بين غزة والرياض: قرار مصيري سيتعين على نتنياهو اتخاذه

هل إسرائيل مهتمة بالدخول إلى رفح لمحاولة إلحاق الهزيمة بحماس في نهاية المطاف، من دون تقديم استراتيجية خروج أو أفق سياسي لحل الدولتين في مواجهة الفلسطينيين؟ كتب توماس فريدمان، المعلق في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عمود رأي رأى فيه أن مثل هذه الخطوة لن تؤدي إلا إلى تعميق عزلة إسرائيل الدولية، وتؤدي إلى خلاف حقيقي مع إدارة بايدن.

أم أن إسرائيل تفضل التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وقوات حفظ السلام العربية في غزة، والتحالف الدفاعي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد إيران؟ وسوف يكون الثمن مختلفاً ـ التزام الحكومة بالعمل من أجل إقامة دولة فلسطينية مع السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها. ولكن وستكون النتيجة هائلة – فإسرائيل ستكون جزءاً من التحالف الأوسع على الإطلاق مع الولايات المتحدة والعرب، وسوف تكتسب أهم جسر إلى العالم الإسلامي، في حين ستخلق الأمل في أن الصراع الفلسطيني هو في الحقيقة مجرد صراع مؤقت.

وهذا واحد من أكثر القرارات المصيرية التي اضطرت إسرائيل إلى اتخاذها على الإطلاق. يقلقني ويحزنني أنه لا يوجد اليوم زعيم إسرائيلي كبير واحد في الائتلاف، أو في المعارضة، أو في الجيش يساعد الإسرائيليين على فهم هذا الاختيار – أن يكونوا منبوذين عالميين أو شريكا إقليميا، ويشرح لماذا يجب أن تختار الخيار الثاني.

الانتقام ليس استراتيجية. ومن الجنون المطلق أن تسمح القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل، بعد مرور أكثر من نصف عام على اندلاع الحرب، لنتنياهو بمواصلة السباق نحو 'النصر الكامل'، بما في ذلك الغوص العميق في رفح قريباً، دون أي خطة خروج أو اتفاق. دخول الشريك العربي بعد انتهاء القتال. إذا ظلت إسرائيل في احتلال غير محدود لغزة والضفة الغربية، فسيكون ذلك بمثابة تشابك عسكري واقتصادي وأخلاقي سام من شأنه أن يرضي عدوها الأكبر – إيران.

وفي وقت سابق من الحرب، ادعى القادة العسكريون والسياسيون الإسرائيليون أن الزعماء العرب المعتدلين يريدون من إسرائيل أن تمحو حماس نهائياً. صحيح أنهم سيكونون سعداء باختفاء حماس، إذا كان ذلك ممكنا في غضون أسابيع قليلة وبأقل قدر من الخسائر في أرواح المدنيين. ولكن من الواضح الآن أن هذا مستحيل، وأن إطالة أمد الحرب لا يخدم مصلحة الدول العربية المعتدلة، وخاصة المملكة العربية السعودية.

من المحادثات التي أجريتها في الرياض وواشنطن، أفهم أن محمد بن سلمان لديه رسالة واضحة لإسرائيل: اخرجوا من غزة في أسرع وقت ممكن. كل ما تفعله إسرائيل الآن هو قتل المزيد والمزيد من المدنيين الأبرياء، وتحويل السعوديين الذين يتطلعون إلى علاقات طبيعية ضد إسرائيل، وإنتاج المزيد من المجندين لتنظيم القاعدة وداعش، وتعزيز إيران وحلفائها، وزيادة عدم الاستقرار، ودفع الاستثمارات الأجنبية اللازمة للخروج من المنطقة.

إن رؤية القضاء على حماس «نهائياً» هي مجرد وهم في نظر السعوديين. ترغب المملكة العربية السعودية في التوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن المختطفين في أقرب وقت ممكن، والتركيز على اتفاق التطبيع بالشراكة مع الولايات المتحدة. هذا هو المسار الذي يمكن لإسرائيل أن تختاره – وهو المسار الذي لا يدعمه أي حزب معارض حاليًا وهو ما تأمل فيه الولايات المتحدة. إن نجاحه ليس مضمونا، لكن 'النصر الكامل' الذي يعد به نتنياهو ليس كذلك.

يبدأ هذا المسار بتخلي إسرائيل عن احتلالها الكامل لرفح، حيث يعيش أكثر من مليون من السكان واللاجئين. تذيع الإدارة الأمريكية علناً أن إسرائيل يجب أن تتجنب الغزو دون خطة لإخراج المواطنين من هناك، وتتخذ سراً موقفاً أكثر صرامة: لا تدخلوا رفح على الإطلاق.

قال لي أحد كبار المسؤولين الأميركيين: 'نحن لا نطلب من إسرائيل أن تترك حماس ترحل. بل نقول إنه في رأينا هناك طريقة أكثر استهدافاً لملاحقة القيادة، من دون التستر على رفح'. ولا يريد فريق بايدن أن يبقي على قادة حماس، بل يريد فقط التقليل من موجة أخرى من الضحايا المدنيين في غزة.

كبار المسؤولين الأميركيين مقتنعون بأنه إذا سحقت إسرائيل رفح الآن أيضاً، بعد أن فعلت ذلك في أجزاء كبيرة من خان يونس وشمال غزة، دون وجود شريك فلسطيني يمكن الاعتماد عليه لقبول العبء الأمني، فإنها سوف تكرر خطأ الولايات المتحدة في العراق وتواجه خطراً كبيراً. تمرد دائم وأزمة إنسانية أبدية. الفرق هو أن إسرائيل 'ب' قوة عظمى يمكن أن تفشل في العراق وتتعافى. بالنسبة لإسرائيل، سيكون هذا التورط في غزة مدمراً، خاصة في غياب الحلفاء الذين سيبقون إلى جانبها.

ولذلك، يقول مسؤولون أميركيون كبار إنه إذا نفذت إسرائيل عملية عسكرية كبيرة في رفح، خلافاً لمعارضة الإدارة، فإن الرئيس بايدن سيفكر في الحد من مبيعات الأسلحة لإسرائيل. وهذا ليس فقط بسبب الرغبة الأمريكية في منع وقوع المزيد من الضحايا بين مواطني غزة أو لأنه سيزيد من إثارة الرأي العام العالمي ضد إسرائيل. والسبب أيضاً هو أن الإدارة تعتقد أن الهجوم على رفح سيدمر الآمال في التوصل إلى تسوية للأسرى، وهي التسوية التي أصبح هناك الآن بذور أمل فيها.

الإدارة الأميركية تريد ترسيخ الاتفاق مع السعوديين لتقول لنتنياهو: «يمكن أن نتذكرك كشخص أشرف على كارثة إسرائيل العسكرية الكبرى، أو كالذي أخرج إسرائيل من غزة وفتح الطريق لعلاقات طبيعية». مع أهم دولة إسلامية خيارك، وهم يريدون طرح هذا الخيار علنا، حتى يتمكن كل إسرائيلي من رؤيته.

وكما قلت في البداية، فإن مصلحة إسرائيل على المدى الطويل هي في الرياض، وليس في رفح. كلا المسارين ليسا آمنين وكلاهما ينطوي على مخاطر. وأنا أعلم أنه ليس من السهل على الإسرائيليين أن يفكروا في ذلك عندما ينتقدهم العالم كله بسبب سلوكهم في غزة.