اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٧ شباط ٢٠٢٥
يقف محمود أبو عودة (45 عامًا) داخل منزله المدمر جزئيًا في غزة، ينظر إلى غرفتين بلا أبواب أو نوافذ، تحاصره الرمال والغبار، فيما تحاول زوجته تهدئة أطفالهما الثلاثة وحمايتهم من البرد. منذ أسابيع، يبحث أبو عودة عن وسيلة لإغلاق الغرفتين باستخدام النايلون والأخشاب، ليحمي أسرته من البرد والمطر، لكن ارتفاع أسعار الخشب جعل مسعاه شبه مستحيل.
'سعر لوح الخشب الواحد بطول 2.5 متر وصل إلى 50 شيقلًا، وأنا بحاجة إلى ثمانية ألواح، أي أنني بحاجة إلى 400 شيقل، وهو مبلغ لا أملكه'، يقول أبو عودة لـ'فلسطين'، وهو يمسك بورقة مكتوب فيها احتياجاته، بينما يتنقل بين ورش النجارة ومحلات بيع مواد البناء بحثًا عن بدائل أرخص.
قبل الحرب، كان الرجل يعمل في محل لبيع الأدوات المنزلية، لكن المحل دُمر بالكامل، ومعه فقد مصدر رزقه. اليوم، يعتمد على المساعدات الغذائية التي تصله بين الحين والآخر، لكنه لا يملك أي دخل لتوفير متطلبات الترميم البسيط لمنزله.
'كل ما أريده هو بعض الأخشاب لأغلق الغرفتين وأحمي أطفالي. حاولت البحث عن خشب مستعمل أو بقايا ألواح من الورش، لكن الطلب عليها مرتفع، والأسعار تفوق قدرتي'، يضيف أبو عودة، بينما يقلب يديه الفارغتين.
ورغم محاولاته، لا تزال الغرفتان مكشوفتين، يلفهما البرد والرطوبة، بينما تزداد مخاوف أبو عودة مع اقتراب فصل الشتاء. 'لا خيار أمامي سوى الانتظار، أو أن أجد شخصًا يساعدني ببعض الألواح، وإلا سأضطر لاستخدام أي شيء متوفر، حتى لو كان مجرد كرتون أو قماش'، يختم أبو عودة حديثه، فيما يلتفت إلى زوجته التي تحاول وضع قطع من النايلون فوق النوافذ المفتوحة، في محاولة يائسة لصد الرياح.
في غزة، حيث الدمار يحاصر آلاف العائلات، تحول ترميم المنازل المتضررة إلى معاناة يومية تثقل كاهل السكان. مع الارتفاع الحاد في أسعار مواد البناء، باتت أبسط الإصلاحات، مثل تغطية النوافذ المكسورة أو إغلاق الغرف المكشوفة، تحديًا يفوق قدرة الكثيرين.
ويعد الخشب من أكثر المواد التي ارتفعت أسعارها، ما جعل تأمينه لإعادة تأهيل المنازل أمرًا صعبًا، خاصة لمن فقدوا مصادر دخلهم بسبب الحرب. وسط هذه الظروف، يجد السكان أنفسهم مضطرين للبحث عن بدائل بدائية، في محاولة لحماية أسرهم من برد الشتاء وتقلبات الطقس.
'رُكام البيت.. وعبء الغياب'
في حي الزيتون شرق غزة، تقف سميرة الحجار (38 عامًا) على أطلال منزلها الذي دمره القصف. عيناها تراقبان الجدران المتصدعة والسقف الذي كاد ينهار، بينما تحتضن طفلها الصغير، الذي لم يفهم بعد معنى أن يصبح يتيمًا.
منذ استشهاد زوجها إبراهيم في الأيام الأولى للحرب، وجدت نفسها وحيدة في مواجهة الحياة، تحاول تأمين مأوى لأطفالها الاثنين، لكن كل الطرق تبدو مغلقة أمامها.
'كل ما أريده هو إصلاح غرفة واحدة لأحتمي بها مع أطفالي'، تقول الحجار لـ'فلسطين' بصوت متعب وهي تشير إلى زاوية المنزل التي كانت ذات يوم غرفة المعيشة.
اليوم، لم يبقَ منها سوى أعمدة إسمنتية مكشوفة، ونوافذ بلا زجاج، وباب مخلوع بفعل القصف. فكرت الحجار في تغطيتها بالأخشاب والنايلون، لكنها سرعان ما اصطدمت بالواقع: سعر لوح الخشب الواحد ارتفع إلى 50 شيقلًا، وهي بحاجة إلى 10 ألواح على الأقل، أي 500 شيقل، وهو مبلغ لا يمكنها تدبيره.
بعد استشهاد زوجها، لم تجد مصدر دخل يعينها على تحمل هذه التكاليف. كانت تعتمد على بعض المساعدات الغذائية التي تصل متقطعة، لكنها بالكاد تكفي لإطعام أطفالها.
لجأت الحجار إلى المؤسسات الدولية، تقدمت بطلبات للمساعدة في الترميم، لكنها لم تتلقَّ أي رد. 'وكأننا لسنا موجودين.. لا أحد يسمعنا'، تهمس بحزن وهي تمسح التراب عن صورة زوجها التي انتشلتها من بين الأنقاض.
مع ازدياد الحديث عن اقتراب منخفض جوي عميق إلى المنطقة، تتزايد مخاوف الحجار. المطر يتسرب من السقف، والبرد ينخر أجساد أطفالها في الليل. حاولت جمع بقايا خشب من المنازل المهدمة، لكن القليل الذي وجدته لم يكن كافيًا. 'لم أعد أطلب الكثير.. فقط سقف يحمينا من المطر، وأربعة جدران تحمينا من البرد'، تقول الحجار بنبرة يائسة، بينما يركض طفلها الأكبر نحوها ممسكًا بقطعة خشب مهشمة، وكأنه وجد كنزًا.
في حي الزيتون، حيث كل بيت له حكاية مع الألم، تظل الحجار عالقة بين فقدان زوجها وعدم قدرتها على تأمين أبسط حقوقها.. بيت يؤويها وأطفالها، في مدينة تنهشها الحرب وغلاء الأسعار والتجاهل الدولي.
تحديات هائلة
تواجه غزة تحديات هائلة في جهود إعادة الإعمار بعد الدمار الواسع الذي خلفته الحرب الأخيرة. تشير التقديرات الأولية إلى أن تكلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى 80 مليار دولار، مع حاجة ملحة لإزالة الركام والأنقاض بتكلفة تقارب مليار دولار. هذه العملية معقدة بسبب الكميات الهائلة من الركام والتحديات الأمنية والبيئية المرتبطة بها.
في ظل هذه الظروف، يعاني العديد من السكان من نقص في المأوى، حيث دُمرت منازلهم بالكامل. يعيش البعض في مراكز إيواء أو خيام تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية، مما يزيد من معاناتهم اليومية.
من جانب آخر، اتهمت حركة حماس الاحتلال الإسرائيلي بالتلكؤ في تنفيذ مسار الإغاثة والإعمار وفق اتفاق وقف إطلاق النار، مما يعرقل الجهود المبذولة لتحسين الوضع الإنساني في القطاع.
على الصعيد السياسي، تتواصل النقاشات حول مستقبل حكم غزة بعد انتهاء الحرب، مع طرح عدة خيارات تتعلق بإدارة القطاع.
بالإضافة إلى ذلك، أعرب عدد من وزراء الخارجية العرب عن رفضهم القاطع لمقترحات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، مؤكدين على ضرورة إشراك الفلسطينيين في جهود إعادة الإعمار.
في ظل هذه التحديات، تظل عملية إعادة الإعمار في غزة مهمة شاقة تتطلب تنسيقًا دوليًا وجهودًا مشتركة لضمان توفير الموارد اللازمة والتغلب على العقبات القائمة.