اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
شكّلت قضية العمال في الضفة الغربية وقطاع غزة أحد أبرز مواطن الضعف في البنية الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية، إذ استغلّها الاحتلال الإسرائيلي طويلاً لتكون ورقة ضغط مؤثرة في معيشة آلاف الأسر.
فبعد السابع من أكتوبر 2023، أقدمت سلطات الاحتلال على منع العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الأراضي المحتلة، ما فاقم أزماتهم المعيشية وعمّق حالة الشلل الاقتصادي.
وفي الوقت نفسه، خلّفت الحرب دماراً واسعاً في المصانع والمنشآت الاقتصادية والبنية التحتية في قطاع غزة، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة وتراجع حاد في مؤشرات النمو والتنمية.
واليوم، ومع الحديث عن المرحلة الثانية من جهود إعادة الهدوء إلى قطاع غزة، عقب الاتفاق الذي جرى برعاية عربية ودولية، يؤكد مراقبون اقتصاديون أن إنعاش الاقتصاد الفلسطيني بات يتطلب رؤية شاملة تعيد بناء ما دُمّر، وتوفّر مقومات الصمود والاستقلال الاقتصادي بعيداً عن تحكّم الاحتلال وأدواته.
وصف رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، سامي العمصي، واقع العمال الفلسطينيين بأنه 'كارثي بكل المقاييس'، مؤكداً أن الظروف المعيشية للعمال بلغت مرحلة غير مسبوقة من التدهور والعجز.
وقال العمصي لصحيفة 'فلسطين' إن معاناة العمال تفاقمت على مدار العامين الماضيين، بعد أن انعدمت سبل الدخل لمختلف شرائحهم، ولا سيما أولئك الذين كانوا يعملون داخل الأراضي المحتلة. وأضاف أن هؤلاء العمال لم يمضِ على عودتهم إلى أماكن عملهم سوى فترة قصيرة بعد سنوات طويلة من البطالة والمعاناة، قبل أن تشنّ سلطات الاحتلال حربها الأخيرة، التي أسفرت عن اعتقال المئات منهم وقتل آخرين، وتعريضهم لأبشع أشكال الانتهاكات.
وأشار العمصي إلى أن تداعيات الحرب طالت كذلك عمال المياومة من السائقين والمزارعين والصيادين، الذين فقدوا أعمالهم ومصادر رزقهم بالكامل، في وقت يواجه فيه عمال القطاع الخاص أزمات خانقة نتيجة تدمير المنشآت الصناعية والتجارية وتعطّل الدورة الاقتصادية.
ولفت نقيب العمال إلى أن أزمة السيولة المالية وندرة العملة الصعبة زادتا من حدة المعاناة، حيث يتلقى الموظفون والعمال رواتبهم على دفعات مجزأة وغير منتظمة، مما فاقم حالة الفقر والعجز داخل المجتمع.
وختم العمصي بتأكيده على ضرورة أن تتصدر قضية العمال أولويات المرحلة المقبلة، داعياً المؤسسات العربية والدولية إلى التحرك العاجل لدعمهم عبر مشاريع تنموية وتشغيلية حقيقية تضمن لهم حياة كريمة وتعيد بناء ما دمّرته الحرب، مع حفظ حقوقهم وصون كرامتهم الإنسانية.
آلاف الأسر بلا دخل
من جهته، بيّن الناشط معروف الرفاعي من الضفة المحتلة أنه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، يعيش مئات آلاف العمال الفلسطينيين الذين كانوا يعملون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 مأساةً إنسانية واقتصادية غير مسبوقة، فقد أغلقت سلطات الاحتلال أبواب العمل في وجوههم وسحبت تصاريحهم، لتتحول حياة آلاف الأسر الفلسطينية إلى دوامة من الفقر والعوز، بعدما كانوا يشكّلون شرياناً اقتصادياً رئيسياً لعائلاتهم وللاقتصاد الوطني على حدّ سواء.
وأوضح الرفاعي لـ'فلسطين' أن نحو 180 ألف عامل فلسطيني كانوا يعملون في مجالات البناء والزراعة والخدمات في الداخل المحتل، ويتقاضى معظمهم أجوراً تتجاوز ضعف أو ثلاثة أضعاف متوسط دخل العامل في الضفة الغربية. ومع فقدانهم لتلك الوظائف، خسروا مصدر رزقهم الوحيد، ما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية لعائلاتهم التي تعتمد عليهم بالكامل.
وأضاف أن مظاهر التغيير باتت واضحة في المدن والقرى الفلسطينية: أسواق فارغة، عائلات عاجزة عن سداد القروض، وأطفال يذهبون إلى المدارس دون مصروف يومي، فيما تكافح الأمهات لتأمين الحد الأدنى من الطعام.
وأشار إلى أن اليأس دفع كثيرين إلى المخاطرة بحياتهم في محاولات دخول 'إسرائيل' عبر الفتحات في جدار الفصل العنصري أو القفز فوقه في مناطق مثل الرام وشمال غرب القدس. وقد تحولت تلك المحاولات إلى مشاهد مأساوية، إذ استُشهد العشرات برصاص جيش الاحتلال خلال محاولاتهم العبور، فيما أُصيب آخرون بجروح خطيرة أو اعتُقلوا وتعرّضوا للملاحقة كما لو كانوا مجرمين.
وبيّن الرفاعي أن العمال الذين نجحوا في الوصول إلى أماكن عملهم يضطرون للاختباء في مواقع البناء أو المبيت في ظروف قاسية خوفاً من الاعتقال، بعدما شنّ الوزير المتطرف إيتمار بن غفير حملة عنصرية شرسة ضدهم، وصلت حد إصدار أوامر باعتبار العمال الفلسطينيين 'إرهابيين'، ومنح قواته الضوء الأخضر لإطلاق النار عليهم بحجة 'منع التسلل'.
وأضاف أنه أمام هذا الواقع القاتم، تبرز تساؤلات حادة حول دور السلطة الفلسطينية في توفير حلول اقتصادية طارئة لهؤلاء العمال، متسائلاً: أين هي مشاريع التشغيل التي وُعد بها المواطنون؟ وأين اختفت المدن الصناعية والعناقيد الاقتصادية التي تحدثت عنها الحكومات المتعاقبة في أريحا وشمال الضفة وجنوبها؟
وأكد أن السلطة لم تقدّم حتى اليوم خططاً واضحة أو مشاريع إنتاجية قادرة على استيعاب هذا الكم الهائل من الأيدي العاملة التي تمتلك مهارات وخبرات تراكمت عبر عقود في مجالات البناء والصناعة والزراعة والخدمات.
وتساءل الرفاعي: لماذا لا تتدخل الدول العربية والإسلامية الغنية لاحتضان هذه الطاقات البشرية؟ أليس من الممكن فتح مشاريع صناعية أو استثمارية في الضفة الغربية تستوعب جزءاً من هؤلاء العمال؟ أو حتى استقدامهم مؤقتاً إلى دول الخليج والدول العربية التي تعاني نقصاً في الأيدي العاملة المؤهلة في مجالات البناء والتشييد والصيانة؟
واختتم حديثه بالتأكيد على أن العمال لا يحتاجون إلى صدقة، بل إلى فرصة عمل تحفظ كرامتهم وكرامة أسرهم.