اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١١ أب ٢٠٢٥
يعاني قطاع غزة أزمة اقتصادية وإنسانية غير مسبوقة، تفاقمت بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما تسبب بنقص حاد في البضائع الأساسية، وتفشي المجاعة، وأزمة سيولة نقدية خانقة.
اختفاء العملات المعدنية، اهتراء النقود الورقية، ورفض العديد من التجار التعامل بها، دفع المواطنين والتجار نحو الدفع الإلكتروني كبديل حيوي لتسهيل المعاملات التجارية.
في ظل الظروف القاسية، اضطر أهالي غزة للتكيف مع الدفع الإلكتروني، لكن التجارب تعكس مزيجًا من التفاؤل الحذر والتحديات.
يقول محمد سالم، تاجر مواد غذائية في سوق الصحابة الشعبي: 'قبل الحرب، كان الدفع الإلكتروني نادرًا، لكن الآن أصبح ضرورة. اختفاء النقود المعدنية واهتراء الورقية دفعا الزبائن للاعتماد على التطبيقات. انخفاض عمولة السحب النقدي ساعد في تقليل الخسائر، لكن بعض الزبائن يصرون على النقد، مما يعقد الأمور.'
فيما تقول سعاد حميد موظفة حكومية : 'التعامل مع المحافظ الإلكترونية كان صعبًا في البداية بسبب ضعف الإنترنت وقلة الخبرة. الآن أصبح أكثر سهولة وأمانًا، ووفر عليّ عناء البحث عن نقود، خاصة مع رفض التجار للعملات المهترئة.'
فيما يقول أحمد الزين، صاحب محل ملابس: 'بعض التجار يرفضون الدفع الإلكتروني خوفًا من العمولات أو التعقيدات. فروق الأسعار بين النقدي والإلكتروني ترهق المواطن. نحتاج توحيد الأسعار وتسهيل النظام.'
يقول المختص الاقتصادي، أحمد أبو قمر في حديثه لصحيفة 'فلسطين': 'الدفع الإلكتروني بات الحل الأساسي لأزمة السيولة في غزة، إلى جانب إدخال النقد دون الحاجة للتعامل مع الاحتلال لتأمينه. هو بديل فعال لتخفيف الأزمة، حيث انخفضت عمولة السحب النقدي، أو 'التكييش'، من 50% إلى حوالي 25%، وهذا الانخفاض يتزايد مع استمرار ضخ البضائع التجارية وقبول التجار للدفع الإلكتروني عبر التطبيقات'.
ويلفت إلى أن أزمة السيولة في طريقها للحل، بشرط استمرار إدخال كميات كبيرة من البضائع دون معيقات، وقبول التجار المستوردين للدفع الإلكتروني. قرار الاحتلال الاسرائيلي بالسماح بالدفع الإلكتروني يشير إلى انفراج، لكنه يستخدمه لمراقبة حركة الأموال.'
ويوضح أبو قمر أن استقرار الأسعار لا يرتبط مباشرة بالدفع الإلكتروني، بل بحجم البضائع التي يسمح الاحتلال بإدخالها. زيادة ضخ البضائع تؤدي إلى انخفاض الأسعار واستقرار نسبي، بينما تقييد الإمدادات يرفع الأسعار. هذا التذبذب متوقع في ظل الحرب. لكن الدفع الإلكتروني يقلل التضخم النقدي بشكل كبير، حيث كان المواطن يخسر نصف أمواله للحصول على النقد، والآن يحمي أمواله من الخسارة غير المبررة.'
ويستند إلى تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة النقد (2024)، الذي أشار إلى انخفاض حجم تداول الشيكات بنسبة 29% (من 24 مليار دولار في 2023 إلى 17 مليار دولار حتى أكتوبر 2024)، مع ارتفاع نسبة الشيكات الراجعة من 6% إلى 8%، مما يعكس نقص السيولة النقدية.
ويضيف: 'نقص النقد زاد الحركة التجارية عبر الدفع الإلكتروني. رغم ضعف القدرة الشرائية، نشهد نشاطًا نسبيًا مقارنة بالأسابيع السابقة، حيث كانت العمليات التجارية تتوقف بسبب عدم قدرة المواطنين على سحب الأموال أو رفض التجار للعملات المهترئة.'
ويبين أبو قمر أن الدفع الإلكتروني غيّر سلوك المستهلكين والتجار. الحرب، رغم ضررها، فرضت هذا النظام، مما عزز الشمول المالي الذي يقلل من حمل النقد، ويعزز الاقتصاد المنظم بعيدًا عن السوق السوداء. لكن في الحالة الفلسطينية، الاحتلال يستفيد من مراقبة حركة الأموال لتحديد ما يزعم أنها 'نشاطات غير مشروعة'، مما يشكل تحديًا.'
وعن التحديات، يقول: 'أبرز التحديات هي غياب بنية تحتية تكنولوجية سليمة. الإنترنت والشبكات مدمرة، والتحويلات تواجه صعوبات، خاصة مع انقطاع الإنترنت كما حدث قبل شهر. نقص التوعية المالية، وهو تقصير من سلطة النقد، أدى إلى عمليات نصب واحتيال بسبب اختلاف الثقافة المالية. مخاطر اختراق الحسابات تتطلب إجراءات أمنية مشددة من البنوك. تحول البنوك إلى التحقق عبر الكود بدلاً من البصمة خطوة ضرورية لحماية الأموال، رغم شكاوى المواطنين.'
ويحذر أن المخاطر الاقتصادية والأمنية كبيرة بسبب عدم استقرار الاقتصاد واستهدافه من قبل (إسرائيل). تجفيف الحسابات، كما حدث مع الجمعيات الخيرية، خطر دائم. الدعاوى القضائية ضد بنوك مثل البنك العربي تسببت بخسائر كبيرة بسبب اتهامات بتحويلات 'غير شرعية'.
للمواطن العادي، المخاطر تتركز في القرصنة والاحتيال. الرقم السري شخصي ولا يطلبه أحد، حتى موظفو البنك. عمليات النصب عبر الواتساب ومواقع التواصل تنفذها شبكات منظمة، لذا يجب الحذر الشديد.'
ويضيف المختص الاقتصادي: 'الدفع الإلكتروني سيبقى جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الغزي بعد الحرب. العالم يتجه نحو الدفع الإلكتروني، وسلطة النقد فشلت في تعزيزه قبل الحرب، لكن الحرب أجبرت المواطنين على تبنيه. رغم استغلال بعض البنوك وغياب رقابة سلطة النقد، يحسب لبعض البنوك استمرارها في تقديم المحافظ الإلكترونية.'
ويختتم: 'البنوك يجب أن توفر بيئة آمنة للمحافظ الإلكترونية وترفع سقوف التحويلات، كما مع محفظة باي بال. الحكومة يجب أن تروج للدفع الإلكتروني بسعر موحد دون زيادة عن النقدي، لأن وجود سعرين يرهق المواطن. الغرف التجارية يجب أن تحث التجار على قبول الدفع الإلكتروني بنفس السعر لإنهاء الاستغلال واستنزاف مدخرات المواطنين.'