اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٢ أيار ٢٠٢٥
{ *فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* } الأنعام42
غزة تصبر رغم الألم، وتنتصر رغم القهر، لأنها تعرف أن القلب الذي يصبر لله لا يخسر أبدًا، وأن كل دمعة تسكبها أرضها الطاهرة هي وعد بانتصار قريب، حيث يشرق النور من رحم العتمة، ويُكتب المجد على صفحات الصبر والإيمان.
غزة تموت حقًا في إبادة وتطهير عرقي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وهو ابتلاء يكون بالرخاء والشدة (وَأَمْرُ الْمُؤْمِنِ كُلُّهُ لَهُ خَيْرٌ). والرخاء للظالمين القتلة من عصابات الإبادة استدراجًا { أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } الأنعام 44 { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ } الأنعام 45.
أما القتلة من عصابات الإبادة والتطهير العرقي { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلَادِ } آل عمران 196، حيث يحيك في قلوب أهل غزة الأغرَّة أن عصابات الإبادة يتقلبون بين العواصم ويزيدهم طغيانًا، ولكنه ليس الختام { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } آل عمران 197، ولا سواء فالصابرين لهم العقبى بالاستخلاف في الدنيا { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } البقرة 25 { وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ } آل عمران 198.
وأهل غزة الصبر فدعاؤهم { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } البقرة 250. أمام هذا الصبر الأسطوري ينتصر الحق بانتصار على الألم، ومصدره العزة والجلال بالثبات على الحق { لَا تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ } الأنفال 27. الصبر على الحق والمحرقة، وقلة الناصر والمعين، ووساوس الشيطان وانتفاس الباطل، يدرك كل ذلك أهلنا في غزة على طريق الصبر، وهي كذلك مصابرة بألا ينفذ الصبر { اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } آل عمران 200، وهو أيضًا رباط في مواقع الجهاد والثغور. وغزة كلها ثغر رباط متقدم والعاقبة { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } البقرة 189. فهذا وعد الله وبشارته عقب الالتزام بالصبر.
الله تبارك وتعالى لا يعد الصابرين بالنصر والتمكين ولا حتى بهزيمة عصابات الإبادة، وكان ذلك في آيات أخرى، ولكنه وعدهم مما عند الله وهو الأصل، وانتظار كل شيء هناك في الآخرة. وفي بغية الأنصار قالوا: ماذا لنا؟ قال: الجنة. قالوا: 'ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل'. والتمكين واقع لكنه ليس جزءًا من الصفقة، فهي متضمنة وليست جزءًا منها، فهي أقل من ذكرها. وعليهم التجرد الكامل لله تعالى { أَخَذْنَاهُمْ بِالْبَاسَاء وَالضَّرَّاء }.
أما غزة الصبر الأسطوري والملحمة الخالدة، فإنها تعلم أنه ابتلاء { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } العنكبوت 2. وفي مواجهة الابتلاء يعتصمون بالصبر { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللّهِ } النحل 127، رغم شدة الابتلاء وتعدد أشكاله { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } البقرة 155. فنحن في غزة ملك لله تعالى وما يصيبنا واقع { نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } الأنبياء 35، والأنبياء أشد ابتلاءً.
وفي مواجهة الابتلاء تعتصم غزة بالله صبرًا وصلاة { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ } البقرة 45، ونطمئن لها قدر الله ومعيته. إن الصبر ارتباط به وأمره، والعاقبة للصابرين على طريق الأنبياء { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ } يوسف 18.
والله العليم الحكيم يدرك حقيقة القلوب دون ابتلاء، ولكن الله العدل لا يحاسب إلا بحقيقة العمل، فكانت محرقة غزة تدريبًا عمليًا للصبر الجميل. ويقينًا أن انتصار الإيمان والحق مكفول، وإن أبْطَأ فلحكمةٍ وحسب مختارون (فأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل). 'يُبْتَلَى الرَّجُلُ حَسَبَ دِينِهِ.'