اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٠ تموز ٢٠٢٥
حينما لامست عقارب الساعة منتصف الليل، وكان الحي يغطّ في نومٍ ثقيل محفوفٍ بالرعب، دوّى انفجارٌ هائلٌ في قلب مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.
صاروخٌ ألقته طائرة حربية إسرائيلية من طراز 'F-16' حوّل منزل عائلة جودة إلى ركام، وبدّد أحلام أحد عشر فردًا، بينهم سبعة من عائلة جودة وأربعة من جيرانهم من عائلة الكردي، كانوا ينامون بسلام، فاستُشهدوا تحت الأنقاض دون سابق إنذار.
في ذلك المنزل المستهدف، كانت ثلاث عائلات تقيم فوق بعضها في بناية مكوّنة من ثلاثة طوابق، بالكاد صامدة بعد ضربات سابقة منذ بداية الحرب.
ورغم الخطر، لم تجد العائلة خيارًا سوى ترميم ما تبقى بأيديها، والعودة إليه، لأنه لا مأوى يحميهم من الموت سوى هذا الركام.
استشهاد جماعي
الشهيد الحاج حسين جودة، رجل سبعيني معروف في المخيم بـ'رجل الإصلاح'، ارتقى مع زوجة ابنه نفين، وأحفاده منة، وعبد الله، وعلي، وميرا، ورينال، أكبرهم لم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر.
كانوا يحلمون بمقعدٍ دراسي، أو لعبةٍ صغيرة، أو قطعة شوكولاتة... كلها صارت اليوم أطلالًا منسية تحت الركام.
وقف واصف جودة، أحد أقرباء الضحايا، مذهولًا وسط الدمار، وجهه مغطى بالغبار، وصوته متهدج بالحزن، وقال لـ 'فلسطين أون لاين': 'البيت قُصف على من فيه فجأة، كانوا نايمين، ما حد حس بشي. الحاج حسين، ونفين، وأولادها الخمسة، راحوا كلهم. بس بلال ومرته بين الحياة والموت في مستشفى الشفاء.'
وبينما كان يتحدث، كان أقارب الشهداء والجيران يواصلون الحفر بأيديهم، في محاولة يائسة لانتشال الأشلاء. تمزقت أجساد الأطفال من شدة القصف، لكن أيديهم الصغيرة كانت لا تزال تمسك بالأغطية التي كانوا يغطّون بها نومهم الأخير.
لم يكتفِ الصاروخ بهدم بيت جودة، بل طالت شظاياه المنزل المجاور لعائلة الكردي، ما أدى إلى استشهاد أربعة أفراد آخرين، وإصابة أكثر من 60 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال.
يقول جودة: 'الضربات كانت مباشرة، والمنازل المتلاصقة في المخيم جعلت كل بيت معرضًا للخطر، حتى إن لم يكن مستهدفًا.'
وأشار إلى أن طواقم الدفاع المدني وصلت بصعوبة شديدة، وحاولت إنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط الحطام وألسنة اللهب والغبار الكثيف. لم تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول بسهولة، وكانت المعدات شحيحة، فكانت أيدي الجيران أسرع من الآلات، وكان البكاء أسرع من الشرح.
استهداف متعمد
وعلى مقربة من واصف، وقف الشاب محمد أبو ناجي، أحد سكان الحي، مذهولًا من هول المشهد، وصرخ بحرقة:
'أين العالم؟ أين أنتم ونحن نُذبح كل يوم؟! هذا بيت فيه أطفال ونساء! لماذا تسكتون؟!'
وأضاف لـ'فلسطين أون لاين': 'الاحتلال لا يريد إلا قتلنا وتهجيرنا. هذا القصف ليس ضد مسلحين، بل ضد أناس يحاولون فقط أن يعيشوا.'
وبالعودة إلى واصف جودة، يروي أن جثامين الشهداء دُفنت في قبور جماعية قديمة بمقبرة الشيخ رضوان، لعدم توفر أماكن للدفن. المقبرة الشرقية باتت بعيدة المنال بفعل الاجتياح البري شرق المدينة، ما اضطر الأهالي للبحث عن أي بقعة يوارون فيها أحباءهم.
حرب مستمرة وصمت دولي
ورغم هذا كله، لم تتوقف الحرب. فاليوم، يدخل العدوان الإسرائيلي يومه الـ640 على غزة، وسط صمتٍ دولي مطبق، وتجاهل مستمر لقرارات محكمة العدل الدولية بوقف إطلاق النار.
منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة حرب إبادة جماعية خلّفت حتى الآن أكثر من 189 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 11 ألف مفقود، ونحو نصف مليون نازح يبحثون عن مأوى أو رغيف خبز.
ورغم كل هذا الألم والدمار، تظل غزة تنبض بالحياة. من تحت الأنقاض، يعود الناس إلى منازلهم، يرممونها بأيديهم، يعيدون طلاء الجدران التي لطّخها البارود، ويربّتون على قلوب أبنائهم، يهمسون لهم: 'لن نغادر... هذه أرضنا.'