اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣ كانون الأول ٢٠٢٥
في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، تتجلى ملامح الكارثة يوميًا. ففي الشارع الواقع غرب جامعة القدس المفتوحة شمال المخيم، يقول المواطن سائد رضوان إنه بات عاجزًا عن النوم بسبب الروائح الخانقة المنبعثة من مياه الصرف الصحي التي تغمر الشارع باستمرار.
ويضيف لـ 'فلسطين أون لاين': 'الرائحة لا تُطاق. تواصلت مع البلدية أكثر من مرة، فيأتون فيحاولون الإصلاح، لكن بعد يومين فقط تعود مياه المجاري لتغمر المكان. الأطفال لم يعودوا قادرين على الخروج من البيوت، والشارع أصبح بركة آسنة'.
أما المواطن شريف أبو شوارب من الشارع المؤدي إلى دوار القوقا، فيصف منطقته بأنها 'الأسوأ في المخيم'، موضحًا أن الركام الناتج عن القصف اختلط بالنفايات ومياه الصرف الصحي ليشكّل ممرًا بالغ التلوث. ويقول: 'حين تهطل الأمطار، لا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة. يتحول الشارع إلى مستنقع كامل… لا سيارات، ولا مشاة، ولا حياة'.
وفي شارع السوق وسط المخيم، يؤكد المواطن محمد سالم أن الشارع خضع لإصلاحات متكررة، لكنها لم تصمد بسبب الدمار الكبير تحت الأرض، مضيفًا: 'البنية التحتية مدمّرة بالكامل. ما إن يُصلحوه يومًا حتى يغرق في اليوم التالي. مياه المجاري والنفايات صارت مرتعًا للبعوض والأمراض… الوضع أصبح لا يُحتمل'.
كارثة صحية وبيئية وشيكة
الأزمات المتداخلة في المياه والصرف الصحي والنفايات، إلى جانب الدمار الواسع في البنية التحتية والتحذيرات الأممية وشهادات السكان، ترسم صورة قاتمة لمستقبل مخيم الشاطئ وقطاع غزة عمومًا إذا لم يتم التدخل العاجل. فمع تزايد تراكم النفايات، وطفح مياه المجاري، وانخفاض كميات المياه الصالحة للشرب، تتصاعد المخاطر الصحية والبيئية على أكثر من مليوني إنسان يعيشون اليوم على حافة الكارثة.
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وإغلاق المعابر ومنع إدخال الوقود والمعدات، تتفاقم أزمة الصرف الصحي والنفايات في قطاع غزة بصورة غير مسبوقة، وسط تحذيرات متصاعدة من المؤسسات المحلية والدولية. وفي مخيم الشاطئ تحديدًا، تتجسد الكارثة بأوضح صورها، حيث تغرق الشوارع في مياه الصرف الصحي، وتحاصر النفايات خيام النازحين، فيما تتزايد المخاوف من تفشي الأمراض في ظل غياب أبسط مقومات الصحة العامة.
بلدية غزة: المنظومة 'منكوبة'
وأكدت بلدية غزة أن منظومة الصرف الصحي في المدينة باتت 'منكوبة ومعطلة بالكامل'، مشيرة إلى أن تدمير البنية التحتية وغياب المعدات والمواد اللازمة أدّيا إلى توقف شبه كامل في أعمال الصيانة.
وقال حسني مهنا، المتحدث باسم البلدية، لـ 'فلسطين أون لاين'، إن أكثر من 185 ألف متر طولي من خطوط الصرف الصحي دُمّروا، وهو ما يشكّل نحو ثلث الشبكة الأساسية في المدينة، إضافة إلى انسداد قرابة 5 آلاف منهل بفعل الركام والرمال.
وأشار إلى أن ثماني محطات لضخ المياه العادمة تعرضت لأضرار جسيمة، بينها ثلاث محطات دُمّرت بالكامل وخمس تضررت جزئيًا، فيما أصيبت محطة المعالجة في الشيخ عجلين بأضرار بالغة إلى جانب الخطوط الناقلة إليها.
وأكد أن طواقم البلدية تعمل بنسبة لا تتجاوز 50% من طاقتها، محذرًا من أن ارتفاع درجات الحرارة واستمرار إغلاق المعابر قد يؤديان إلى تفشي أمراض خطيرة لا يمكن التنبؤ بحجمها.
كما كشف أن الاحتلال دمّر 133 من آليات البلدية والقطاع الخاص اللازمة لجمع النفايات وأعمال الطرق والصرف الصحي، من أصل 180 آلية كانت تعمل قبل الحرب، ما ضاعف من عجز البلدية عن تقديم خدماتها.
ورغم ذلك، شدد مهنا على أن البلدية قادرة على معالجة أزمة الصرف الصحي والنفايات خلال فترة تتراوح بين 3 و4 أشهر في حال سُمح بإدخال المعدات ومواد الصيانة اللازمة.
سلطة المياه: غزة تموت عطشًا
من جهتها، وصفت سلطة المياه الفلسطينية الوضع في قطاع غزة بأنه 'كارثة إنسانية وشيكة'، مؤكدة في بيان لها أن غزة 'تموت عطشًا' نتيجة تدمير 85% من منشآت المياه والصرف الصحي، وانخفاض كميات استخراج المياه بنسبة وصلت إلى 80%.
وأشارت إلى أن متوسط استهلاك الفرد انخفض إلى ما بين 3 و5 لترات يوميًا فقط، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.
وحذّرت من أن تصريف المياه العادمة في الشوارع وامتلاء برك الأمطار بمياه المجاري يهددان بتفشي أوبئة خطيرة، خاصة في ظل اضطرار السكان لاستخدام مياه مالحة وغير صالحة للشرب.
وأكدت أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، مطالبة بتدخل دولي فوري لوقف العدوان ورفع الحصار، وحماية الطواقم الفنية، والسماح بإدخال المواد والمعدات اللازمة.
تحذيرات أممية
وفي السياق ذاته، قال أليساندرو مراكيتش، رئيس مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في غزة، إن 'حجم مشكلة النفايات في غزة هائل'، موضحًا أن مدافن النفايات كانت ممتلئة أصلًا قبل الحرب، وأن ثلاثة من أهم المكبات تقع حاليًا داخل مناطق محظورة قرب الحدود.
وأضاف أن قطاع غزة يواجه وجود نحو مليوني طن من النفايات غير المعالجة المنتشرة في مختلف المناطق، محذرًا من مخاطر جسيمة على البيئة والمياه الجوفية وصحة السكان.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة تعمل على دراسة حلول طويلة الأمد، من بينها إنشاء مصانع لتحويل النفايات إلى طاقة، لكنه شدد على أن نجاح أي خطة مرتبط بإدخال الآليات والمعدات بشكل عاجل.
ورغم كل هذا السواد، لا يزال سكان غزة يتمسكون بخيط رفيع من الأمل؛ أمل بأن تُفتح المعابر، وأن تدخل المعدات، وأن تستعيد المدينة حقها في التنفس.

























































