اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ٨ أيلول ٢٠٢٥
كان المشهد مألوفًا. باب منزل بلا رقم، شارع طويل بلا اسم، وسائق يحمل في يده ورقة صغيرة عليها ملصق من مطعم. لم يكن في تلك الورقة سوى رموز خاصة بالمطعم، ترقيم داخلي للفرع المسؤول عن التوصيل، وملاحظات مقتضبة مثل 'البيت الثالث بعد المسجد' أو 'مقابل البقالة'. كان هذا هو جواز المرور الوحيد الذي يربطنا بعالم التوصيل زمنًا، قبل أن يُولد 'العنوان الوطني'.
لم تكن القضية مجرد قطعة بيتزا أو وجبة سريعة تصل متأخرة، بل كانت صورة عن مجتمع يعيش بلا نظام واضح للعنوان. كنا نرتجل، ونُدل السائقين على بيوتنا بمزيج من العلامات: نخلة في زاوية الحوش، بوابة حديدية زرقاء، أو جدار مرسوم عليه إعلان قديم. وفي وسط ذلك، تحولت المطاعم إلى'مراكز بريد غير رسمية'، تُخزّن في سجلاتها الداخلية خرائط لمنازلنا، وتدير شبكة غير مكتوبة للتوصيل.
لكن الحياة لا تستقيم طويلًا على الارتجال. مثلما يحتاج الجدار إلى أساس، يحتاج المجتمع إلى قواعد تصون انسياب الحركة وتوزيع الخدمات. هنا جاء'العنوان الوطني' كقانون صامت ولكنه عميق، وضع لكل بيت رقمًا ولكل شارع اسمًا، ليحوّل الفوضى إلى خريطة واضحة، والارتجال إلى نظام. لقد منح المواطن هوية مكانية، ليس فقط ليسهّل وصول سائق التوصيل، بل ليُعيد تنظيم العلاقة بين الدولة والفرد: من الطوارئ الصحية إلى إيصال البريد، ومن التجارة الإلكترونية إلى الأمن.
تلك النقلة لم تكن مجرد خطوة إدارية، بل انتقال من مرحلة 'الذاكرة الجمعية' التي تحفظ المواقع بعلامات، إلى مرحلة'المؤسسية' التي تضع عنوانًا رسميًا لكل بيت. وكأننا انتقلنا من كتابة العنوان على قصاصة ورق يتركها مطعم، إلى كتابته على خريطة وطنية تحمل توقيع الدولة.
غير أن السؤال يظل حاضرًا: هل كان غياب العنوان الوطني مجرد نقص تقني تجاوزناه مع الزمن، أم أنه يعكس عقلية أوسع اعتدنا فيها على الحلول المؤقتة وتركنا النظام يأتي متأخرًا؟ وإذا كان للبيوت اليوم عنوان يحميها من الضياع، فهل نملك نحن كأفراد عناوين واضحة لأحلامنا ومساراتنا، أم ما زلنا نكتفي بملصقات صغيرة نُلصقها على الأبواب وننتظر من العالم أن يجدنا؟
mbahareth@