"سيدات الأسهم"... استثمار نسائي في السوق السعودية

مستوى تاريخي لعدد المستثمرات عند 1.72 مليون سيدة خلال الربع الأول من عام 2025

تسجل المرأة السعودية حضوراً غير مسبوق في سوق المال المحلية في مشهد يعكس تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة في أكبر اقتصاد داخل منطقة الشرق الأوسط.

هذا التحول جاء مع صعود عدد المستثمرات إلى نحو 1.720 مليون سيدة بنهاية الربع الأول من عام 2025، وهو أعلى رقم تشهده السوق على الإطلاق، بحسب بيانات هيئة السوق المالية السعودية.

ويمثل هذا التقدم النسائي اللافت قفزة بـ37 ألف مستثمرة جديدة خلال ثلاثة أشهر فحسب، مقارنة بـ1.683 مليون سيدة نهاية 2024، وتجاوز النمو السنوي حاجز 103 آلاف مستثمرة مقارنة بالربع نفسه من العام السابق.

بصمة واضحة بقائمة كبار الملاك

ولا يتوقف الأمر على العدد بل يمتد إلى التأثير النسائي أيضاً، إذ تضم قائمة أكبر 100 فرد من كبار الملاك الذين يملكون خمسة في المئة أو أكثر من الشركات المدرجة داخل السوقين الماليين السعوديين 'تداول' و'نمو' عدداً من السيدات السعوديات المؤثرات.

وتظهر القائمة وجود تسع سيدات ضمن أغنى المستثمرات في الأسهم السعودية، مما يعكس ليس فقط حجم استثماراتهن لكن أيضاً ثقلهن في الشركات الكبرى. ومن أبرز هؤلاء المستثمرات عضو مجلس إدارة مجموعة 'فقيه للرعاية الصحية' المدرجة في السوق الرئيسة 'تاسي' منال فقيه، وتبرز المستثمرة في شركة 'الرعاية المستقبلية' المدرجة ضمن سوق 'نمو' غادة ناغي، والمستثمرتان في شركة 'أرماح' المدرجة ضمن سوق 'نمو' نهلا ولطيفة الحقباني، إضافة إلى ذلك تضم القائمة عيشه بدوي وهي مستثمرة في شركة 'لمسات'، ونوف اليمني المستثمرة في شركة 'برج المعرفة' المدرجة ضمن سوق 'نمو'، والمستثمرة في شركة 'تالكو' إلهام إبراهيم وأخيراً حصة الشهراني المستثمرة في شركة 'بلدي للدواجن'. وجود هذه الأسماء اللامعة في قائمة كبار الملاك يعزز من فكرة أن المرأة السعودية ليست مجرد مستثمرة فردية بل شريك فعال ومؤثر في قيادة القطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال استثماراتها الاستراتيجية.

ارتياح وتفاؤل بالمشاركة

وعلى ذات الصعيد، أكد محللون ماليون أن هذه البيانات تعكس نمواً ثابتاً ومتسارعاً في مشاركة المرأة ضمن سوق الأسهم السعودية، في حين تأتي تأكيداً لتصاعد الوعي المالي لدى السيدات وتعزيز مشاركتهن في أكبر سوق مالية داخل الشرق الأوسط، بما يعكس الثقة المتنامية في أدوات الاستثمار المحلية والتحولات النوعية التي تعيشها الرياض على صعيد التمكين الاقتصادي للمرأة.

وينظر المحللون بارتياح وتفاؤل إلى تزايد المشاركة النسائية داخل السعودية، مما يعد مؤشراً قوياً على نضج السوق المالية ونجاح جهود تمكين المرأة ضمن 'رؤية 2030'.

وعي مالي وفرص متوافرة

وأوضحت المحللة والمدربة المعتمدة لدى أكاديمية 'كي ويلث' بالرياض مها سعيد أن ازدياد عدد المستثمرات في سوق الأسهم السعودي يعود لتنامي الوعي المالي وتوافر الفرص، بخاصة مع دعم المرأة ضمن رؤية 2030، مشيرة إلى أن هذا أثر إيجاباً في السوق عبر تنويع قاعدة المستثمرين ودعم استقراره، كون المرأة أقل تقلباً في قراراتها الاستثمارية.

ولتعزيز هذا الزخم أوصت سعيد بتنظيم ورش وبرامج تعليمية للنساء، وبخاصة في الجامعات والمناطق الريفية، وتوفير أدوات استثمارية مرنة وموجهة لهن، مثل الصناديق المشتركة منخفضة الرسوم، كما دعت إلى دعم الابتكار التقني لتطوير منصات تلبي حاجاتهن وبناء مجتمع نسائي تفاعلي لتبادل الخبرات.

من جانبها قالت المحللة الفنية المتخصصة في سوق الأسهم السعودية أسماء أحمد إن تزايد عدد المستثمرات السعوديات في سوق الأسهم مدفوع بعوامل عدة، أبرزها الدعم الرسمي لتعزيز دور المرأة اقتصادياً وتسهيل دخولها السوق المالية، وهذا التوجه يسهم في تنويع قاعدة المستثمرين وتحقيق مشاركة متكافئة بين الجنسين، مما يعكس التحول الاقتصادي والاجتماعي في السعودية .

وأشارت أحمد إلى أن 'تداول' أسهمت في ذلك من خلال برامج تدريبية وتوعوية متخصصة مكنت النساء، مضيفة أن مشاركة المرأة في البورصة، التي هي مرآة الاقتصاد، تدعم سيولة السوق وتوسع قاعدة المتعاملين، مما ينعكس على نمو القيمة السوقية للأسهم، ومؤكدة أن تعزيز الحضور النسائي في السوق ليس توجهاً اجتماعياً وحسب، بل هو خيار إستراتيجي له أثر اقتصادي ملموس يدعم استدامة النمو المالي والتجاري.

 مصدر دخل جديد

وعلى صعيد المستثمرات في السوق المالية السعودية، فقد أشارت نسرين أبو لبن إلى أن دافعها للاستثمار هو البحث عن مصدر دخل جديد، مؤكدة قوة السوق السعودية على رغم الأحداث الجيوسياسية، أما المستثمرة ياسمين الفهد فأوضحت أن السوق السعودية تعد فرصة جيدة لتحقيق عوائد مالية، مرجعة جاذبية السوق لعوامل عدة ومنها الاقتصاد المتنوع والنامي وكونها سوقاً مالية كبيرة ومتقدمة، إضافة إلى فرص النمو في قطاعات عدة وإمكان تحقيق عوائد جيدة، مع شفافية القوانين والاستفادة من التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتنويع في المحفظة الاستثمارية، وأخيراً دعم السيولة الجيدة.

تحول اقتصادي واجتماعي

من جهته، قال المحلل المالي وعضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد 'تشارترد' للأوراق المالية والاستثمار وضاح الطه إن تزايد أعداد المستثمرات السعوديات ليس مجرد ظاهرة عددية، بل مؤشر إلى تحول اقتصادي واجتماعي عميق.

وأكد الطه أن المرأة السعودية أصبحت أكثر وعياً بقدرتها على اتخاذ قرارات مالية مستقلة والإسهام بفعالية في الاقتصاد الوطني، مضيفاً أن هذا التوجه سيعزز من الشمول المالي ويزيد من تنوع قاعدة المستثمرين، مما يعود بالنفع على استقرار السوق وفعاليتها على المدى الطويل.

وأوضح الطه أن البيانات تشير إلى أن المستثمرات غالباً ما يتخذن قرارات استثمارية مدروسة وتمِلن إلى الاستثمار على المدى الطويل، مما يوفر استقراراً أكبر للسوق مقارنة بالمضاربات قصيرة الأجل.

سهولة وجاذبية الاستثمار

من جانبه، أكد المستشار الاقتصادي محمد الشميمري أن هناك تزايداً ملحوظاً في طلبات فتح المحافظ الاستثمارية من قبل السيدات ضمن سوق الأسهم السعودية، ليس فقط من ذوات الملاءة العالية بل أيضاً من الشابات اللاتي بدأن للتو مسيرتهن المهنية.

وأشار إلى أن هذا التنوع في الشرائح العمرية والدخلية يؤكد أن الاستثمار في الأسهم أصبح أكثر سهولة وجاذبية لشريحة أوسع من النساء.

ولفت إلى أن البرامج التوعوية والتعليم المالي الذي تقدمه الجهات الرسمية والخاصة لعب دوراً حاسماً في بناء ثقة المستثمرات، وتمكينهن من اتخاذ قرارات مالية مستنيرة.

تأمين المستقبل المالي

وأشار المحلل الفني وعضو الاتحاد السعودي والدولي للمحللين الفنيين عبدالله الجبلي إلى أن من أبرز الدوافع وراء تزايد أعداد السيدات في السوق المالية السعودية هي تأمين المستقبل المالي، إذ تسعى كثير من المستثمرات إلى تأمين مستقبلهن الشخصي ومستقبل أبنائهن مادياً وضمان حياة كريمة ومرفهة.

وأوضح أن من تلك الدوافع أيضاً تحريك الأموال المجمدة، ليأتي ذلك في ظل تفضيل بعض المستثمرات استثمار أموالهن المجمدة في البنوك بدلاً من تركها من دون عائد، إذ يوفر التداول في الأسهم فرصاً لتحقيق الأرباح. ولفت إلى أن من تلك الدوافع تحسين الوضع المادي إذ ينظر إلى سوق الأسهم كوسيلة لتحقيق أرباح عالية وتحسين الوضع المادي العام.

برامج توعية وتدريب

بدوره، أكد المستشار الاقتصادي في أسواق الأسهم إبراهيم الفيلكاوي أنه يتعين لزيادة تلك الأعداد وخصوصاً فئة الشابات في السوق المالية السعودية، الأكبر من حيث القيمة السوقية داخل منطقة الشرق الأوسط، زيادة برامج التوعية والتدريب بصورة مكثفة وبالتحديد حول أساسات الاستثمار في سوق الأسهم، وتطورات السوق وتقلباتها. وأشار إلى أنه لدعم ذلك أيضاً يجب على لجان الأوراق المالية والأسهم في الغرف التجارية متابعة مطالب المستثمرات وتوفير الدعم اللازم لهن.

وشدد على أن تمكين المستثمرات السعوديات من خلال توفير بيئة داعمة ومعرفة كافية سيسهم بصورة كبيرة في تعزيز مشاركتهن داخل السوق المالية، ودعم الاقتصاد الوطني.

نجاح مستهدفات التحول

ومن جانبه، يقول المتخصص في الشأن الاقتصادي مصطفى متولي إن ما نشهده من تزايد ملحوظ في أعداد المستثمرات داخل سوق الأسهم السعودية يعد انعكاساً مباشراً وناجحاً لمستهدفات خطة التحول الوطني و'رؤية 2030'، والتي لم تكتف فقط بإعادة هيكلة الاقتصاد بل عملت على تمكين المرأة في القطاعات كافة، بما في ذلك القطاع المالي والاستثماري.

ويضيف متولي أن دخول المرأة بقوة إلى سوق المال يعكس ثقة متزايدة بالمنظومة الاقتصادية والتشريعية، وأكد أن الإصلاحات الهيكلية بدأت تؤتي ثمارها في خلق بيئة استثمارية أكثر شمولاً وتوازناً، وهو ما يعزز من سيولة السوق واستدامة نموها على المدى الطويل.

ويشير متولي إلى أن بيانات ملتقى 'فورتشن للنساء الأقوى' في الرياض أخيراً أظهرت أن مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل بلغت 36 ؜في المئة؜، وأن هناك ما تقدر نسبته بـ45 ؜في المئة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة تمتلكها سعوديات، وهو انعكاس مباشر لرؤية الرياض والتي تستثمر ببعض الأدوات الأكثر نمواً، ومن بينها أسهم الشركات المدرجة ضمن سوق الأسهم المالية.

ادخار واستثمار

وأكدت مؤسسات كبرى وشركات أبحاث بارزة أن تمكين المرأة في السعودية، بفضل رؤية 2030، يعزز قدرتها على الادخار والاستثمار في سوق الأسهم. وتشير التقارير إلى بيئة مواتية تفتح آفاقاً أوسع لمساهمتها الفعالة في القطاع المالي.

وبين تقرير حديث صادر عن مؤسسة 'بلومبيرغ إنتليجنس' أن الاستثمار النسائي في السعودية يعكس تقدماً كبيراً في تعزيز دور المرأة اقتصادياً واجتماعياً، ويسهم في تحقيق أهداف 'رؤية 2030'، مشدداً على أهمية توفير منتجات وخدمات مالية مبتكرة لتلبية حاجات المستثمرات.

وخلال يوليو (تموز) الجاري، أشاد 'صندوق النقد الدولي' بزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، مما يعزز قدرتها على الاستثمار في الأسهم.

وبالنسبة إلى وكالة 'ستاندرد أند بورز غلوبال' أشارت خلال يوليو إلى أن تحسن سوق المال يخلق فرصاً أكبر للنساء للاستثمار.

وخلال فبراير (شباط) الماضي، رأت مؤسسة 'إي أف جي هيرميس' أن السيولة القوية في السوق المالية السعودية تشجع النساء على الانخراط بصورة أكبر.

أما في أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025، أظهرت تقارير صادرة من شركة 'الراجحي كابيتال' التزاماً بتمكين المرأة، مما يدعم زيادة محتملة في مشاركتها بالاستثمارات. وخلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أشارت وكالة 'موديز' للتصنيف الائتماني إلى أن النمو الاقتصادي الشامل يعزز الثقة والقدرة الاستثمارية للمواطنين، بمن فيهم النساء.

تمكين المرأة

وخلال أبريل (نيسان) 2024، جدد صندوق النقد الدولي إشادته بتمكين المرأة ودورها في الاستثمار، وخلال مارس (آذار) 2024 أبرز البنك الدولي الإصلاحات التشريعية التي تزيل الحواجز أمام وصول المرأة للخدمات المالية، لتمهد الطريق لزيادة مشاركتها في الاستثمار داخل بسوق الأسهم.