اخبار فلسطين
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٢٤ نيسان ٢٠٢٥
تحت عنوان 'إنقاذ العالم ليس مسؤولية الولايات المتحدة' كتب دوغ باندو* مقالا في 'ذا ناشيونال إنترست' تناول فشل السياسة الأمريكية حول العالم.
وجاء في المقال المنشور على موقع 'ذا ناشيونال إنترست':
ينبغي على الرئيس ترامب أن يتجاهل 'كتلة' السياسة الخارجية وأن يتصرف بضبط النفس على الساحة الدولية.
قد يكون العالم مكانا قبيحا. 'تغزو' روسيا أوكرانيا، والسودان غارق في حرب أهلية، وهايتي تعج بالعصابات العنيفة، ويتصاعد الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والصومال يمزقه العنف، إسرائيل تشن حربا ضد الفلسطينيين، يرتكب النظام العسكري في بورما جرائم قتل وفوضى.
وتطول القائمة: لا تزال سوريا منقسمة ومعرضة للخطر بعد سنوات من الصراع، يهلك العنف الإسلامي مسيحيي نيجيريا والمسلمين المعتدلين، تهدد الصين باستعادة تايوان بالقوة، تقتل إدارة ترامب اليمنيين وتهدد بقصف إيران، يدفع الأوروبيون واشنطن نحو مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو.
هذه الصراعات وغيرها من الصراعات المحتملة مريعة، بينما يتطلع كثيرون، لا سيما في واشنطن، صوب الولايات المتحدة بحثا عن حلول. فمن وجهة نظرهم، لو كان العم سام مستعدا 'للقيادة' لأجبر الأسد على الاستسلام، والخضوع لرغبات الحمل، وسيكون كل شيء على ما يرام.
مع الأسف، أثبتت هذه الاستراتيجية، كما أثبتت العقود الثلاثة الماضية، أنها كارثية. وتبين أن إصلاح العالم يتجاوز قدرات الولايات المتحدة الأمريكية بكثير. بل إن الأهم من ذلك، أن كل هذه المعارك ليست ضمن مسؤولية الأمريكيين.
وهذا اعتقاد مثير للجدل في واشنطن، حيث تصعب مقاومة الإيمان بالولايات المتحدة كدولة الحملات الصليبية. وحتى إدارة ترامب، التي تضم عددا أكبر من محاربي المحافظين الجدد مقارنة بالواقعيين من حركة MAGA (جعل أمريكا عظيمة مجددا)، تبدو هي الأخرى مصممة على شن حرب في مكان ما. في الواقع، ثمة قناعة واسعة بأن على واشنطن أن تعالج كل مشكلة وتصحح كل خطأ. حضرت مؤخرا مؤتمرا حول الاضطهاد الديني حول العالم، وهي قضية كنت أغطيها لسنوات. وفوجئت عندما انتقدني زميل قديم بشدة لمعارضتي المستمرة لاستمرار الوجود العسكري لواشنطن في سوريا.
لا يهم أن الشعب الأمريكي لم يفكر قط في حماية أكراد سوريا، ناهيك عن الجدل بشأن هذه القضية. أو أن الرئيس لم يتفاوض ولم يصادق مجلس الشيوخ على معاهدة دفاع. وأن سوريا لم تكن يوما مصلحة أمنية مهمة للولايات المتحدة. وأن واشنطن ألحقت ضررا كبيرا بالمدنيين السوريين بتأجيج الحرب الأهلية وفرض عقوبات قاسية. وأن الحفاظ على حامية عسكرية يورّط الولايات المتحدة في أكثر مناطق العالم تقلبا. وأن حماية الأكراد السوريين تتطلب وجودا عسكريا مستمرا، وربما دائما. وأن القوات الأمريكية في سوريا تواجه تحديات متعددة، بما في ذلك روسيا وإيران و'داعش' والمتطرفين الإسلاميين المستقلين وتركيا، حليفة 'الناتو'، ونظام دمشق الجديد، الذي كان قادته مرتبطين سابقا بتنظيم القاعدة. أو أن مثل هذه التدخل ليس في مصلحة الأمريكيين.
الشرق الأوسط أولا
مع ذلك، أراد الزميل القديم بقاء الجيش الأمريكي، مؤكدا، ليس للأبد. ومع ذلك، لا أحد في المنطقة، لا سيما في الحكومة السورية الناشئة حديثا، والتي ترغب في استعادة السيطرة على كامل الأراضي التي تدعي سيطرتها عليها، وتركيا، التي غزت شمال سوريا واستخدمت قوات بالوكالة للسيطرة على المناطق الحدودية الكردية، مستعد للتخلي عن مطالبه، وهو ما يعني أن أي التزام أمريكي يجب أن يكون مفتوحا، وأن أي قوات أمريكية يجب أن تبقى على أهبة الاستعداد للقتال دائما.
لا يوجد واجب على أي حكومة أهم من حماية شعبها. وعندما يتحدث الدستور الأمريكي عن 'الدفاع المشترك'، يعني هذا الدفاع المشترك عن الأمريكيين لا عن العالم، والأهم من ذلك أنه يعني أيضا الدفاع لا شن حملات صليبية كبرى حول العالم لجلب الجنة إلى الأرض.
ينبغي على واشنطن أن تكون مستعدة لردع الحروب ضد خصومها وهزيمتهم. وبالنظر إلى ان الولايات المتحدة لا تحتاج إلى انتظار وصول الغزاة إلى أراضيها، إلا أنه ينبغي على واشنطن التحرك لمواجهة تهديد حقيقي، لا السعي لخلق نسخة مثالية من السلام الأمريكي في أقاصي بقاع الكرة الأرضية. لقد أصبح الدفاع عن الولايات المتحدة أكثر تعقيدا في عالم اليوم، حيث يمكن أن تتخذ النزاعات أشكالا مختلفة. ومع ذلك، فإن الدفاع لا يزال يعني الدفاع، وكما يعرف قضاة المحكمة العليا معنى المواد الإباحية عندما يشاهدونها، لا يعرف الأمريكيون معنى شن الحروب الإنسانية عندما يسمعونها، ولتقييد 'الكتلة' كما يطلق على مؤسسة السياسة الخارجية، من الضروري تحديد غاية السياسة الخارجية والوسائل العسكرية بدقة.
إن ما يجعل الشؤون الدولية معقدة للغاية هو أنها حكيمة، وتتطلب اتخاذ قرارات في ظل ظروف متغيرة باستمرار، ويتعين على صانعي السياسات التعامل مع الواقع كما تظهر، لكن النتائج غالبا ما تكون عكسية، وأحيانا كارثية.
وفي الواقع، فإن عددا من النقاط الساخنة حول العالم اليوم، وبعضها مشتعل حرفيا بدرجات متفاوتة هي مسؤولية الولايات المتحدة والغرب بمفهومه الأوسع. ومن ذلك النزاع الروسي الأوكراني، حيث كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يخوضون حربا بالوكالة، ويساعدون أوكرانيا علانية لقتل الآلاف من الروس. واختارت موسكو بد ء الأعمال العدائية، وهو 'غزو' غير عادل وغير مبرر. لكن، ومع ذلك، فإن واشنطن وشركاءها في 'الناتو' قد انتهكوا وعودا متعددة بعدم تمدد التحالف إلى حدود روسيا، وشنت حربا عدوانية ضد صربيا، وهي صديقة قديمة لموسكو، وتم تشجيع تغيير النظام في جورجيا وأوكرانيا المتاخمتين لموسكو، وتم إقصاء رئيس منتخب ديمقراطيا كان يميل شرقا. لو شن الاتحاد السوفيتي حملة مماثلة ضد المكسيك، لكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على شفا الحرب، كما حدث في أزمة الصواريخ الكوبية، وكان من الممكن أن يسفر الأمر عن كارثة. تمتلك روسيا أسلحة نووية، وتستخدمها للتعويض عن نقص الأسلحة التقليدية، وتهتم بأمر أوكرانيا أكثر بكثير من الولايات المتحدة، التي لم تتحد قط حكم موسكو على تلك المنطقة، حتى أثناء الحرب الباردة.
ترامب وآفاق السلام مع روسيا
في الشرق الأوسط، أثبتت الولايات المتحدة أنها قاتل بارع، فقد شنت حربا على العراق (مرتين)، وعلى كل من ليبيا وسوريا واليمن، متسببة في ذلك بسقوط مئات الآلاف من الضحايا المدنيين، وها هي تهدد إيران مجددا، وهي حرب قد تكون أسوأ من كل الحروب السابقة مجتمعة.
ولطالما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تحرك واشنطن من خلال التدخل العسكري المباشر أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، وطلبت إسرائيل من الولايات المتحدة مساعدتها في الدفاع عن نفسها حال ردت إيران. ويبدو أن ترامب حذر صديقه المزعوم، نتنياهو، فخلال ولايته الأولى اشتكى من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي 'مستعد لمحاربة إيران حتى آخر جندي أمريكي'.
في الوقت نفسه، وبرغم أن 'حماس' تستحق إدانة واضحة لفظائعها، لكن قتل إسرائيل لعشرات الآلاف من المدنيين يتجاوز بكثير الرد المشروع. ولا يبدو أن هناك جريمة ضد الفلسطينيين لا تبررها الولايات المتحدة. بل والأسوأ من ذلك، تندفع الولايات المتحدة بلا تفكير نحو حرب محتملة مع الصين بشأن تايوان دون تفكير يذكر بالعواقب. ولم ترتفع سوى أصوات قليلة جدا في واشنطن ضد فكرة مواجهة بكين عسكريا إذا تحركت ضد تايوان، وهو منطقة قريبة من البر الرئيسي في الصين بقدر قرب كوبا من الولايات المتحدة. مع ذلك، فإن محاربة قوة تقليدية كبرى تمتلك أسلحة نووية بشأن قضية تعتبرها هذه الدولة وجودة هي الوصف الدقيق للكارثة. وحتى في الحالات القليلة التي فازت فيها الولايات المتحدة بمناورات حربية، فإنها تتكبد خسائر فادحة في القوى البشرية والعتاد، وعادة ما تفترض هذه المناورات عدم استخدام الأسلحة النووية. ويقدم رد فعل الولايات المتحدة على الأنشطة العسكرية السوفيتية في كوبا لمحة مقلقة عن كيفية رد بكين في نهاية المطاف على تزايد النشاط العسكري الأمريكي في تايوان وما حولها.
إلا أن أكثر ما يلفت الانتباه في هذه الحالات هو أن أيا منها لا علاقة له بالدفاع عن الولايات المتحدة، فيما ينبغي أن يكون هدف الحلفاء حماية الولايات المتحدة لا أن يكونوا أهل رعاية اجتماعية يجرّون الأمريكيين إلى خلافاتهم مع الآخرين. في بعض الحالات، تكون هذه المعركة غير ذات صلة بمصالح الولايات المتحدة، بل قد تكون ظالمة تماما في بعض الأحيان، كما قد يكون الهدف مفيدا، لكنه ليس حيويا بأي حال من الأحوال للولايات المتحدة، مثل منع إيران من امتلاح أسلحة نووية. كما أنه، وفي أمثلة أخرى، قد تكون القضية عادلة، مثل دعم أوكرانيا أو تايوان إلا أن هذه المصلحة هي الأخرى ليست حيوية للولايات المتحدة، بالتالي لا تستأهل الصراع مع قوة نووية.
يالطا الجديدة وآفاق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة
إن رغبة المؤسسين في منع التدخل العسكري العشوائي خارج البلاد دفعتهم إلى اشتراط موافقة الكونغرس على الحرب، وقد أصر جورج ماسون على أن هذه السلطة 'ليست آمنة كي يعهد بها' للرئيس، لذا وضعتها في يد الكونغرس. وأوضح جيمس ويلسون قائلا: 'لن يكون من سلطة رجل واحد، أو هيئة واحدة، توريط الولايات المتحدة في مثل هذه المحنة، لأن السلطة المهمة لإعلان الحرب من اختصاص السلطة التشريعية ككل'. وقد طرح توماس جيفرسون الحجة نفسها بلهجة أكثر وضوحا: 'لقد نص الدستور على لجم شراسة كلب الحرب بنقل سلطة إطلاق سراحه'.
وقد ثبت أن مخاوف المؤسسين كانت في محلها. ففي العصر الحديث، يستغل الرؤساء دورهم كقائد أعلى للجيش في إشعال صراعات لا تنتهي. وللأسف، يفشل الكونغرس في الوفاء بمسؤولياته ولا يحاسب الرؤساء التقليديين المخطئين، ونادرا ما يلتزم أي من فرعي الحكومة بالدستور.
وبعكس التهويل المستمر المستخدم لتبرير حروب الحكومة الأمريكية المتكررة، تعتبر الولايات المتحدة القوة العظمى الأكثر أمنا على الإطلاق، بينما ثبت أن التدخل العسكري هو سبب انعدام الأمن الأمريكي وليس حلا لقضية الأمن الأمريكي.
ينبغي على الرئيس الأمريكي أن يرسم مسارا مختلفا، حيث كان أول رئيس معاصر يقر علنا بخطأ الولايات المتحدة، معلنا أن 'الحرب والعدوان لن يكونا غريزته الأولى'. وخلال ولايته الأولى، كان مترددا في الرد على دول أخرى، وفي ترك جثث بلا داع في أعقاب الجيش الأمريكي. الآن، يسعى ترامب إلى إحلال السلام في أوروبا، وفك ارتباط الولايات المتحدة بالصراع التقليدي في هذه القارة. وعليه أن يتبع النهج نفسه تجاه الشرق الأوسط، بإنهاء التهديدات ضد إيران، والهجمات على اليمن، ودعم انتهاكات إسرائيل.
والقيام بذلك لن ينهي الحرب ويؤسس لسلام أبدي، لكنه أجدى للحفاظ على أمن الولايات المتحدة وإجبار الدول الأخرى على معالجة مشكلاتها ومظالمها.
المصدر: The National Interest
دوغ باندو: زميل أول في معهد 'كاتو'، وعمل مساعدا خاصا سابقا للرئيس رونالد ريغان، وهو مؤلف كتاب 'الحماقات الخارجية: الإمبراطورية الأمريكية العالمية الجديدة'.
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب