اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
بعد نحو عشرين عامًا من خدمة آلة الدعاية العسكرية الإسرائيلية، أعلن أفيخاي أدرعي المتحدث باسم جيش الاحتلال للإعلام العربي تقاعده، لينضم إلى قائمة طويلة من الوجوه التي حاولت تلميع صورة الاحتلال وتبرير جرائمه.
وخلال حرب الإبادة على غزة، لعب أدرعي دور الواجهة الإعلامية لتزييف الحقيقة وتجميل جرائم جيش الاحتلال، مستخدمًا مفرداتٍ شعبوية ودينية لتسويق الكذب تحت غطاءٍ أخلاقي، إلا أن تراكم الفشل وتهاوي الرواية الإسرائيلية جعلاه في نهاية المطاف يختار 'الخروج الآمن' من المشهد، بعد أن فقدت دعايته بريقها وتأثيرها.
وبدأ أدرعي خدمته في وحدة' 8200'، وتولى عام 2005 منصب المتحدث باسم الجيش باللغة العربية، ليصبح لاحقًا أحد أبرز الوجوه الإسرائيلية على منصات التواصل الاجتماعي.
'ظاهرة دعائية'
وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشؤون 'الإسرائيلية'، سليمان بشارات، إن أدرعي لم يكن مجرد ناطق باسم جيش الاحتلال، بل كان 'ظاهرة دعائية' مثلت حالة الكذب والخداع التي مارستها مؤسسات الاحتلال على مدار سنوات طويلة، خاصة في خطابها الموجه إلى الناطقين بالعربية.
ويوضح بشارات لـ 'فلسطين أون لاين'، أن استخدام أدرعي للغة العربية، وبخاصة اللهجة العامية، لم يكن صدفة، بل كان جزءًا من حملة خداع ممنهجة تهدف إلى التأثير في الشرائح البسيطة من المجتمعات العربية، وتحديدًا تلك التي يسهل الوصول إليها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إذ يدرك الاحتلال أن النخب المثقفة قادرة على تمييز الزيف من الحقيقة، فكان أدرعي يوجه خطابه نحو الطبقات الشعبوية التي يتسلل إليها الكذب بلبوسٍ من السخرية والمفردات العاطفية.
ويضيف أن أدرعي شكل خلال السنوات الماضية نموذجًا لخداعٍ متكامل الأركان، جمع بين الكذب الصريح والتهكم واستخدام النصوص الدينية بصورة مشوهة، فقد كان يتلو آياتٍ من القرآن الكريم وأحاديث نبوية، بعضها صحيح وبعضها محرف، في محاولة لاستثارة العاطفة الدينية لدى المتابعين العرب، واستغلالها لبث رسائل الاحتلال وتسويق روايته.
ويتابع الباحث قائلاً إن نجاح أدرعي لم يكن في إقناع الناس، بل في خلق نقاشٍ حول روايته وسرديته، 'الاحتلال لم يكن يسعى لأن يصدقه الناس'، يقول بشارات، 'بل كان يريد فقط أن يُثير الجدل، لأن النقاش بحد ذاته يشرعن وجود الرواية الإسرائيلية في الفضاء العربي'. وبهذا المعنى، فإن الكذب عند الاحتلال لم يكن خطأً بل أداةً، إذ يؤمن قادته بأن 'الكذبة كلما تكررت، اقتربت من أن تُصدّق'.
ومع ذلك، يرى بشارات أن تجربة أدرعي انتهت إلى الفشل، فخلال حرب الإبادة على غزة، تهشمت سردية الاحتلال أمام صور الجرائم والدمار، ولم يعد بمقدور الدعاية الإسرائيلية، مهما بالغت في الكذب، أن تغير وعي العالم، بل إن الرواية الفلسطينية باتت أكثر رسوخًا في وجدان المتابع العربي والدولي، في وقتٍ تتآكل فيه مصداقية (إسرائيل) حتى في عيون مؤيديها في الغرب.
ويشير إلى أن أدرعي حاول في الأسابيع الأخيرة الظهور بمظهر 'المواطن العادي'، فانتشرت له مقاطع وهو يتجول في مدن الضفة الغربية مثل طولكرم وجنين، يخاطب المارة بالعربية في محاولة لإظهار 'تقبّل الفلسطينيين' لوجود الاحتلال، إلا أن هذه المشاهد، كما يقول بشارات، لم تكن سوى 'خداع بصري ونفسي' هدفه إيهام العالم بأن العلاقة بين المحتل والمجتمع الفلسطيني طبيعية، وهو ما يشكل استمرارًا لمنهجية التضليل التي تبناها منذ سنوات.
نقطة تحول
ويرى بشارات أن السابع من أكتوبر مثل نقطة تحول فاصلة في المشهد الإسرائيلي، قائلًا: 'هذا الحدث أحدث خللًا بنيويًا في كامل تركيبة المؤسسة الإسرائيلية، على المستويات السياسية والمجتمعية والنفسية والعسكرية، وما نراه اليوم من استقالات واتهامات داخلية وتبادل للمسؤوليات هو نتيجة مباشرة لذلك اليوم'.
ويؤكد أن تداعيات السابع من أكتوبر لن تتوقف عند حدود الوجوه العسكرية والإعلامية التي اختفت أو أُقيلت، بل ستنعكس على بنية (إسرائيل) الفكرية والسياسية، مشيرًا إلى أن المجتمع الإسرائيلي يعيش اليوم حالة من المراجعة البنيوية العميقة.
ويضيف: 'ما نشهده اليوم هو انزياح متسارع نحو اليمين الفاشي المتطرف، وهو تعبير عن أزمة هوية حقيقية داخل المجتمع الإسرائيلي'. ويتابع قائلًا: '(إسرائيل) التي قدّمت نفسها لسنواتٍ طويلة على أنها جزء من المنظومة الأوروبية الديمقراطية المدافعة عن حقوق الإنسان، هي نفسها اليوم من شوهت تلك القيم وهدمتها بممارساتها في غزة. لذلك ستدفع ثمنًا سياسيًا وأخلاقيًا كبيرًا أمام العالم'.
ويختم بشارات حديثه بالقول إن نهاية أدرعي تمثل أحد وجوه الانهيار داخل المؤسسة الإسرائيلية: 'قبل أدرعي، استقال عدد من الناطقين والمسؤولين في الإعلام لجيش الاحتلال، وهذا يعكس فجوة متزايدة بين الأفراد والمؤسسة، وشعورًا متناميًا بالابتعاد عن الانتماء'.

























































