اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٤ أب ٢٠٢٥
أثار تصريح النائب سميحا روتمان، رئيس اللجنة القانونية في برلمان الاحتلال 'الكنيست' وأحد أبرز قيادات حزب 'الصهيونية الدينية'، حول احتمال انسحاب حزبه من حكومة بنيامين نتنياهو، جدلاً في الأوساط السياسية والإعلامية في (إسرائيل).
لكن خلف الكواليس، يرى محللون أن هذا التهديد لا يتجاوز كونه ورقة ضغط سياسية ورسالة موجهة لجمهور اليمين المتطرف، أكثر من كونه خطوة عملية تهدد بإنهاء الائتلاف الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو.
روتمان، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الفلسطينيين وبتحالفه الوثيق مع وزير ما يسمى الأمن القومي في حكومة الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير، لمّح إلى أن استمرار حزبه في الحكومة مرتبط بسياسات نتنياهو في الحرب على غزة، خصوصاً ما يتعلق بملف تبادل الأسرى وإمكانية وقف القتال.
في حين أن الواقع السياسي الإسرائيلي، كما يراه خبراء الشأن الإسرائيلي، لا يسمح بانسحاب حقيقي، خاصة أن سقوط الحكومة في هذه المرحلة سيؤدي إلى فراغ سياسي معقد، لا يملك أي طرف القدرة على ملئه.
المختص في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة، أوضح أن روتمان وحزبه، رغم انتقادهم الحاد لنتنياهو وعدم ثقتهم بآلية إدارة ملف الأسرى والدفعات التي تمت في التبادل، لن يقدموا على الانسحاب من الحكومة.
ووفق حديث جعارة لصحيفة 'فلسطين'، فإن السبب أن الانسحاب سيعني إسقاط الائتلاف الحاكم، وهو ما لا يرغب به قادة الصهيونية الدينية في الوقت الحالي.
وأضاف أن 'الفترة الحالية تشهد عطلة صيفية للكنيست تستمر ثلاثة أشهر، تتوقف خلالها الإجراءات التشريعية، وهو ما يمنح نتنياهو فرصة ذهبية لترميم شعبيته بعيداً عن الضغوط البرلمانية المباشرة'.
وأشار إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت أن 54% من الإسرائيليين يريدون انتهاء القتال، وهو ما يضع الحكومة في معضلة: الرأي العام يميل لإنهاء الحرب، لكن المؤسسة الأمنية والسياسية ترى أن وقف القتال دون ما تسمى 'هزيمة المقاومة' أو استعادة الأسرى من دون صفقة تبادل يُعتبر فشلاً.
ورأى جعارة أن تصريحات روتمان تهدف بالأساس إلى 'زيادة شعبية نتنياهو في معسكر اليمين'، لأن أي تهديد من حزب حليف يعزز صورة نتنياهو كقائد يصمد تحت الضغط. لكنه شدد على أن لا أحد من هذه الأحزاب مستعد فعلياً للانسحاب، إذ أن البديل سيكون انتخابات مبكرة قد تفرز خريطة سياسية أكثر تعقيداً، حيث تشير الاستطلاعات إلى عدم قدرة أي من الائتلاف الحالي أو المعارضة على تشكيل حكومة بأغلبية 61 مقعداً.
لعبة سياسية
من جهته، ذهب المختص بالشأن الإسرائيلي عليان الهندي إلى أن 'تهديدات الصهيونية الدينية تشبه مسرحية سياسية متفق عليها مع نتنياهو'، على غرار ما كان يفعله أريئيل شارون في السابق.
ويشرح الهندي لصحيفة 'فلسطين': 'هذه الأحزاب تقول لنتنياهو: إما أن تواصل الحرب أو ننسحب، بينما يعرف الجميع أنهم لن يغادروا الحكومة ما دامت تعتمد عليهم'.
ويؤكد أن الخلافات داخل (إسرائيل) بين أحزاب اليمين المتطرف ونتنياهو ليست مرتبطة مباشرة بالصراع مع الفلسطينيين، بل هي انعكاس لصراعات داخلية بين النخب السياسية حول السلطة والنفوذ.
وأوضح أن هذه القوى تضغط من أجل استمرار الحرب حتى لا يتفرغ الإعلام والجمهور لملفات الفساد وفشل السياسات الداخلية لنتنياهو، لكن هذه ليست الدافع الحقيقي لسياسة الإبادة ضد الفلسطينيين، التي وصفها الهندي بأنها 'قرار استراتيجي متخذ منذ بداية الحرب'.
ويستشهد الهندي بحادثة عام 1991 حين انسحبت قوى من الصهيونية الدينية من الحكومة، مؤكداً أن الظروف اليوم مختلفة تماماً، وأن الحزب لن يكرر هذه الخطوة، لأن مصالحه مرتبطة ببقاء الائتلاف.
حكومة بلا استقرار
ويشير الخبراء إلى أن حكومة نتنياهو الحالية تعاني من هشاشة شديدة، إذ تعتمد على أغلبية ضئيلة ومساندة أحزاب متطرفة تتبنى سياسات متشددة تجاه الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن هذه الهشاشة لا تعني قرب سقوطها، لأن البدائل المطروحة أكثر ضعفاً.
جعارة يرى أن نتنياهو لا يملك ترف أن يكون مثل مناحيم بيغين أو أريئيل شارون، اللذين قادا حكومات مستقرة بأغلبية واسعة. في المقابل، هو يواجه وضعاً سياسياً لا يسمح لأي طرف بالتحكم منفرداً في المشهد، ما يفرض عليه الاستمرار في تحالفات هشة ولكن ضرورية.
تجدر الإشارة إلى تصريحات سميحا روتمان عن احتمال انسحاب حزبه من الحكومة ليست مؤشراً على أزمة ائتلافية وشيكة بقدر ما هي جزء من لعبة سياسية هدفها تعزيز المواقع التفاوضية وكسب نقاط أمام جمهور اليمين. في الواقع، لا حزب الصهيونية الدينية ولا حليفهم إيتمار بن غفير مستعدان للمخاطرة بإسقاط الحكومة، لأن ذلك قد يفتح الباب أمام انتخابات مجهولة النتائج.
وبينما تستمر الحرب على غزة في استنزاف (إسرائيل) سياسياً واقتصادياً، يبقى الائتلاف الحاكم متمسكاً بوجوده، حتى وإن كان الثمن استمرار التوترات الداخلية ولعبة التصريحات النارية التي لا تتجاوز حدود المناورة السياسية.