد بن عبدالعزيز آل الشيخ
اكتشفت الدول منذ عقود أن حقول النفط مفتاح السيطرة على الاقتصاد العالمي. ومنذ ذلك الحين، انتبهت الدول الغنية بالموارد في الجنوب العالمي لما تستخرجه الشركات الأجنبية من نفطها لتجني بها ثروة ليس لها نصيب منها. لكن ما إن استعادت الدول المنتجة سيادتها، أخضعت مواردها والشركات المشغلة لها لسلطتها. كما أنشأت كيانات تدعم موقفها عالميا لتحافظ على موقفها السيادي دفاعا عن حقوقها لضمان حصص عادلة من الثروة العالمية.
أما اليوم، فلدينا قصة البيانات. يحتاج وكلاء الذكاء الاصطناعي أو العمال الرقميون، قبل تنفيذ تعليماتهم البرمجية، أن يدربوا على بيانات هائلة. ففي كل مؤسسة أو جهة مجموعة من البيانات الكامنة التي تسكن في طبقات متراكمة من البيروقراطية المؤسسية. بيانات واسعة ومتنوعة: السجلات الصحية، والعائدات الزراعية، وصور الأقمار الصناعية، والتدفقات اللوجستية. بمجرد ما ينتهي العمال الرقميون من هضم هذه البيانات، يبدأ كل عامل بتنفيذ دوره حسب ما تملي عليه البرمجيات التي بداخله.
يوجد كثير من البيانات غير المكتشفة في مؤسسات الدول النامية، حيث تمتلك الحكومات والشركات كنزا هائلا من البيانات غير المستغلة. لكن بمجرد ما تستخرجها شركات البيانات الضخمة، فإنها تتاح لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التي تحصد مكاسب الأداء في وادي السيلكون ولندن وغيرها من مدن العالم.
يسمى هذا النموذج اقتصاديا بالإبداع المشترك. توفر البيانات التي تمتلكها المؤسسات ناتجا هامشيا يحسن من دقة النماذج ومتانته تحسينا كبيرا في أحيان كثيرة. لكن مع حداثة التقنية وعدم توفر البنية التحتية اللازمة، ما زالت كثير من البيانات غير متاحة للاستخدام إجمالا، والبيانات المتوفرة تستفيد منها النماذج دون تحقيق عوائد للجهات المالكة للبيانات.
لا غرابة إن بدت هذه الصورة مألوفة، فهي نسخة رقمية من لعبة الموارد القديمة. فكما فعلت القوى الاستعمارية في أوائل القرن العشرين، تسيطر القوى التي تمتلك العتاد لاستخراج الموارد على الموارد نفسها. ينطبق هذا النموذج على استخراج النفط كما ينطبق على استخراج البيانات. الشركات التي تمتلك التقنية لاستخراج البيانات توظفها لتغذية نماذجها ثم تعود لتبيع نماذجها لك مرة أخرى. هكذا تكون بضاعتنا ردت إلينا.
سيجادل بعضهم أن البيانات ليست نفطا. حيث تستطيع إعادة إنتاج البيانات بتصنيعها وإعادة تشكيلها إلى ما لا نهاية بما يغني عن البيانات الطبيعية. لكن البيانات التي تمثل الواقع نادرة وتصعب محاكاتها. تكمن المشكلة في إعادة إنتاج ملايين الفحوصات الطبية من المستشفيات الأفريقية مثلا، أو سنوات من أنماط المحاصيل من مزارع الشاي في الهند؛ مثل هذه المعارف التي تختزل الحياة يصعب تصنيعها.
تعلم مصدرو النفط الأوائل الدرس سريعا وتداركوا أمرهم، لكن ماذا عن مصدري البيانات اليوم؟ هل سيتعلمون الدرس سريعا ويدركون أن مورد البيانات مورد فريد حقا، وعلى من يملكه أن يشاركه مجانا إن شاء أو يطالب بحقه فيه؟