اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
في ظل تطور منظومة القبول الجامعي في المملكة العربية السعودية، أصبح انتقال الطلاب والطالبات من مدنهم إلى مدن جامعية أخرى أمرًا شائعًا؛ بفضل نظام القبول الموحد. هذا النظام يتيح الفرصة أمام الجميع للوصول إلى التخصصات والجامعات التي يرغبون بها، لكنه في المقابل يفرض تحديات حقيقية، تتعلق بتأمين بيئة معيشية مستقرة للطلبة المقبولين من خارج المدينة.
السكن الجامعي اليوم ليس خيارًا تكميليًا، بل أصبح ضرورة أساسية لضمان استقرار الطالب النفسي والاجتماعي والأكاديمي؛ فالكثير من الأسر لا تستطيع مرافقة أبنائها، أو الانتقال معهم بسبب التزامات العمل أو الروابط الأسرية. في مثل هذه الحالات، يحتاج الطالب إلى سكن آمن ومنظم وداعم، يوفّر له بيئة تساعده على التركيز والتفوق.
ولا يقتصر دور السكن الجامعي على الإيواء فقط، بل يتعداه إلى كونه بيئة تعليمية واجتماعية محفزة، تزرع قيم الانضباط والاستقلالية، وتُشعر الطالب بالانتماء، وتدفعه للعطاء الأكاديمي والمشاركة في الحياة الجامعية بفعالية. وجوده في بيئة آمنة ومستقرة يقلل من شعوره بالغربة، ويرفع من فرص النجاح والتميز.
ولتنفيذ ذلك بشكل واقعي، يُقترح أن تتبنى الجامعات السعودية خطة وطنية تدريجية؛ لإنشاء أو توسيع وحدات السكن الجامعي، تستند إلى حجم الطلب الفعلي، أي بناءً على عدد الطلاب القادمين من خارج المدينة، وتبدأ بشكل مرن وقابل للتوسع. هذه الخطط يجب أن تشمل جميع المدن الجامعية، وليس فقط المدن الكبرى، لضمان شمولية التغطية، وتعزيز المساواة في فرص الاستقرار.
وفي هذا السياق، يمكن الاستفادة من التجارب الرائدة لعدد من الجامعات السعودية، التي طوّرت نماذج ناجحة في مجال السكن الجامعي:
• جامعة الملك فهد للبترول والمعادن؛ تقدم سكنًا شاملاً مجهزًا ومرافق نقل فعالة داخل الحرم.
• جامعة الأميرة نورة؛ توفر بيئة سكنية آمنة ومتعددة الخدمات مع نظام نقل داخلي منظم، مخصص للطالبات.
• جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)؛ نموذج عالمي في التكامل بين السكن والخدمات والأنشطة المجتمعية، يوفر حياة جامعية متكاملة.
• جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز؛ لهما تجارب طويلة في تقديم السكن الجامعي للطلبة من خارج المدينة، مع دعم لوجستي وخدمات متعددة.
وتُعد هذه الخطة التدريجية، إذا ما تم تنفيذها بفعالية، بداية لفتح الآفاق نحو جامعات سعودية عالمية قادرة على استقبال طلاب من مختلف أنحاء العالم، لا سيما في ظل التقدم الأكاديمي، الذي تحققه الجامعات المحلية، والتوسع في برامج التبادل الطلابي، والشراكات الدولية مع جامعات ومراكز بحثية مرموقة. إن توفير سكن جامعي بمعايير عالمية، لا يخدم فقط الطالب المحلي، بل يعزز من جاذبية الجامعة على مستوى عالمي، ويُسهم في بناء صورة تنافسية للجامعات السعودية في المشهد التعليمي الدولي.
إن الاستثمار في السكن الطلابي هو استثمار في رأس المال البشري، وخطوة تعكس التزام الدولة بتوفير بيئة تعليمية متكاملة وآمنة ومحفزة. ومع ازدياد أعداد الطلاب، وتوسع المدن الجامعية، فإن اعتماد خطة وطنية شاملة ومرنة تُبنى على أساس بيانات القبول السنوي واحتياجات الطلبة، سيُحدث فرقًا حقيقيًا في جودة الحياة الجامعية، ويُسهم في بناء مستقبل أكاديمي مشرّف محليًا وعالميًا.
drsalem30267810@