اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ نيسان ٢٠٢٥
مع تجدّد العدوان الإسرائيلي وعودة مشاهد القصف والدمار إلى شوارع قطاع غزة، توقّفت معظم المبادرات التعليمية التي كانت تُشكّل الملاذ الوحيد لعشرات الآلاف من الأطفال، مع غياب المدارس وتدمير البنية التحتية التعليمية جراء حرب مستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام.
وشهد القطاع، خلال الأشهر الماضية، نشاطًا لافتًا للمبادرات المجتمعية التطوعية التي سعت إلى تعويض الأطفال عن غياب التعليم الرسمي، ولا سيما في مرحلة التعليم الأساسي، حيث انتشرت الخيام التعليمية والمراكز المؤقتة في أماكن النزوح، مقدّمةً دروسًا مبسّطة في القراءة والحساب والعلوم، إلى جانب أنشطة دعم نفسي وترفيهي.
لكن هذه المبادرات، التي أدارها معلّمون متطوّعون وشباب من المجتمع المحلي بموارد ذاتية أو بدعم محدود، توقّفت بشكل شبه كامل بسبب تجدّد القصف واستهداف مناطق واسعة في القطاع، بما في ذلك بعض المواقع التي احتضنت تلك الفعاليات.
'الفرصة الوحيدة تضيع مجددًا' تقول أسماء محمد، مُدرّسة لغة إنجليزية في أحد المراكز التعليمية التي بادرت إلى إطلاق مبادرة تعليمية لطلبة المرحلة الابتدائية في مدينة غزة: 'كنّا نُدرّس أكثر من 150 طالبًا يوميًا في المركز، ولكن مع عودة حرب الإبادة منتصف شهر مارس وتصاعد حدة القصف، اضطررنا إلى التوقف عن العمل'.
وتضيف لصحيفة 'فلسطين': 'كما اضطررنا لإيقاف جميع أنشطة الدعم النفسي والترفيهي للطلبة'، مشيرةً إلى أن الأطفال، منذ ذلك الوقت، يقضون وقتهم في الشارع بلا تعليم ولا أمان ولا أي مقوّمات تضمن مستقبلهم.
ووفق تقديرات وزارة التربية والتعليم، فإن نحو 60 ألف طفل على الأقل، أغلبهم في المرحلة الابتدائية، باتوا محرومين تمامًا من أي شكل من أشكال التعليم بعد توقف هذه المبادرات، في وقت لم تُستأنف فيه الدراسة في المدارس الرسمية منذ بداية الحرب، نتيجة لتدمير المئات منها أو تحويلها إلى مراكز إيواء.
من جهتها، أوضحت ليلى الكاشف، مديرة إحدى المبادرات التعليمية في شرق مدينة غزة، والتي كانت تحتضن المئات من طلبة المرحلتين الابتدائية والإعدادية، أن عودة الاحتلال الإسرائيلي إلى حربه على القطاع في مارس الماضي حوّلت بيئة التعليم مجددًا إلى ساحة معركة.
وقالت لـ'فلسطين': 'عودة الحرب على غزة جعلت استمرار أي مشروع تعليمي أمرًا بالغ الصعوبة، خاصةً في ظل حالة الخوف والرعب التي يعيشها الأطفال وأُسرهم جراء القصف والقتل المستمر بحق المدنيين في قطاع غزة'.
وبيّنت أن العديد من الأطفال المنتمين للمبادرة التعليمية تعرّضوا للإصابة نتيجة عمليات القصف العنيفة التي شنّها جيش الاحتلال، ما جعل التعليم والدراسة في نظرهم أمرًا غير ذي أولوية في ظل الخوف على الحياة.
وأكدت الكاشف أن غياب التعليم لا يعني فقط ضياع عام دراسي ثانٍ، بل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل جيل بأكمله يعاني أصلًا من آثار نفسية عميقة جرّاء الحرب، مشيرةً إلى أن الأنشطة التعليمية كانت تمثّل أيضًا متنفسًا نفسيًا واجتماعيًا للأطفال.
وأضافت: 'كل مبادرة تعليمية تُغلق، كأننا نُغلق نافذة صغيرة يدخل منها النور إلى قلب طفل يعيش الظلمة بكل أشكالها'، مضيفةً: 'نحتاج إلى حماية هذا الحق، لأنه الخط الأول في حماية مستقبل غزة'.
وطالبت الكاشف المؤسسات الحقوقية الدولية بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان وحرب الإبادة، وتأمين بيئة آمنة تُعيد الحياة للمبادرات المجتمعية، وتمنح الأطفال حقهم في التعلم وسط هذا الركام.
من جهتها، أوضحت ملاك أبو ليلة، المسؤولة في مبادرة 'صُنّاع الأمل'، أنه منذ بدء الفصل الدراسي الثاني خلال فترة الهدنة، ازداد عدد الطلبة المنضمين إلى الخيمة التعليمية ليصل إلى أكثر من 300 طالب، ما اضطرهم إلى زيادة عدد الخيام التعليمية.
وأشارت لـ'فلسطين' إلى أنهم نفّذوا عمليات توسعة وتطوير على المبادرة لاستيعاب الطلبة، لكن عودة الحرب أوقفت كل شيء، بسبب استمرار استهداف المدنيين، وتخوّف الأهالي من إرسال أبنائهم للدراسة.
ولفتت أبو ليلة إلى أنه في كثير من المرات قصفت طائرات الاحتلال أهدافًا قريبة من موقع المبادرة التعليمية في شارع عمر المختار قرب مفترق السامر، ما تسبّب بحالة من الهلع والصراخ بين الأطفال.
وأردفت: 'ليس من السهل إغلاق مشروع تعليمي كان الأطفال يرون فيه أملهم ومستقبلهم، ولكن سلامتهم أهم من أي شيء، لذلك كان قرار التوقّف المؤقت هو القرار الصائب حتى تتّضح الأمور في الأسابيع القادمة'.
وتُشير بيانات حقوقية دولية إلى أن استمرار استهداف البنية التعليمية، سواء المباني أو المبادرات الأهلية، يُعدّ انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، خاصةً أن فئة الأطفال تبقى الأكثر تضررًا في مثل هذه النزاعات.