اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٧ أيلول ٢٠٢٥
بقلم: د. صبري صيدم
مع تنامي التفاعل الأممي المتأخر مع موضوع الإبادة الجماعية في فلسطين، وبروز الجهد الواضح لمجلس حقوق الإنسان وصدور المواقف المتعددة في هذا السياق، كان من المهم اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي لتوصيف هذا التفاعل، خاصة في سياق اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.
إليكم ما تم حصره كما هو دونما تعديل:
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، تصاعدت الأصوات الحقوقية الدولية، التي تطالب بتحقيق موضوعي في مدى توافق ممارسات إسرائيل مع التزاماتها الدولية، لاسيّما مع اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها لعام 1948. وقد بدأ مجلس حقوق الإنسان واللجان التابعة له، فضلاً عن هيئات مثل المحكمة الدولية، بمناقشة هذه التّهم بجدية متزايدة، مع التركيز على عنصر ما يعرف بالنيّة الخاصة والأفعال المادية المُدرجة في المادة الثانية من الاتفاقية.
وتنص اتفاقية منع الإبادة ومعاقبة مرتكبيها، على أن جريمة الإبادة تحدث إذا ارتكبت أفعال مادية ضد مجموعة محلية، أو إثنية، أو عرقية أو دينية، مع النية الخاصة لتدمير تلك المجموعة كليا أو جزئيا. من هذه الأفعال: القتل، إلحاق أذى جسيم أو نفسي، إحداث ظروف حياة محسوبة لإبادة المجموعة، منع المواليد داخلها، أو نقل الأطفال بالقوة إلى مجموعة أخرى. عدة تقارير مستقلة ومُنظمات حقوقية، ومنها هيومن رايتس ووتش وأمنستي إنترناشيونال، وكذلك تقرير مفوضية التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، لدى مجلس حقوق الإنسان، جمعت أدلة على أفعال تتصل غالبا ببنود المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، على سبيل المثال:
* حرمان السكان من غاز الطهي ومن الماء الصالح للشرب والصرف الصحي، والكهرباء والوقود، ما يجعل مرافق المياه والصرف لا تعمل، ما أدى إلى أمراض وانتشار العدوى. هذا يُدخل ضمن “إحداث ظروف حياة محسوبة لإبادة المجموعة جزئياً”.
* التدمير الواسع للمنازل والمرافق الصحية والمدارس والبنية التحتية المدنية، والنزوح القسري لكثير من السكان.
* تصريحات من بعض المسؤولين الإسرائيليين تُظهر لغة تحريضية أو تُعبّر عن رغبة بأن تصبح أجزاء من غزة غير صالحة للعيش، أو أن يحيا سكانها في ظروف لا تمكنهم من البقاء. هذه التصريحات تُستخدم في بعض التحليلات لإثبات النيّة الخاصة المطلوبة قانونياً. الجانب الأصعب في أي ادعاء بالإبادة، هو إثبات النية الخاصة لتدمير المجموعة، أو جزء منها، لأن الكثير من الأفعال الحربية تُبررها الحكومات تحت مبررات أمنية، مكافحة الإرهاب، أو الأهداف العسكرية. ولكن التحليلات القانونية أثبتت أن بعض الأفعال وسياقها والتصريحات الرسمية، تشير إلى أن النيّة الخاصة قد تكون موجودة.
* إجماع عدة هيئات حقوقية على أن الأفعال التي تُرتكب بشكل منهجي ومنظم، وليس فقط كرد فعل على هجمات، تُشير إلى سياسة مُمَرَّسة تستهدف التدمير الجزئي.
* المحكمة الدولية وفي أمرها الأولي بتاريخ 26 يناير 2024، ألزمت إسرائيل باتخاذ كل التدابير لمنع حدوث أفعال تقع ضمن اتفاقية الإبادة، مثل منع الوصول إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية للسكان المدنيين.
مع ذلك، توجد تحديات جوهرية في جعل هذه التهم مقيدة قانونياً أمام محكمة دولية:
1ـ عبء الإثبات: يجب إثبات النيّة الخاصة بما يفوق الشك المعقول، وهذا صعب للغاية، خصوصاً عندما تُقدم مبررات أمنية أو ادعاءات بأن الضرر كان نتيجة “خطأ أو إخلال بالقانون الإنساني الدولي” وليس عمداً.
2 ـ التمييز بين الأفعال المتصلة بالحرب وتلك التي تُشكّل إبادة: ينبغي التفرقة بين الجرائم الحربية أو جرائم ضد الإنسانية، وجريمة إبادة تتطلب نية التدمير كهدف أساسي.
3 ـ الامتثال بالإجراءات القانونية الدولية: مثل جمع الأدلة، السماح بإجراء تحقيقات مستقلة، وقبول اختصاص المحاكم الدولية. إسرائيل نفت مرارا الاتهامات، أو رفضت الادعاء بأنها تنتهك اتفاقية الإبادة، معتبرة أن استخدامها للقوة يستند إلى الحق في الدفاع.
بناء على الأدلة المتاحة وتحليل الوضع من منظور اتفاقية منع الإبادة الجماعية، يمكن القول، إن هناك أساسا قانونياً قوياً للاعتقاد بأن بعض أفعال إسرائيل في غزة تُشكّل أفعالاً من بنود المادة الثانية: القتل، التسبب في ضرر جسيم نفسي وجسدي، وإحداث ظروف حياة محسوبة للتدمير الجزئي. كما أن تصريحات بعض المسؤولين والسياسة العامة المعتمدة، تعزز فرضية النيّة الخاصة، وهو العنصر المفتاح لجريمة الإبادة. لكن، حتى الآن، لم يصدر حكم قضائي نهائي بخصوص جريمة الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية 1948، ونجاح أي دعوى دولية يعتمد على مدى قوة الأدلة التي تجمعها الهيئة القضائية، من حيث المادة والنية، ومدى التعاون الدولي والمحلي.
إن تثبيت ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة الجماعية، لن تكون بمثابة الإدانة القاطعة لها فحسب، بل إدانة لكل من آزرها وتساوق معها ومدها بالسلاح والفيتو والغطاء السياسي وحتى الدعم المعنوي والإعلامي، فهل نرى تلك الإدانة قريباً؟ ننتظر ونرى.
[email protected]