اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة قدس الإخبارية
نشر بتاريخ: ١٥ أيلول ٢٠٢٥
بقراءة الفاتحة على أرواح زملائهم وصيحات إعلان استئناف الحياة التعليمية بين أروقة مدارسهم، استهل طلبة قطاع غزة عامهم الدراسي، إيذانا بأن بحر العطاء 'الغزاوي' لا ينضب، وأن الحياة التي يستحقونها رغم هجمات الدمار الإسرائيلي التي كانت تسقط على رؤوسهم هي بالفعل صناعة وطنية محلية لا تضاهيها أية صناعات تقليدية.
طفولة وئدت، وصروح نسفت، ومباني سوويت، لكن العزائم التي شهدناها بأعيننا في قلوب أطفال غزة إبان العدوان لم يمسها أي خدش ولو بقيد أنملة، فنشاهد ذلك الطفل يرسل ضحكاته المفعمة بالحب العزة دون قيد أو شرط، ونرى تلك الطفلة تحكي لصديقاتها في الفصل قصصا مما رأته عندما أصيبت هي وعائلتها في القصف الذي استهدف منزلهم، ويروي ذلك الفتى كيف أنه شاهد استشهاد عائلته أمام عينيه، كل هذه القصص يرويها أصحابها الطلاب بكل حذافيرها في أول يوم دراسي للعام الجديد بين جدران مدارسهم المدمرة وتحت أسقف ما باتت مؤهلة لردع زخات مطر شتاء.
أمس عاد هؤلاء الأطفال وقد اختلف كل شيء عهدوه، الفصل والمقاعد، والشوارع، واختلفوا هم أنفسهم عن آخر لقاء لهم ببعضهم، مدارس اختفت عن بكرة أبيها وأخرى كشفت سقوفها وجدرانها المتضررة بالقصف عن مشاهد الدمار الذي ألم بها.
جدران الفصول لم تعد كما كانت، فعلامات القصف غائرة فيها، تحكي لهؤلاء الأطفال فصول أيام 'العدوان' بعمق وتمنعهم من الاجتهاد من أجل النسيان.
أما مقاعد الفصول فليست أفضل حالا، فوحدها تحكي بعمق المأساة هناك، فشغور بعضها من رفقاء الأمس الذين أزهقت أرواحهم آلة القتل الإسرائيلية تتفطر لرؤيته القلوب، فكل شيء هنا يذكر بما كان بإلحاح.
وحتى الطريق إلى المدرسة تغيرت، فثمة بيوت متهاوية على أطرافها، وأكوام الدمار في كل مكان، وكثبان الحطام تبعث في كل مكان برائحة تفوح بالموت، وشعارات على جدران الشوارع تروي قصص موت أهاليهم وأقربائهم.
الطفل عرب شتيوي أصابته الدهشة من هول ما شاهد من دمار قد لحق بمدرسته ومكان اجتماعه بأصدقائه أيام الدراسة خلال الاستراحة، وليس هذا فحسب، بل ذهل عندما رأى زميله في الفصل جاء بواسطة كرسي متحرك إلى مدرسته وقد بترت ساقه، وآخر معصوب اليدين، وأخرى تملئ وجهها الاخاديد والحروق، كل هذا شاهده عرب قبل ان يجهش بالبكاء.
أما الطالب رامي البهو 11 عاما امتشق حقيبته المدرسية صباح أول يوم دراسي، وقد ملأها بما يلزم وما لا يلزم، متوجها إلى مدرسته، فساءه هول المشهد، البيوت ساقطة على شطآن الشوارع، والفصول غير الفصول، حتى الألعاب أصبحت غير الألعاب التي اعتاد ممارستها في باحة المدرسة مع أقرانه، فقد أصبح للموت والشهادة لعبة يلهو بها طلاب مدارس غزة في وقت فراغهم.
الطالبة لينا سرور ما إن وطئت قدمها باب مدرستها في خان يونس حتى بدأت بالبكاء الذي لا يتوقف، فقد وجدت فصلها الدراسي مدمرا، وزميلتها إسراء شهيدة، ومن بين صديقاتها من فقدت أمها أو أبيها أو أخيها وهو ما اضطر مدرسات الفصل إلى تحويل ذلك اليوم الدراسي إلى حصص ترفيهية.
كان طلاب غزة يتلهفون لالتقاط الفرحة التي اعتادوها في بداية كل عام دراسي، بعد إجازة كان من المفترض ان تكون مسلية، لكن أصوات القذائف وهدير الطائرات لا يزال يلمع في قلوبهم قبل آذانهم، وصور أقاربهم الشهداء والجرحى لم تفارق مخيلتهم، وعادوا اليوم إلى مكان عهدوا فيه الحب والعطاء، ليجدوه قاعا صفصفا كأنهم وسط زلزال، ليرسلو رسائل للعالم قبل المحتل، أن معاول البطش والطغيان لن يقتلع منهم إصرارهم على الحياة، لأنه زرع الله الذي لن تحصده يد البشر.