اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٩ أيلول ٢٠٢٥
نجلاء الربيعان
منذ الصغر، وأنا أرى الصحيفة الورقية هي السقف الأعلى لي، ولكل قارئ، وللكاتب نفسه العمود الصحفي «حلم»، والقصيدة المطبوعة إنجاز يحتاج لسنوات. أما اليوم فكل شاب أو شابة يملكون حساباً على تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يصبحوا «كُتاب أعمدة»، بمجرد لمس شاشة الهاتف أو الحاسوب؛ فكل من يلتقط صورة ويكتب تحتها جملة شعرية يجد نفسه شاعراً بين عشية وضحاها، هذه الديمقراطية في الكتابة منحت الجميع الحرية، لكن في المقابل خلقت أزمة في المعايير: كيف تفرق بين ما يستحق أن يسمى شعراً أو أدباً ؟ وما هو مجرد جُمل منمقة سرعان ما تُنسى مع الوقت؟
الأمر في حد ذاته ليس مجرد تنظير، إنما واقع نراه أمام أعيننا بعض الأسماء الصاعدة صعدت بالفعل من هذه المنصات لتصبح أصواتاً مؤثرة تملأ الندوات، والمهرجانات. وأقلاماً نيرة وسط عالمنا الثقافي التي تترجم نصوصهم وتدرس في الجامعات، في المقابل عشرات الكتاب والشعار لمعوا كألعاب نارية، ثم اختفوا، واختفى وهجهم لأنهم لم يتمكنوا من هذه المنصات بالطريقة الصحيحة؛ فطريقتهم مختلفة وتقليدية لم تكسبهم سرعة كتابة النصوص المبتكرة، لنعد قليلاً إلى ما يحدث الآن، فنرى هذا العراك الصامت بين (اللحظة) و(المعنى)، بين أدب يريد أن يبقى، وكتابة ترضى بأن تُستهلك سريعاً.
ألا تستحق التأمل؟!
ولعل ما يستحق التأمل أكثر أن هذه هي المرة الأولى التي يتاح فيها للشباب أن يكونوا صناع مشهد دون وصاية، وأن يختبروا أقلامهم أمام جمهور حي، وأن يتعلموا عبر التجربة والخطأ. هذا العراك لم يأتِ من فراغ، بل هو انعكاس لعصر السرعة، لعالم يعيش على «الترند»؛ حيث اللحظة أهم من الامتداد، جيل كامل قرر أن يكتب بلا وسطاء، وأن يصنع جمهوره بنفسه، لكن يبقى هناك سؤال يظهر دئماً: هل نحنُ امام ثورة إبداعية حقيقة أم مجرد موضة رقمية لا تصمد أمام الزمن؟
غير أن الإجابة تكشف أن المعضلة هنا ليست المنصة وحدها، بل في المعايير التي نقيس بها القيمة الأدبية؛ فالمتلقي الجديد يبحث عن النص الخاطف، والكاتب يطارده لينشأ أدباً جديداً، سريع الهضم وقليل العمق، ربما تكون هذه المرحلة انتقالية مثل كل التحولات التي عرفها الأدب على مر العصور من الشفافية إلى التدوين، ومن المخطوط إلى الطباعة. في كل مرة كان هناك من يخشى ضياع المعنى، لكن في النهاية ما بقي هناك هو النصوص التي تجاوزت لحظتها إلى الأثر العميق، ومن ذلك كله تخرج نصوص جديدة يكتبها الشباب، قصيرة لكنها حاضرة عابرة أحياناً، وموثرة أحياناً أخرى.