اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٣ تموز ٢٠٢٥
تكشف خريطة ما تسمى 'إعادة التموضع' التي قدمتها دولة الاحتلال الإسرائيلي، خلال المفاوضات غير المباشرة الجارية في الدوحة، عن نوايا واضحة لتكريس واقع التهجير القسري والتطهير العرقي بحق أهالي قطاع غزة.
ووفقًا لخبيرين في الشأنين السياسي والقانوني، فإن هذه الخريطة تأتي في سياق خطة ممنهجة لتقطيع أوصال القطاع، وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين من حقهم في العودة إلى مناطقهم الأصلية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
الخريطة التي عرضها الوفد الإسرائيلي تتضمن ترتيبات ميدانية تُبقي كامل مدينة رفح تحت السيطرة العسكرية الاحتلالية، ما يشير إلى نية تحويلها إلى منطقة تجمع مركزية للنازحين بهدف دفعهم إلى الخروج القسري من القطاع، إما نحو الحدود المصرية أو عبر البحر.
وتشير تفاصيل الخريطة إلى نية الاستحواذ على شريط واسع داخل قطاع غزة، يمتد في بعض المناطق حتى عمق 3 كيلومترات، ويشمل مناطق واسعة في شمال القطاع وجنوبه ووسطه. فشمالًا، تمتد الخريطة لتشمل أجزاء كبيرة من بلدة بيت لاهيا، وقرية أم النصر، ومعظم بيت حانون. أما في الجنوب، فتضم كل بلدة خزاعة. وفي المنطقة الوسطى، تصل حدود السيطرة التي يحددها الاحتلال إلى قرب شارع صلاح الدين في دير البلح والقرارة، بينما في مدينة غزة تقترب الخريطة من شارع السكة في أحياء التفاح والشجاعية والزيتون.
وفقًا للمعطيات، فإن هذه الخريطة تقضم نحو 40% من المساحة الكلية لقطاع غزة، ما يعني منع حوالي 700 ألف فلسطيني من العودة إلى منازلهم، وفرض واقع جديد عليهم بالبقاء في مناطق النزوح، خاصة في رفح، التي قد تتحول إلى بؤرة ديموغرافية تمهيدًا لتهجير السكان خارج القطاع.
نية مبيتة للتهجير
الخبير في الشأن الإسرائيلي ومدير المركز الدولي للاستشارات وديع أبو نصار قال لصحيفة 'فلسطين': إن الخريطة التي طرحتها دولة الاحتلال في المفاوضات الجارية تشير بوضوح إلى وجود نية إسرائيلية مبيتة لتهجير سكان قطاع غزة قسرا، وفرض وقائع جغرافية وسياسية على الأرض تخدم مخططا أوسع لتفريغ غزة من أهلها.
وأضاف أبو نصار: '(إسرائيل) لا تتحدث عن انسحاب أو تسوية، بل عن تقطيع قطاع غزة إلى كانتونات محاصرة، والهدف النهائي من ذلك هو ترحيل السكان تدريجيا إلى خارج القطاع، سواء نحو سيناء أو عبر البحر. نحن أمام محاولة جديدة من دولة الاحتلال لفرض تطهير عرقي ممنهج على مرأى ومسمع العالم'.
وأكد أن هذه الخريطة، التي تُبقي مدينة رفح بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية، وتمنع نحو 700 ألف فلسطيني من العودة إلى منازلهم، ليست مجرد إجراء عسكري، بل جزء من خطة سياسية أكبر لتفجير البيئة السكانية والاجتماعية في غزة.
وأوضح 'ما يجري ليس مجرد إعادة تموضع مؤقت، بل بناء جدار جديد للنكبة، على أنقاض عشرات آلاف الشهداء ومئات الآلاف من النازحين. (إسرائيل) تمارس التطهير العرقي بشكل علني، وتجد من يتواطأ معها بالصمت أو الدعم، سواء إقليميا أو دوليا'.
وفيما يخص توقيت طرح الخريطة خلال المفاوضات غير المباشرة في الدوحة، اعتبر أبو نصار أن (إسرائيل) تضع العراقيل عمدا أمام إبرام أي صفقة وقف إطلاق نار وتبادل أسرى، مضيفا '(تل أبيب) تحاول خنق كل أمل في التوصل إلى حل قريب، عبر تصعيد ميداني من جهة، وفرض شروط سياسية مستحيلة من جهة أخرى. هذه الخريطة ليست للمفاوضات، بل للابتزاز'.
وحول احتمال أن تكون الخريطة محاولة لرفع سقف التفاوض، قال أبو نصار: 'من المحتمل أن (إسرائيل) تعرض هذه الخريطة كخطوة أولى لخلق صدمة تفاوضية، ومن ثم تقدم (ما تسميه) تنازلا جزئيا في جولات لاحقة لتبدو كأنها 'مرنة'. لكنها في الحقيقة تناور على حساب حقوق الفلسطينيين، وتستخدم الخريطة كسلاح تفاوضي لا كخارطة طريق' للتسوية.
وختم بالقول: 'المجتمع الدولي مطالب بعدم التعامل مع هذه الخريطة كجزء من مفاوضات مشروعة، بل كوثيقة إدانة جديدة لـ(إسرائيل)، التي تثبت مرة بعد مرة أنها دولة فصل عنصري وتطهير عرقي، تتصرف فوق القانون الدولي دون أي رادع'.
جريمة موصوفة
من جهته، قال مدير الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) وخبير القانون الدولي صلاح عبد العاطي، إن خريطة 'إعادة التموضع' الإسرائيلية التي طُرحت خلال المفاوضات الجارية، تشكّل جريمة موصوفة في القانون الدولي الإنساني، وتفتح الباب لتكريس واقع الفصل العنصري والتهجير القسري لسكان قطاع غزة.
وأوضح عبد العاطي أن 'ما تقترحه (إسرائيل) ليس إعادة تموضع عسكري مؤقت، بل تفتيتٌ منهجي للوحدة الجغرافية والديموغرافية لقطاع غزة، وفرض أمر واقع بالقوة، يتنافى بشكل صارخ مع اتفاقيات جنيف الرابعة، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية'.
وأضاف: 'الخريطة الإسرائيلية تقضم ما يقارب 40% من مساحة قطاع غزة، وتبقي نحو 700 ألف فلسطيني محرومين من العودة إلى منازلهم، وهو انتهاك مباشر للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري أو الترحيل الجماعي للسكان في الأراضي المحتلة، مهما كانت المبررات الأمنية أو العسكرية'.
وشدد عبد العاطي على أن النية الواضحة وراء هذه الخريطة هي تهجير السكان تدريجيا من رفح نحو سيناء أو البحر، في مشهد يذكر بنكبة 1948 ولكن بأسلوب عصري يُدار عبر المفاوضات وغطاء دولي هش.
وقال: '(إسرائيل) تمارس التهجير القسري كسلوك وسياسة دولة، وتعتمد على ضعف المحاسبة الدولية وتراخي المؤسسات الأممية، وتستغل انشغال العالم بالحرب لتغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي لغزة، وهو ما يشكل تطهيرا عرقيا وفق التعريفات القانونية المعتمدة دوليا'.
وحول آليات التصدي الفلسطيني لهذه الخريطة من منظور قانوني، دعا عبد العاطي إلى تحرك فلسطيني فوري ومنسق على كافة الجبهات القانونية والسياسية والدبلوماسية، مشيرا إلى أن الطريق لمواجهة هذا المخطط لا يمر فقط بالميدان، بل أيضا في قاعات المحاكم الدولية.
وقال: 'يجب على القيادة (في السلطة)، ومنظمات المجتمع المدني، توثيق كل وقائع التهجير القسري ومنع العودة، وتقديم ملفات قانونية مفصلة إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومجلس حقوق الإنسان، ومحكمة العدل الدولية، باعتبار أن ما يحدث جريمة تطهير عرقي وجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية'.
كما أضاف: 'لا بد من تفعيل أدوات الضغط عبر الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، لمساءلة (إسرائيل) على انتهاكاتها، ومطالبتها باحترام التزاماتها كقوة احتلال، ووقف جميع محاولات فرض أمر واقع بالقوة'.
وحث عبد العاطي على توظيف التحالفات الدولية مع منظمات حقوق الإنسان والمقررين الخاصين للأمم المتحدة لتشكيل جبهة قانونية دولية تُفشل تمرير هذه الخريطة الخطيرة.
واختتم تصريحه بالقول: 'هذه الخريطة إذا ما طُبقت، ستكون إعلانا رسميا بانتهاء ما تبقى من النظام القانوني الدولي، وستؤسس لسابقة خطيرة يُكافأ فيها المحتل على سياساته الاستيطانية والعدوانية. السكوت الدولي عن هذه الجريمة سيجعل من القانون الدولي أداة للضعفاء لا تطبق إلا عليهم'.
والجمعة، قال المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة د.إسماعيل الثوابتة: إن الاحتلال يرفض الانسحاب الكامل من قطاع غزة، ويتمسك ببقاء قواته في معابر رئيسية كممر فيلادلفيا و'نتساريم' وغيرها، في محاولة لإدامة السيطرة العسكرية وعرقلة أي اتفاق شامل يُنهي العدوان.