اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ أيلول ٢٠٢٥
'نخشى أن نكون الهنود الحمر في هذا العصر'... على قطعة بلاط بحرية صغيرة، خطّ الشاب أحمد الزهرانة من مخيم البريج وسط قطاع غزة هذه العبارة لزبونٍ طلبها من بين مجموعة عبارات عرضها أمام المارة.
يرى أحمد أن هذه العبارة تختصر وجع جيل كامل يعيش تحت نار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ عامين، في وقت يخشى فيه السكان أن يتكرر معهم ما جرى للهنود الحمر حين أُقيمت الولايات المتحدة على أنقاض وجودهم وذاكرتهم.
الزهارنة، خطاط عشريني، اعتاد قبل الحرب أن يزيّن جدران المدارس وقاعات الأفراح، ويستقبل العائدين من العمرة بلوحاته المزخرفة، لكن الحرب قلبت حياته رأسًا على عقب؛ فالجدران تهدمت، والاحتفالات صمتت، ولم يبقَ أمامه سوى أن يبحث عن نافذة أخرى يطل منها على الحياة.
اليوم، يفترش أحمد طاولة خشبية متواضعة على شارع رئيسي في مخيم النصيرات، تحيط به قطع البلاط وأصداف البحر، يحوّلها إلى لوحات فنية صغيرة يخط عليها كلمات وطنية واجتماعية ورومانسية، يختارها المارة أو يقترحها هو، محاولًا أن يقتنص لقمة العيش من قلب الحصار والدمار.
يقول أحمد بابتسامة يغلبها التعب لصحيفة 'فلسطين': 'أحاول أن أمارس مهنتي وأعيش منها. كل قطعة أنجزها أبيعها بما بين شيكل وشيكلين، وهو مبلغ بالكاد يسد رمق يومي، لكنه بالنسبة لي تمسك بالحياة وإصرار على صون ما تبقى من حلم'.
ليس بعيدًا عن المكان، يجلس الشاب عاطف حمد خلف طاولة صغيرة محمّلة بالكتب، بعضها ثقافي وأدبي، وبعضها مدرسي. هذه الكتب لم يجمعها من مكتبة أو متجر، بل أنقذها من بين أنقاض منزل عائلته الذي دمّرته الحرب، إذ كانت تعود لوالده القارئ الشغوف الذي ارتقى شهيدًا مع اثنين من إخوته.
قرر حمد أن يمنح لهذه الكتب حياة جديدة، فعرضها للبيع بثمن زهيد لعلها تفتح أمامه بابًا للرزق في زمن انقطعت فيه كل السبل. لكنه لم يكتفِ بذلك؛ فقد خصّص زاوية صغيرة للكتب المدرسية القديمة والمراجع الدراسية، يقصدها الطلاب الذين تعطلت مدارسهم بسبب الحرب، فيجدون فيها ما يساعدهم على المراجعة أو التحضير للدروس.
يقول حمد وهو يرتب الكتب بيديه: 'لم أرد لهذه الكتب أن تذهب مع الغبار، أردت أن تبقى نافعة. هي ذكرى والدي، وهي أيضًا وسيلتي للعيش'.
في زاوية شارع رئيسي داخل مخيم المغازي وسط قطاع غزة، يشعل الأخوان ياسين ومروان الدمياطي نارًا صغيرة على موقد ثابت، ليقدما المشروبات الساخنة للمارّين. قبل الحرب، كانا طالبين جامعيين، لكن القصف والحصار أوقف الدراسة وقطع عنهما سبل العيش، فكان لا بد من البحث عن وسيلة لتأمين لقمة العيش لأسرتهما.
يستقبل الأخوان المارة بالشاي والقهوة بأسعار رمزية، في مشهد يعكس التكيف مع ظروف الحرب والقدرة على الصمود. يقول ياسين بابتسامة يغلبها الإرهاق: 'الحياة توقفت أمامنا، لكننا لن نتوقف. إذا كانت الحرب تريد أن تسرق مستقبلنا، فسنعيد بناءه بأيدينا'.
ويعلق الخبير الاقتصادي محمد سكيك قائلاً: 'الحرب لم تدمّر المنازل والبنية التحتية فقط، بل أفرغت آلاف الأسر من أعمالها ومصادر رزقها التقليدية.
ومع ذلك، ما نراه اليوم من شباب وفتيات يحاولون ابتكار مشاريع صغيرة، من بيع المشروبات الساخنة إلى الكتب أو الأعمال الفنية، هو دليل حي على قدرة الإنسان الفلسطيني على التكيف والصمود. هؤلاء ليسوا مجرد باعة، بل هم نموذج للمرونة الاقتصادية في ظل الأزمات، وإثبات أن الحياة والإبداع يمكن أن يستمرا حتى في أصعب الظروف'.
وتُظهر الإحصاءات الرسمية أن أكثر من 80% من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر، فيما أغلقت الحرب آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وفقد عشرات الآلاف وظائفهم.

























































