اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢ أيار ٢٠٢٥
في مخيم إيواء غرب مدينة غزة، يعيش عادل الخواجا، عامل بناء يبلغ من العمر 42 عاما، بعد أن نزح قسرا من حي الشجاعية شرق المدينة في إثر قصف عنيف دمر منزله ومصدر رزقه. لم يحمل معه سوى حقيبة صغيرة وأدوات يدوية صدئة، وأطفاله الخمسة الذين باتوا يشاركونه الهم اليومي في البحث عن لقمة تسد الجوع.
يقول عادل وهو يجلس على كومة حجارة قرب خيمته لـ 'فلسطين أون لاين': 'اشتغلت بالبناء طول عمري، وكنت أرجع للبيت بربطة خبز وابتسامة. اليوم، صرت أرجع خاوي، وأتجنب النظر في عيون أولادي'.
بصوت منكسر، يعترف عادل أنه اضطر لدفع اثنين من أطفاله، يوسف (12 عاما) وسلمى (10 أعوام)، إلى الشارع والأسواق ليبيعا المناديل والمياه، بعدما فشل في العثور على أي فرصة عمل 'أنا مكسور من جوّا، ما كنت أتخيل يوم أخلي بنتي توقف تحت الشمس تبيع مناديل، بس الجوع ما بيرحم'.
يخرج يوسف صباحا حاملا كيسا بلاستيكيا صغيرا فيه علب مياه معدنية، يتجول بها في الطرقات المدمرة. أما سلمى، فترافق والدتها أحيانا إلى السوق القريب لتعرض قطع قماش صغيرة كانت والدتها قد خيطتها من بقايا تبرعات. يقول عادل: 'سلمى بتحلم تصير معلمة، بس اليوم بتحسب عدد العلب اللي باعتها عشان نشتري طحين'.
ورغم وجعه، لا يخفي عادل خوفه الأكبر، وهو فقدان أطفاله حقهم في التعليم. 'مرّ عليهم أكثر من عام ونصف بدون مدرسة، وما في أفق للرجوع. الحرب خطفت كل شي: البيت، الشغل، وحلم أولادي'.
في اليوم العالمي للعمال الذي يصادف الأول من مايو من كل عام، لا يرفع عادل لافتة تطالب بتحسين الأجور أو تأمين صحي، بل يهمس برجاء واحد: 'رجّعولي الحياة'.
فقدان كل شيء
على حافة شارع مدمّر في مدينة غزة، ينحني أنس عبد الهادي (27 عاما) ليلتقط قطعة من الإسمنت المهشم، يضعها في كومة الحطام التي يعمل على تجميعها منذ الصباح. لم يكن هذا مشهده المعتاد قبل الحرب، حين كان يعمل في الداخل المحتل، ويكسب أجرا يكفيه ويكفي عائلته المكونة من تسعة أفراد.
'كنت أشتغل في مصنع بلاستيك قرب اللد، والحمد لله كنت أرسل لأهلي فلوس أول بأول'، يقول أنس لـ 'فلسطين أون لاين' وهو يمسح جبينه بكمّ قميصه المغبر 'كنت حاسس إني بنيت مستقبلي خطوة خطوة.. بس كل شي انهار فجأة بعد 7 أكتوبر'.
اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي أنس أثناء مداهمات عشوائية للعمال الفلسطينيين في الداخل المحتل بعد بدء الحرب. اقتيد إلى مركز احتجاز في النقب، وهناك، تعرض للضرب المبرح، واحتُجز في العراء لساعات طويلة دون طعام أو ماء. 'خلوني 26 يوما، لا تهمة ولا محامي، بس لأنهم شافوا هويتي مكتوب فيها غزة'، يروي أنس بمرارة.
حين أفرج عنه في نوفمبر 2024، كان قد فقد كل مدخراته التي صادرتها سلطات الاحتلال، ووجد نفسه عائدا إلى غزة مدمرة، بلا مأوى ولا مال ولا أمل.
اليوم، يعمل أنس في رفع الأنقاض بين الأحياء المهدمة مقابل أجر يومي لا يتجاوز 50 شيكلا لا تكفي لإعداد طبق سلطة 'أشتغل من الفجر للمغرب، وأرجع بأجر ما بيكفي لتوفير أدنى احتياجات عائلتي'، يقول بينما يحمل سطل حجارة إلى شاحنة صغيرة 'بس مضطر، لأنه ما في بديل، وما بدي أشوف أمي تستلف من الجيران'.
يسكن أنس مع أسرته في غرفة واحدة داخل مدرسة تحوّلت إلى مأوى للنازحين. لا خصوصية ولا كهرباء ولا ماء منتظم. ينام على بطانية رقيقة فوق بلاط بارد، ويستيقظ كل يوم ليبحث عن فرصة مؤقتة جديدة.
'أنا ما بدي صدقة، ولا بدي مساعدات. بدي حقي. بدي أشتغل بكرامة. بدي أرجع أعيش زي ما كنت'، يقول أنس بنبرة حاسمة، ثم يتنهد ويواصل رفع الأنقاض، كأنما يحاول انتشال نفسه من تحتها.
حافة الانهيار التام
ويقول سامي العمصي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، إن أوضاع العمال في قطاع غزة وصلت إلى حافة الانهيار التام، بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر والحصار الخانق، مشيرًا إلى أن معدل البطالة تجاوز 75%، بينما بلغت نسبة الفقر أكثر من 90%، في ظل تدمير واسع للبنية التحتية والمنشآت الاقتصادية.
وأوضح العمصي لـ 'فلسطين أون لاين' أن نحو 95% من المنشآت الاقتصادية توقفت عن العمل، بما في ذلك القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعات التحويلية، نتيجة تدمير المصانع وتعطّل سلاسل التوريد ونقص المواد الخام، ما أدى إلى فقدان آلاف العمال لمصادر رزقهم.
وأضاف أن قطاع البناء – وهو من أهم القطاعات المشغلة للعمال – توقف كليا، فيما ساهم إغلاق المعابر ومنع دخول العمال إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في تعميق الأزمة. كما حُرم الصيادون، وعددهم قرابة 4500، من النزول إلى البحر، وتعرض قطاع الزراعة الذي يضم حوالي 5500 مزارع لتجريف ممنهج للأراضي.
وأكد العمصي أن غياب عملية إعادة إعمار حقيقية واستمرار الحصار يزيدان من تعقيد المشهد الاقتصادي في القطاع، داعيا إلى تدخل دولي عاجل لتوفير دعم مالي وإنساني، وإطلاق مشاريع تطويرية تساهم في إعادة دمج العمال في سوق العمل. كما شدد على ضرورة وضع خطط استراتيجية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها ركيزة أساسية لاستقرار الأسر الفلسطينية في غزة.