اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ حزيران ٢٠٢٥
إن انهيار الدولة العثمانية، وغياب رأس الأمة، وتجاهل الدول القومية لحاجات المسلمين ومسؤولياتهم الناشئة من طبيعة دينهم، ومن جهة أخرى المصير المشترك للدول الغربية ذات المواثيق السياسية والاقتصادية والاجتماعية يشكل أحد أكثر الأحداث مأساوية في التاريخ. ولم تكتف الدول الغربية، وخاصة إنجلترا، بتفكيك العالم الإسلامي في مقابل وحدتها، بل أرادت أن تمنع إمكانية التعافي والتوحد بغرس 'إسرائيل' كخنجر مسموم في وسط جغرافيتنا.
لقد قامت 'إسرائيل' بهذا الدور المنوط بها على أفضل وجه ممكن، ولم تحرج يوما ما أصحابها الغربيين. فالكيان الصهيوني الذي كان منذ اليوم الأول لتأسيسه هو الوكيل المعتمد للغرب في الشرق الأوسط، ابتز كل من هب ودب وبذل كل جهد ممكن لكي لا يهنأ يوم في هذه الأراضي.
ثمانون عامًا من الاضطهاد
لقد شكلت 'إسرائيل' التي تحتل الأراضي الفلسطينية أخطر عنصر يقوض آمال المسلمين في التوحد، ليس فقط في احتلالها للأراضي الفلسطينية. فحتى أبسط محاولات شعوب المنطقة لتقرير مصير مشترك تم تخريبها من خلال الانقلابات العسكرية والحصار الاقتصادي والاضطرابات الأهلية. وبصرف النظر عن كل ذلك، ارتكبت 'إسرائيل' ما شاءت من فظائع باعتبار نفسها فوق القانون، وأزهقت الكثير من الأرواح ظلماً، وحاولت أن تصبّ آلام المحرقة التي تعرضت لها في ألمانيا على المسلمين الفلسطينيين. نعم، إن الاحتلال الإسرائيلي ليس احتلالًا عسكريًا مجردًا، ولكنه تجلى أيضًا في فصل شعب عن هويته وثقافته. إن استمرار ثمانين عاماً من الاضطهاد بجرعة متزايدة وتصرف 'إسرائيل' وفق تعاليم التلمود هي خلاصة المشهد المؤسف الذي وصلنا إليه اليوم. للأتراك مثلٌ يقولون فيه؛ إن من لم يتعرض لكمة غيره يظن أن قبضته مطرقة ثقيلة. 'إسرائيل' في هذا الموقف بالضبط. وبعبارة أدق، لقد تم تهيئة الطريق لها للوصول إلى هذه النقطة وتم تسهيل عملها.
صمت العالم العربي والإسلامي على العربدة الصهيونية
لم تتجاوز ردة فعل العالم العربي والإسلامي على هذه العربدة الصهيونية التي دامت ثمانين عاماً حدود الإدانة والتعبير عن القلق. وبعبارة أخرى: كأن الحكام يرون إن المسلمين لا يستحقون سوى الكلام الفارغ. والأسوأ من ذلك أن بعض العواصم العربية أصبحت القاعدة الأساسية للتطبيع مع 'إسرائيل'. إن ما نشهده اليوم هو انعكاس لما قام به الإخوة الذين ألقوا بيوسف في البئر. إن صمت العالم العربي والإسلامي ومواقفه التي تقترب أحياناً من الخيانة، جعلت 'إسرائيل' أكثر انفلاتاً وتسببت في تنفيذ محرقة غزة دون أن تبالي بأحد.
نقطة مفصلية: 7 أكتوبر والتطورات الميدانية
بعد كل هذه القضايا والأحداث المخزية المذكورة تاريخيًا، كان من الطبيعي أن يكون طوفان الأقصى الذي بدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر نتيجة انفجار اجتماعي ونفسي. إذًا 7 أكتوبر ليس مجرد ”هجوم نوعي“. بل هو ردة فعل طبيعية لشعب تعرض لاضطهاد ممنهج. دمرت ردة الفعل هذه ما يسمى بعظمة إسرائيل أمام العالم أجمع. ومنذ ذلك اليوم 'إسرائيل' تنتقم من أولئك الذين وضعوا حدًا للقمع الذي تمارسه منذ ثمانين عامًا دون أن تلتفت إلى أحد.
بالإضافة إلى هذه الأحداث، فقد تم التشكيك في شرعية 'إسرائيل' على الساحة الدولية، وتغير ميزان الردع، ووقفت المجتمعات الغربية خاصةً ضد هذا القمع، على عكس الحكومات. واليوم، يُنظر إلى 'إسرائيل' وكل إسرائيلي ككيان غير مرغوب فيه ومنبوذ في جميع أنحاء العالم. لقد فهم الجميع حقيقة 'إسرائيل' القاتلة التي حاولت الخداع بعملية التطبيع واتفاقات إبراهيم، وانكشفت أحقية المقاومة كخيار مشروع.
لا تكونوا كالخراف التي تنتظر دورها أمام الجزار!
بعد كل هذه الأحداث، لا أحد يملك رفاهية القول ”دع الأفعى التي لا تمسني تعيش ألف عام“. لا تفرق الغطرسة واللصوصية الصهيونية بين غزة وبيروت، ودمشق وبغداد، وصنعاء وطهران. إن رد إيران المحق على الاعتداءات الغادرة عليها هو نقطة تحول استراتيجي هام ومهم. لقد بدأت بداية النهاية للظالمين. وبالنظر إلى حقيقة أن التوسعية الصهيونية تهدد حاضر الأمة ومستقبلها على حد سواء، ينبغي استغلال هذه الفرصة بشكل جيد. ولا شك أن 'إسرائيل' في حالة انتصارها المحتمل على إيران ستستهدف الدول العربية والإسلامية الأخرى واحدة تلو الأخرى. وبدلًا من أن تكون هذه الدول كالخراف التي تنتظر دورها في الذبح، لا بد من الوقوف على قدميها من الناحيتين الاستراتيجية والأخلاقية معًا والضرب بيد واحدة على الصهاينة.
العالم الإسلامي لديه البنية التحتية لتحويل الأزمات إلى مكاسب. ولا ينبغي تجاهل قدرة الشعوب على تحويل هذه العملية الخطيرة إلى مكسب للأمة دون خوف أو قلق، ولا ينبغي تجاهل إمكانية تحويلها إلى مكسب. إن كل خطوة تخرج عبارة الوقوف إلى جانب إيران من الأقوال وتضعها موضع التنفيذ، ستكون أعظم عمل من شأنه أن يقوض مخططات الصهاينة لتدمير العالم الإسلامي.