المرأة الفلسطينية في عين العاصفة.. صمودٌ يتكئ على الجراح

في جغرافيا تغلي بالقصف والتشريد، لا تمر الحرب على المرأة الفلسطينية مرور العابر، بل تستقر في تفاصيل يومها، في قلبها، وذاكرتها.

هي ليست مجرد ضحية لحرب شرسة، بل هي مقاومة بصمت، أمّ تُهدئ رعب أطفالها تحت القصف، معيلة تُدبر شؤون بيت بلا دخل، معالجة نفسية بالفطرة لأهلها، وناجية تنزف بصمت.

الحرب هنا لا تعني فقط ركام البيوت، بل فوضى في الداخل أيضًا، حيث تتصدع النفوس دون أن يُسمع لها أنين.

أولًا: أدوار متقاطعة على خط النار

لا تؤدي المرأة الفلسطينية خلال الحرب دورًا واحدًا يمكن حصره، بل تتعدد أدوارها بشكل متزامن ومكثف:

كأمّ: تتعامل مع فزع الأطفال، تشرح لهم الموت بطريقة لا تخيفهم أكثر.

كزوجة أو أخت: تحتضن من فقد عضواً أو أخاً أو بيتاً.

كناجية: تنقذ الآخرين وتخفي جرحها الداخلي.

كمعيلة: تواجه فقدان الدخل، وانهيار البنى الاقتصادية، وتضطر إلى تأمين الغذاء والماء في ظل القصف.

هذا التداخل يخلق ضغطًا نفسيًا هائلًا، يضاعف من وطأة الشعور بعدم الأمان، ويدفع المرأة إلى أقصى حدود التحمل دون فسحة للانهيار أو حتى التعبير عن ذلك.

ثانيًا: الصدمة النفسية كحالة ممتدة

النساء في مناطق النزاع، وفقًا لدراسات دولية، أكثر عرضة للإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، واضطرابات القلق المزمن والاكتئاب.

لكن في الحالة الفلسطينية، لا تتجلى الصدمة كحالة عابرة، بل كزمن ممتد يتخلل الحياة اليومية.

فقد أظهرت دراسة أُجريت في غزة بعد عدوان 2021 أن 73% من النساء المشاركات أظهرن مؤشرات نفسية دالة على اضطراب ما بعد الصدمة.

هذه الأرقام لا تكشف فقط عن عمق الألم، بل عن هشاشة البنى الداعمة وغياب المعالجة.

الصدمة هنا ليست لحظة، بل تراكمات من القصف، الفقد، التهجير، وذاكرة لا تمحي.

ثالثًا: فراغ الدعم النفسي... والعلاج بالصمت

رغم أن الحاجة إلى الدعم النفسي صارخة، إلا أن البنى الرسمية ما تزال عاجزة عن توفير منظومة نفسية شاملة.

ما يتوافر من دعم يأتي غالبًا عبر مبادرات متناثرة من مؤسسات أهلية أو دولية، لكنها محدودة الأثر في وجود الحصار والقيود السياسية.

في المقابل، تلجأ النساء إلى أساليب تعايش ذاتية: الصمت، الإيمان، الأعمال التطوعية، أو رعاية الآخرين.

ولعل أخطر ما في غياب الدعم هو أن الألم يتحول إلى “طبيعة حياة”، ما يؤدي إلى تطبيع الصدمة وتراكم آثارها دون معالجة.

رابعًا: الصمود كاستراتيجية نفسية

رغم المشهد القاتم، تبرز المرأة الفلسطينية بوصفها إحدى أبرز علامات الصمود في المجتمع.

ليست فقط ضحية، بل محورًا في عملية التعافي غير الرسمي. كثير من النساء أصبحن:

هذا النوع من الصمود لا يعني غياب الألم، بل القدرة على “تحويل الألم إلى طاقة فعل”، وعلى خلق التوازن في واقع مختل.

خامسًا: خريطة طريق نحو التعافي

لا يمكن الحديث عن تعافٍ مجتمعي دون تمكين النساء نفسيًا. ولتحقيق ذلك، لا بد من:

خاتمة: وجوه المقاومة التي لا تُرى

المرأة الفلسطينية ليست فقط من تنجو من الحرب، بل من تعلّم أطفالها كيف ينجون، وكيف يستمرون.

خلف كل بيت مهدوم، هناك امرأة تبني داخله خيمة أمل.

وخلف كل طفل مذعور، هناك أمّ تُخبئ خوفها وتصنع له قصة بطولية.

في زمنٍ صار فيه الألم جماعيًا، يجب أن يكون الاعتراف بمعاناة المرأة النفسية مدخلًا لإعادة بناء الإنسان.

فربما لا نوقف الحرب، لكننا نوقف امتدادها إلى داخل الأرواح.