اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٧ أيار ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
ما أهمية هذه الشراكة للسعودية؟
تعزز حضورها الصناعي في المنطقة عبر استثمار خامات عالية الجودة.
ما أهمية هذه الشراكة للعراق؟
تسهم في استثمار الثروات المحلية وزيادة فرص العمل.
توسّعت المملكة العربية السعودية بالسنوات الأخيرة في استراتيجياتها الاستثمارية بمجال التعدين، مع تركيز خاص على المعادن الحرجة مثل السليكا، لما لها من دور أساسي في الصناعات الحديثة والتحول الطاقي.
وتتجه الرياض إلى بناء شراكات إقليمية تعزز حضورها العالمي في هذا القطاع، وكان للعراق موقع متقدم في هذا التوجّه، بفضل ما يمتلكه من احتياطيات ضخمة ونقية من رمال السليكا، وتأتي هذه الشراكة في إطار تنويع الاقتصاد لدى الجانبين، واستثمار المواد الخام في مشاريع صناعية تصديرية مستدامة.
شراكة استراتيجية
في خطوة توصف بأنها الأضخم من نوعها في قطاع الصناعات التحويلية العراقية، أعلنت وزارة الصناعة والمعادن، في 29 أبريل، توقيع اتفاقية تعاون مشترك بين الشركة العامة للزجاج والحراريات في العراق وشركة أجيال السعودية، لإنشاء أكبر مجمع صناعي متكامل لمشاريع السليكا في محافظة الأنبار، غربي البلاد.
ويمثل المشروع نقلة نوعية في مسار العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ويعكس توجهاً حكومياً واضحاً نحو تنويع مصادر الدخل وتطوير الصناعات الوطنية، اعتماداً على الموارد المحلية غير المستغلة، وعلى رأسها مادة السليكا، التي تُعد عنصراً أساسياً في صناعات الزجاج، والسيراميك، والسيليكات، والعوازل الكهربائية.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية، في 29 أبريل، عن وزير الصناعة والمعادن خالد بتال النجم، قوله إن هذا التعاون يعزز رؤية الوزارة في بناء قاعدة صناعية قوية ومُستدامة، مشيراً إلى أن الاتفاقية 'تمثل نقطة تحول كبيرة في التعاون الصناعي بين العراق والسعودية'.
ووفق البيان الرسمي، فإن المجمع سيضم خطوط إنتاج متعددة تشمل الزجاج المسطح، والقناني الزجاجية، والأدوات الصحية السيراميكية، وسيراميك الأرضيات والجدران، إلى جانب سيليكات الصوديوم، وغيرها من المنتجات التي تستخدم السليكا كمادة خام رئيسية.
ويُتوقع أن يكون للمجمع أثر مباشر في توفير فرص العمل، وتحفيز البيئة الاستثمارية، وزيادة القدرة التنافسية للصناعات العراقية، كما أنه سيضع الأساس لشراكات صناعية أوسع في المستقبل.
وحتى لحظة الإعلان، لم يُكشف عن القيمة الإجمالية للمشروع، لكن مؤشرات حجمه والمكوّنات التصنيعية توحي باستثمارات كبيرة، قد تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات.
انطلاقة صناعية
ويرى الباحث الاقتصادي أحمد عيد أن هذه الاتفاقية تمثل خطوة جيدة نحو تنويع مصادر الاقتصاد العراقي، وتحريره من الاعتماد شبه الكامل على النفط.
ويضيف لـ'الخليج أونلاين' أن المشروع لا يقتصر على استخراج مورد خام، بل يؤسس لانطلاقة صناعية متقدمة تدخل العراق ضمن سلاسل القيمة العالمية المرتبطة بصناعات الزجاج، والألياف البصرية، والخلايا الشمسية، وتطوير مصانع الزجاج والسيراميك الرائدة في الأنبار.
ويبيّن عيد أن الأنبار تتمتع بمخزون ضخم من الرمال البيضاء النقية، تعتبر من بين الأفضل عالمياً، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي الذي يربط العراق بسوريا والأردن والسعودية، إضافة إلى الكفاءات البشرية، وهو ما يوفر للمشروع تسهيلات لوجستية وتصديرية مميزة.
وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن المساحات المفتوحة والبنية التحتية التي بدأت تستعيد عافيتها بعد سنوات من الحرب تجعل من هذه المحافظة بيئة واعدة للاستثمار الصناعي.
ويلفت عيد إلى أن تنفيذ المشروع لن يكون سهلاً من دون معالجة التحديات التشريعية واللوجستية، موضحاً أن من أبرز التحديات التي تواجه المشروع:
ويؤكد عيد أن غياب هذه الشروط قد يعطل المشروع أو يحدّ من قدرته على إحداث التحول الاقتصادي المنشود.
احتياطيات جيدة
يمتلك العراق احتياطيات ضخمة من السيليكا، التي تُعد من أنقى أنواع الرمال على مستوى المنطقة، وتتوفر بكميات كبيرة وبمواصفات فنية عالية تجعلها ملائمة لمختلف الاستخدامات الصناعية المتقدمة.
وتستخدم رمال السيليكا في صناعات الزجاج، والثرمستون، والسباكة، إضافة إلى المنتجات السيليكونية الدقيقة التي تدخل في مجالات التكنولوجيا الحديثة والمواد العازلة.
وتتركز أهم الترسبات في محافظة الأنبار، وتحديداً في عدة مواقع استراتيجية، منها:
وتؤكد هيئة المسح الجيولوجي العراقية أن الاحتياطي التقديري لرمال السليكا في هذه المواقع يتجاوز 330 مليون متر مكعب، وهو ما يضع العراق في مصاف الدول القادرة على دخول سوق الصناعات السليكية بقوة في حال استغللت هذه الموارد بالشكل الأمثل.
وتشير التقديرات إلى احتواء الأنبار على كميات تقدر بـ 400 مليون طن غير مكتشفة حالياً وبتراكيز عالية الجودة، وعلى هذا الأساس أنشئ معمل زجاج الرمادي في العام 1971 لإنتاج مختلف أنواع الزجاج والسيراميك'.
ويكمن الهدف الرئيس من هذه الترسبات في تغذية الصناعات الوطنية بالمواد الخام الأساسية، خاصة في قطاع صناعة الزجاج بأنواعه المختلفة، ومواد البناء الخفيفة مثل الثرمستون، إضافة إلى صناعة السيليكون الصناعي الذي يُستخدم في عديد من التطبيقات الإلكترونية والمتقدمة.
وتُعد هذه الموارد أحد الأعمدة الأساسية لمشروع مجمع السليكا الصناعي المرتقب، ما يجعل استثمارها ليس ذا بعد اقتصادي فقط، بل استراتيجي أيضاً، في مسار التحول الصناعي للعراق.
رؤية استثمارية
تسعى السعودية إلى ترسيخ موقعها كأحد اللاعبين العالميين البارزين في قطاع التعدين ضمن رؤيتها الاقتصادية الطموحة لعام 2030، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط.
وفي هذا الإطار تعمل المملكة على توسيع استثماراتها التعدينية داخلياً وخارجياً، مع التركيز على المعادن الاستراتيجية والحرجة التي باتت تشكّل ركيزة أساسية في التحول الطاقي العالمي، مثل الليثيوم والسليكا والنحاس.
وتولي الرياض اهتماماً متزايداً بتعزيز شراكاتها الدولية في هذا القطاع، من خلال ربط المستثمرين السعوديين والعالميين بفرص واعدة في أسواق ناشئة، مثل السوق العراقية الغنية بالموارد الطبيعية غير المستغلة.
ويأتي مشروع إنشاء مجمع السليكا في الأنبار مثالاً واضحاً على رغبة المملكة في بناء تحالفات صناعية إقليمية تسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية مشتركة، ونقل الخبرات، وفتح أسواق جديدة أمام الصناعات التعدينية.
هذا التوجه لا يعكس فقط طموحاً سعودياً بالتوسع، بل يتقاطع مع حاجات المنطقة إلى تنمية صناعية حقيقية ترتكز على استغلال الموارد المحلية، وتساهم في سد الفجوة العالمية المتزايدة في المعادن الحيوية الضرورية لمستقبل الطاقة والتقنيات النظيفة.