اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٨ تموز ٢٠٢٥
*يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِه*
(النساء: 46)
هدنة إنسانية؟
في قلب المجزرة، بين أنقاض الأطفال وأنين الأمهات، يُرفع شعار زائف: 'هدنة إنسانية'.
لكن، أيّ إنسانية تُستعار من بين أنياب الإبادة؟
وأيّ هدنة تُنسَج فوق جماجم الجوعى، وتُسفك تحت خيام الرماد؟
ليست هدنة، بل استراحة جلاد؛ يخلع فيها الاحتلال قفاز الدم ليُطهّر وجهه أمام الكاميرات، ثم يعود لمواصلة المجزرة بأدوات جديدة، بلا صراخ ولا دخان.
ما يُروّج له باسم “الهدنة” ليس وقفًا لإطلاق النار، ولا انتصارًا للإنسان، بل إعادة تموضع سياسي ودعائي.
إنها هدنة مفخخة تُسكِت العالم لتُعيد توجيهه، وتُهدّئ الساحات لتُفرغها من المتظاهرين، وتُلطّف الصورة ليُبرّأ الجلاد من دم ضحاياه.
**﴿مِنَ ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍۢ وَرَٰعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًۭا فِى ٱلدِّينِ﴾ (النساء: 46)
في قلب المعركة بين النور والظلام، وقف المحرّفون يلبسون الحق ثوب الباطل، يلوون النصوص ليدافعوا بها عن خياناتهم، ويخونوا بها الرسالة. لم يكن تحريفهم جهلًا، بل خيانة مدروسة، سلاحها الكلمة، وغايتها طمس الطريق.
لكن الكلمة الحقة لا تموت، والموضع الأصيل لا يُنسى.
فمهما حرّفوا، يبقى الحق ناصعًا، شاهقًا، لا يُزول بزور، ولا يُدجّن بخداع.
تحت لافتة 'الإغاثة'، تُدار ممرات الإذلال، حيث تُفصل الكرامة عن الجسد، ويُشترى البقاء بكيس دقيق.
وتُرمى المساعدات من السماء لتُلتقط من بين الركام، بينما يسقط من يلتقطها شهيدًا تحت مرمى القنص أو الجوع.
لم تُوقف هذه “الهدنة” نزيف غزة، ولم تُطفئ حرائقها، بل رتبت المشهد ليُصدَّر للعالم كمأساة 'إنسانية'، لا كجريمة إبادة.
لكن غزة، كما عهدناها، تقلب معادلات العار.
من سفن 'حنظلة' و'مادلين'، إلى قوافل 'الصمود'، خرج الضمير العالمي يهتف باسمها، فقطعت أنظمة التطبيع ألسنته، وأقفلت المعابر على الحلم، لا على الخطر.
تحوّلت مصر الرسمية من بوابة نجاة إلى شريك في الخنق، حتى صار النظام فيها—كما يعترف تقرأه مراكز دراسات أمريكية—ضامنًا لبقاء الحصار.
لقد تجاوزت الشعوب مرحلة الحزن والدعاء؛
ففي العواصم، لم تعد التظاهرات تطالب بفتح معبر فقط، بل بإغلاق سفارات ومحاسبة حكومات.
وبات الهتاف في الشارع يقول:
'افتحوا المعبر، أو سنفتحه بأيدينا'.
غزة اليوم لا تطلب طعامًا، بل تطلب حقًّا.
لا تطلب ماءً، بل كرامة.
تحوّلت من رقعة جغرافية إلى بوصلة أمّة.
اسمها يُلهب ميادين بيروت وعمّان، إسطنبول ونواكشوط، صنعاء وتونس.
لم تعد ساحة صراع فقط، بل صاعق التغيير ودمها بيان الثورة القادمة، والربيع العربي في جولته الثانية يولد من رحم غزة الصغير.
هذه 'الهدنة' ليست إنقاذًا لغزة، بل إنقاذ لماء وجه العالم المفضوح.
ليست لحظة رحمة، بل محاولة لإخماد لهيب الغضب الشعبي الذي اقترب من التحول إلى طوفان بشري قد يجتاح حدود الاحتلال.
فمن لم ينصر غزة اليوم، فقد خان القدس غدًا.
ومن صمت عن الحق، اصطفّ مع القتلة، وإن لبس عباءة 'الإنسانية'.