اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٥ تموز ٢٠٢٥
عبدالجبار الخليوي*
بينما تتسابق الأمم والمجتمعات على العموم نحو التقدم في كافة الجوانب العلمية والعملية؛ ويتحول هذا العالم إلى نموذج «قرية صغيرة» ؛ معرفية مفتوحة؛ يطل علينا مع الأسف من يُصرّح وبكل جرأة دون حياءٍ وخجلٍ من أحد ويقول: «أنا لا أقرأ»؛ وينسى مع الأسف أنه ابن «أمة اقرأ»؛ والغريب أنه لا يقولها أسفًا؛ بل يقولها وكأنها بلغة التفاخر ولهجة المباهاة؛ بل كأن القراءة عبء ثقيل على النفس والثقافة ترف مكروه؛ وكأن الجهل وسام يتحلى به المرء أمام الآخرين؛ «لا حول ولا قوة إلاّ بالله».
مثل هذا التصريح – الذي قد يبدو عاديًا عند البعض – يكشف لنا عن خلل أعمق في النظرة إلى المعرفة والثقافة بصورة عامة ويطرح علينا سؤالًا ضروريًا: ما الذي يخسره الإنسان حين يعتاد ألا يقرأ؟
وحسب وجهة نظري القاصرة؛ إن المتكاسل عن القراءة سوف يُصاب بضيق في الأفق وتيبّس في الفكر؛ وكلنا يعلم أن القراءة توسّع المدارك وتفتح العقول على ثقافات وتجارب متنوعة لا حصر لها؛ أما من لا يقرأ فسوف يظل حبيس تجربته الشخصية وبعض تجارب الآخرين ممن هم حوله؛ فلا يرى من الحياة إلا نافذته الصغيرة؛ ولا يفهم الآخر إلا من خلال تصورات مسبقة.
وبدون أدنى شك إن الذي لا يقرأ سوف يُصاب بضعف في اللغة والتعبير؛ ومن لا يقرأ سيفقد العلاقة اليومية بالكلمة؛ فتشاهد أن كلماته محدودة جداً؛ وتراكيبه هشّة؛ أما مفرداته فلا تسعفه حين يحتاج إلى إقناع من هو أمامه؛ أو حتى لا يتمكن من شرح فكرته؛ وهذا القصور ينعكس على قدرته في التفاعل مع أفراد المجتمع.
والقراءة تغذي التفكير النقدي وتبعث في النفس حيوية ونشاط وعصف ذهني؛ وتمنح القارئ أدوات التحقق والتمحيص؛ أما من لا يقرأ فغالبًا ما يُخدع بالظاهر؛ ويُصدّق دون تمحيص؛ ويقع فريسة للشائعات والخرافات التي لا حصر لها؛ وسيكون ضحية سهلة جداً للتضليل.
بصراحة نحن نعيش في زمن يتغير بسرعة؛ وأظن أن القراءة هي الجسر نحو الفهم والإدراك والاستيعاب؛ فرجاءً انتبهوا فمن لا يقرأ لا يدرك ما يدور حوله من مستجدات حضارية؛ ولا يستطيع مواكبة لغة العصر؛ أو تحولات التقنية؛ أو حتى تطلعات الجيل الجديد؛ فإياك أن تعيش في غربة عن مواكبة العصر وتحديثاته.
الذي لا يقرأ؛ لا يتحدث كثيرًا؛ ولا يعرف ماذا يقول عندما يتكلم؛ وإن طغت عليه الجرأة وتحدث ستجد أن حديثه يغشاه الجهل؛ فهو يعيش على هامش النقاشات الجادة؛ ويجد صعوبة في تكوين رأي متماسك أو طرح فكرة ناضجة؛ ويكاد يكون في عزلة فكرية ثقافية.
لا ينبغي علينا جميعاً أن نرى القراءة أنها ترف ثقافي أو فكري خاص بـ «النخبة أو إنها هواية للكُتّاب أو إنها شغف للمثقفين والمتعلمين»؛ بل يجب أن نرى إنها «ضرورة يومية» أو أنها «حياة»؛ شأنها شأن حاجتنا للغذاء والهواء؛ فهي تحفظ العقل حيًا وتجعل الروح يقظة؛ كما قال رب العزة والجلال: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»؛ فالقراءة ليست ترفاً كما يظن البعض، بل ضرورة حياتية.
وفي الختام: أنا لا أحب أن يأتي إنسان ويقول: «أنا لا أقرأ»؛ فهذا يشبه بمن يفتخر أمام الناس بعدم استخدام عينيه أو أذنيه؛ ويعتمد كُلياً على النقل فيما يقولون؛ ومما يُتداول في المجالس دون وعي؛ فالقراءة ليست رفاهية فقط؛ بل أداة للبقاء في زمن لا يرحم الجاهلين والمتهاونين فيها. وسؤال أخير: هل آن الأوان لنا جميعاً أن نكفّ عن التفاخر بالجهل»أنا لا أقرأ»؛ وأن نبدأ رحلة الوعي من أبسط أبوابها «القراءة»؟
*كاتب وروائي