اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
حين كان ضجيج الأخبار يملأ أروقة صحيفة 'فلسطين'، كان صوت الزميل محمد المنيراوي هادئاً وواثقاً، يحمل بين كلماته دفء الإنسان ودقّة المهني.
لم يكن مجرد صحفي يطارد الخبر، بل كان يعيش كل قصة يكتبها، ويمنحها شيئاً من روحه، حتى تحوّل قلمه إلى نافذة يرى القارئ من خلالها نبض فلسطين وأوجاعها وآمالها.
كان المنيراوي واحداً من أولئك الذين يكتبون بضمير، ويحرصون على أن تبقى الكلمة الفلسطينية نزيهة، وقوية، وأقرب إلى الناس. خلف ملامحه الهادئة كان يسكن شغف لا يهدأ، وإصرار على أن تظل الصحافة أداة مقاومة لا وسيلة عابرة.
يقول الزميل الصحفي في 'فلسطين' نبيل سنونو: إن المنيراوي كان 'إضافة نوعية للإعلام الفلسطيني، وتميز بقلم إبداعي ودقة مهنية عالية، وكان حريصاً على قضايا وطنه وأمته، متفانياً في رفع شأن القضية الفلسطينية والتصدي إعلامياً لكل ما يحيط بها من مخاطر'.
ويضيف أن ما جعل محمد في صدارة المشهد الصحفي هو امتلاكه 'شخصية صحفية لافتة وكاريزما خاصة، مع قدرة على إدارة العمل التحريري بدقة نادرة، فكان عمله يخلو من الأخطاء اللغوية والمعلوماتية على حد سواء'.
ويصف سنونو علاقة المنيراوي بزملائه بأنها علاقة أخوة وصداقة صادقة، فـ 'محمد كان يمتلك روحاً مرحة تخفف من ضغط العمل اليومي، ويزرع في المكتب أجواءً من الألفة والتعاون رغم صعوبة الظروف'. ويؤكد أنه كان مثالاً في الالتزام والانضباط، لا يعرف الكلل أو التراجع أمام كثافة العمل الصحفي، خصوصاً في المراحل الساخنة التي تمر بها القضية الفلسطينية.
من جانبه، يتحدث مدير غرفة الأخبار في الصحيفة الزميل تامر قشطة، عن المنيراوي باعتباره 'من أمهر المحررين وأكثرهم دقة في العمل، لا يترك نصاً قبل أن يتأكد من تمامه شكلاً ومضموناً'.
ويشير إلى أن خبرته التي تجاوزت 15 عاماً في الصحافة جعلته 'مميزا داخل غرفة التحرير، لا يكتفي بإنجاز عمله بل يوجّه الزملاء ويساعدهم على تطوير إنتاجهم، واضعاً ملاحظاته بحرفية وحرص على الجودة'.
ويضيف قشطة أن محمد شغل عدة مواقع مهمة داخل الصحيفة، منها إدارة الموقع الإلكتروني لمدة عامين بين 2018 و2020، وكان له دور بارز في تطويره وتحسين حضوره على مواقع التواصل الاجتماعي. كما وصفه بأنه 'مبادر ومحبوب، يسعى دوماً للوصول لأفضل إنتاج ممكن للقراء، ويولي التفاصيل الدقيقة اهتماماً كبيراً، ما جعله نموذجاً يحتذى به في المهنة'.
أما الصحفي محمد القوقا، زميله في التحرير، فيرسم صورة قريبة من القلب حين يقول إن ما ميّز المنيراوي هو 'احترافيته الدقيقة في العمل التحريري، فلا تكاد تفلت منه كلمة أو حرف بالخطأ، وكان يمتلك قدرة لغوية عالية وملاحظة شديدة في أدق التفاصيل'.
ويضيف القوقا أن محمد 'كان يتولى مهامَّ متعددة في الوقت ذاته، يجمع بين التحرير والتدقيق اللغوي والتنسيق الإداري، ويتحمل ضغط العمل بروح مسؤولة، وكأنه أكثر من موظف في شخص واحد.'
ويشير إلى أنه كان 'يتعامل مع الزملاء بروح طيبة، لا تغيب عنها الفكاهة التي كانت تبعث النشاط في أجواء العمل المرهقة، كما كان صاحب صوت عذب يحبه زملاؤه في جلساتهم الخاصة'. ويختم حديثه قائلاً: 'محمد المنيراوي لم يكن مجرد زميل عمل، بل كان روح الفريق، وخسارته مهنية وإنسانية يصعب تعويضها'.
في حين يقول الزميل الصحفي محمد سليمان، إن 'المنيراوي' صحفي مميز وكبير، إذ إن عمره الصحفي يتجاوز الـ 18 عاماً، ويُعد من أبرز الصحفيين في الصحيفة، مشيراً إلى أنه خلال عمله الصحفي غطّى غالبية الحروب التي شنها الاحتلال على قطاع غزة، واصفاً أداءه الصحفي بأنه 'قلم من حرير'.
ويضيف سليمان أن 'المنيراوي' كان قريبًا من جميع الزملاء في الصحيفة، ويتمتع بروح إنسانية عالية، واستشهاده خسارة للصحافة الفلسطينية، لافتاً إلى أنه باستشهاد 'المنيراوي' فقدت الصحافة أبرز الأقلام على المستوى العربي.
ويبين أن الاحتلال اعتاد استهداف الصحفيين بشكل ممنهج طيلة حرب الإبادة التي امتدت على مدار عامين، تحت مزاعم وتوجيه اتهامات لهم غير صحيحة، منبهاً إلى أن 'المنيراوي' عاش تفاصيل هذه الحرب مثل بقية الناس وفقد بيته وبيت عائلته، ونزح عدة مرات.
رحيل محمد المنيراوي ترك فراغاً كبيراً في الوسط الصحفي الفلسطيني، إذ جمع بين المهنية العالية والخلق الرفيع، بين الالتزام بالمبادئ والقدرة على التجديد والتطوير. كان يؤمن بأن الصحافة ليست مهنة فقط، بل رسالة لخدمة الحقيقة والدفاع عن المظلومين.
وفي زمنٍ تزداد التحديات أمام الإعلام الفلسطيني، تبقى سيرة المنيراوي شاهدة على أن القلم حين يقترن بالإخلاص يصبح فعلاً من أفعال المقاومة، وصوتاً لا يُنسى في ذاكرة الوطن.

























































