بينيت على خطى نتنياهو: ترسيخ الاحتلال وصولاً إلى «الدولة الواحدة»

بقلم: الوف بن

ما الذي كان لدينا في مقابلات العيد التي أُجريت مع بينيت؟ تحدث رئيس حكومة بتهذيب مع من أجروا المقابلات معه، وتحدث بحذر كي لا يغضبهم ويغضب المشاهدين في البيوت، وأعطى بسخاء الفضل لوزرائه وشركائه في الائتلاف. ما يمكن قوله هو تجسيد التغيير. يصعب تصديق أن المذيع المهذب، الذي قرأ صفحات الرسائل والذي برز على شاشات تلفاز التيار العام، هو بينيت الذي ذات يوم تنافس مع بنيامين نتنياهو على صياغة شعارات قابلة للاستيعاب. أين هي أيام 'لنتوقف عن الاعتذار'، و'يخافون من النائب العام أكثر من السنوار'، و'بينيت سينتصر على حماس'، وبالطبع الضربة التي أوصلته الى السلطة 'كيف ننتصر على الوباء'.

الآن بينيت في السلطة، والشخصية المقاتلة التي عرضها في حملاته تختبئ في الدرج من اجل استخدامها في المستقبل. بدلاً من تلك الشخصية هو يتقمّص شخصية المناوئ لبيبي – يمكننا تخيل أنه في محادثات الإعداد للمقابلات بمناسبة مرور مئة يوم على وجوده في السلطة، فان بينيت ومستشاريه شاهدوا الكثير من مقابلات نتنياهو، وحفظوا ما يجب عليه أن لا يفعله. ولكن مثلما كانت فورات نتنياهو في التلفاز أسطراً من الحوارات المعدة مسبقا وليست تعبيرا عن مشاعر عفوية، هكذا كانت أيضاً الصورة الرسمية المحببة لدى الوريث. اخفض الصوت، قال له المدربون. ولكن من المهم أن يروك في المكتب الخشبي لرئيس الحكومة، ولا يستطيعون الخروج بأي عنوان من المقابلة.

نسب بينيت لنفسه الفضل في ثلاثة مواضيع يقوم بعلاجها وهي 'كورونا' والمشروع النووي الايراني والعلاقات مع حلفاء إسرائيل الأساسيين، أميركا والاردن ومصر. وكل ما تبقى من الفضل يوزعه بسخاء على وزرائه. مثلاً، معالجة قطاع غزة: 'تحمل وزير الدفاع المسؤولية عن التوصل الى تسوية هادئة. واذا نجح ذلك فهذا ممتاز' (في مقابلة مع تل شليف في 'واللاه'). واذا فشل واشتعل القطاع من جديد فيمكن اتهام بني غانتس، الذي تطوع بفروسية لتحمل المسؤولية. يائير لابيد؟ 'ركز على أفضليته النسبية' في وزارة الخارجية. يبدو أن بينيت يوجه لابيد لسؤال الزعماء ووزراء الخارجية الأجانب: 'ماذا تعني إسرائيل بالنسبة لهم؟'. ليبرمان مرر ميزانية ممتازة، حسب بينيت. وساعر شخص مدهش كوزير للعدل – رسالة ظهرت مثل لدغة للشريكة الحامضة اييلت شكيد.

من الجيد أن يحترم بينيت شركاءه، خلافاً لـ 'أنا، أنا، أنا، فقط أنا' لنتنياهو. يظهر أنه لا يشبه نفسه بالنبي موسى أو الملك داود أو هرتسل، إذا لم يكن اكثر من ذلك، مثل سلفه. ولكن في هذا التواضع يكمن ايضا إلقاء المسؤولية على المستويات الأدنى. لم يظهر بينيت في وقت الذروة بعد هروب السجناء الفلسطينيين، وامتنع عن إلقاء خطابات دراماتيكية للشعب. ولحسن الحظ وبسبب الشجاعة فان الأزمة تم حلها بسرعة وهدوء. ولكن لو أنها تعقدت لكان المتهمون هم الوزراء والموظفين الذين قفزوا الى المقدمة. سيتكرر هذا النموذج في المشكلات القادمة. يهتم وزير الدفاع بالأمن، ويهتم وزير المالية بالاقتصاد، ويهتم وزير العدل بمنع عودة نتنياهو. هكذا هو الأمر لدى بينيت، هو فقط رئيس مجلس الإدارة وتوجد المسؤولية في الاسفل.

مع ذلك، الرسالة الأكثر أهمية في مقابلات بينيت تتعلق بسياسته وليس بأسلوبه. شكّل بينيت ائتلافا متنوعا، وانضم الى احزاب اليسار الصهيوني والحزب المسلم. ولكن من المحظور علينا التشوش. هو لم يقم بتبني مواقفهم، وبقي عميقاً في اليمين وفي مخططاته للضم. يريد بينيت اقامة 'الدولة الواحدة' التي ستخلد سلطة إسرائيل على ملايين الفلسطينيين الذين ليست لهم أي حقوق مدنية في الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة. وهو يعارض اقامة دولة فلسطينية، ويعارض أي محادثات عبثية مع أبو مازن، ويسخر من وزير الدفاع الذي ذهب لمقابلة الرئيس الفلسطيني في رام الله. كان غانتس متردداً، وبعد ذلك صادقت له على اللقاء، هكذا حلّ بينيت القضية.

لم يخترع بينيت الاحتلال أو الضم. هذا هو الواقع الذي ورثه، والذي وجد قبل أن يولد. ولكن خلافاً لعدد ممن سبقوه ممن على الأقل تحدثوا عن تغيير، وأحياناً حاولوا الدفع قدماً بتقسيم البلاد، هو يرى بركة في الوضع الراهن. وهو على ثقة من أن الاستقلال الفلسطيني سيعرض إسرائيل للخطر. وهو يأمل في أن الفتات الاقتصادي سيشبع الجوع الفلسطيني لتقرير المصير والاعتراف الوطني. حسب رأيه، اذا ذهب العمال الفلسطينيون للعمل في السادسة صباحاً بدلا من الثالثة أو الرابعة فجراً فان هذا سيفيدهم، وسيتوقفون عن الامتعاض من المستوطنات والاعتقالات الليلية والقمع السياسي. ماذا يشكل هذا مقارنة بالحد الأدنى من الأجور في موقع بناء إسرائيلي؟

يفهم بينيت أنه مع وجود جو بايدن في البيت الأبيض وفي ظل علاقات متطورة مع الدول العربية لا يوجد أي إمكانية للحديث عن 'فرض سيادة' واستفزازات مثل إخلاء الخان الأحمر. هو ببساطة يطبق أسلوبه المهذب أيضاً في السياسة الخارجية والدفاع. بدلاً من التشاجر مع الحلفاء هو يشتري منهم الهدوء، وينطلق بنعومة وتصميم إلى الدولة الواحدة مع ملايين الرعايا الفلسطينيين. هذا هو قلب سياسته التي هي اكثر أهمية لمستقبل إسرائيل من كل عروض التغيير، والصورة الرسمية والمهنية لرئيس الحكومة. وبناء عليها يجب أن نحاكم بينيت.

عن 'هآرتس'