اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢٨ أيلول ٢٠٢٥
الكاتب: السفير حكمت عجوري
قبل اكثر من خمسة وعشرين سنة كتبت مقال نشرته في صحيفة القدس المقدسية بعنوان 'تحية لنتنياهو' وذلك بعد انتخابه رئيس للحكومة في اسرائيل لاول مرة سنة 1996 ببرنامج انتخابي يقوم على قتل السلام الذي كان يحمله اتفاق اوسلو بين ثناياه وهو ما ذكره في كتابه 'مكان تحت الشمس' وسبب شكري لنتنياهو لم يكن بسبب عدائي للسلام لا سمح الله ولكن بسبب انتخاب هكذا يميني متطرف للحكم ، حيث كان سيوفر باعتلاءه العرش الصهيوني على الضحايا الفلسطينيين الجهد لضحد وتحدي الرواية الصهيونية امام حلفاء اسرائيل وتحديدا الديمقراطيات الغربية لانه بممارساته وعداءه للسلام سوف يكشف لهؤلاء شعوبا وحكومات كيف ان هذه الرواية مكتوبة بحبر الكذب والخداع وهي عنصرية بطبيعتها ولكن ومن اجل تمريرها للعقل الغربي استثمرت الصهيونية كثيرا في الحس الانساني الغربي وعقدة الذنب بسبب ما لحق باليهود من المحرقة النازية الذين فروا بسببها الى فلسطين ليرتكبوا فيها المجازر الواحدة تلو الاخرى بحق سكانها الشرعيين .
ولكن للاسف اصطدم تفاؤلي هذا بحائط عقدة الذنب هذه التي سببتها محرقة هتلر على الرغم من ان تفاؤلي هذا كان له اسبابه ومنها ان انتخابه كيميني متطرف لرئاسة الحكومة في اسرائيل جاء بعد تحريض غير انساني وبشع من قبله كان قد نشره في كتابه المذكور انفا ضد رابين الذي كان الوحيد من بين زعماء اسرائيل الذي فتح طاقة امل سلام بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي لانهاء عقود من الصراع باتخاذه قرار التوقيع على ما عرف في حينه بسلام الشجعان مع زعيمي الشعب الفلسطيني الشهيد الراحل عرفات والرئيس الحالي ابومازن على مرأى ومشهد العالم كله.
الى ما سبق اضيف بان اغتيال رابين على يد الارهابي الصهيوني يغال عمير وهو من اتباع نتنياهو كان بمثابة اغتيال لفكرة السلام الامر الذي فسح المجال للتطرف الصهيوني لايصال نتنياهو لسدة الحكم، خصوصا وان العالم الذي شهد على اتفاق السلام والمصافحة الشهيرة بين عرفات ورابين سنة 1993 في البيت الابيض، هذا العالم بغباء او عدم اكتراث اعتبر ان اغتيال رابين حادثا فرديا بحيث تم غض الطرف من قبل الجميع وتحديدا حلفاء اسرائيل من الجزء الغربي للعالم عن خطورة صعود نتنياهو المتطرف على السلام والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط وبدون اي رادع لثنيه عن المضي في برنامجه التدميري لحل الدولتين الذي كان يمارسه طيلة فترات حكمه المتعددة و تحت غطاء من التسويف والكذب وخلق الذرائع كشبكة دخان لغاية ان وصل به الامر الى حرب الابادة والتطهير العرقي التي ما زالت تدور على ارض غزة الفلسطينية والتي قال عنها الامين العام للمنظمة الاممية السيد غوتيريش ان لا شيء يبررها .
نتنياهو شخصية سياسية نادرة تجمع في تكوينها ما بين النرجسية والعنصرية والتهور ونقض العهود وهذا كله يغلفه بغطاء محكم من الكذب والخديعة وهو ما مكنه من خداع كل قادة العالم طيلة فترات رئاسته وخداعه لشعبه لدرجة انه اصبح يفودهم الى الهاوية وبرضاهم بسبب عملية غسل الدماغ التي مارسها عليهم بشكل متواصل ومنذ اليوم الاول لاستلامه الحكم بحيث تمكن اخيرا من خلق مجتمع بمعظمه متطرف وعنصري وكاره لكل من هو غير يهودي مع ان عدد اليهود لا يتجاوز 20 مليون في عالم يسكنه 8 الاف مليون شخص.
خطاب نتنياهو يوم الجمعة في قاعة الجمعية العامة لمنظمة الامم المتحدة التي كانت خاوية الا من بعض الغِربان وما ورد في هذا الخطاب من اكاذيب ومزاعم لم تحرك اي شعرة من اي من ممثلي دول العالم الذين غادروا القاعة رافضين حتى الاستماع لخطابه التضليلي لعدة اسباب اهمها ان العالم كله يعرف بان المتحدث الواقف على المنصة هو مجرم حرب وما زال مطلوب لمحكمة الجرائم الدولية والثانية انه مطلوب للقضاء في بلده وهو ان فلت من احد القضائين فهو لن يفلت من الثاني بمعنى ان مصيره السجن شاء ام ابى.
خطاب نتنياهو خجل منه حتى ابناء جلدته في المعارضة الصهيونية لانهم يعلموا قبل غيرهم كم الكذب والتلفيق الذي احتواه الخطاب تبريرا لجرائمه التي اقترفها دفاعا عن مصالحه الشخصية وليس شعبه.
لم يعد سرا حتى في اوساط اليهود في اسرائيل وخارجها بان نتنياهو على استعداد لتدمير كل من يقف في وجهه حتى ان الكيان الذي يحكمه ،اسرائيل، اصبح بسبب جرائمه كيان معزول ومنبوذ في العالم كله وذلك كله في سبيل مصالحه الخاصة ولا ادل على ذلك هو حرب ابادته الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة والتي تفوقت في بشاعتها على المحرقة النازية امام مرأى العالم خصوصا وان من يرتكبها هم ابناء واحفاد الناجين من هولوكوست هتلر.
حرب الابادة الجماعية الصهيونية التي ما زال يخوضها نتنياهو لاكثر من سنتين على ارض غزة اثارت الذعر في كل شعوب الغرب بسبب بشاعتها و بعد ان تم تم تضليل هذا الغرب صهيونيا على مدى عقود بسبب الة الدعاية الصهيونية التي استغلت كثيرا كما اسلفت عقدة الذنب لدى شعوب الغرب بسبب اهوال الهولوكوست النازية والتي حصنتها الة الدعاية الصهيونية بسيف العداء للسامية على مدار السنين التي سبقت السابع من اكتوبر.
السابع من اكتوبر وطوفانه وعلى الرغم من انه لم يحدث من فراغ كما قال السيد غوتيريش وهو على حق فيما قاله الا انه ومع ذلك كان بمثابة هدية سماء لنتنياهو استخدمه مفتاح لنجاته من القضاء الاسرائيلي الذي كان على وشك ان يطبق على رقبته ويجره الى مكانه الطبيعي وهو السجن بسبب الجرائم التي ادانه بها هذا القضاء من خيانة امانة ورشى وشراء ذمم بعض المنصات الاعلامية التي مكنته من الفوز في الانتخابات المتعاقبة وفي نفس الوقت استغله لتحقيق هدف صهيوني استراتيجي وهو التطهير العرقي للفلسطينيين في غزة ومخيمات الضفة ومعظمهم من اللاجئين الذين هجرتهم العصابات الصهيونية من ديارهم في حرب النكبة الاولى سنة 1948 لاقامة كيانهم الصهيوني على اطلالها.
ما سبق يوضح بان اعتراف دول وازنة مثل بريطانيا وفرنسا وكندا واستراليا وغيرها لم يكن على الاطلاق مكافأة لحماس وانما سببه عودة الوعي للانسان الغربي في هذه الدول حيث استفاق الناس في الغرب على اهوال حرب الابادة في غزة ليكتشفوا ولو متاخرا بان الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط 'اسرائيل' المزعزمة هي مجرد بدعة وكذبة كبيرة والحقيقة هي انها الدولة الارهابية الوحيدة في الشرق الاوسط وهي الدولة الوحيدة التي اصبحت تهدد السلام والامن الدوليين خصوصا بعد اعتدائها على دولة حليفة للولايات المتحدة وهي قطر وكان قد سبقها الاعتداء على خمس دول اخرى في المنطقة.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية جاء استجابة للضغط الشعبي في الغرب اضافة الى انه استحقاق سياسي واخلاقي طال انتظاره وفي نفس الوقت هو تعبيرعن احترام هذه الدول لنفسها واحترامها للشرعية الدولية وقوانينها التي لطالما ضرب نتنياهو بهما بعرض الحائط وهو ما يجعلني على يقين بان توقيت الاعتراف الان يعتبر رسالة ردع لمجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية 'نتنياهو' واحتراما من قبل زعماء هذه الدول الديمقراطية لمطالب شعوبهم الذين ما زالوا يخرجون للشوارع بالملايين في كل عواصم الغرب ومدنه مطالبين حكوماتهم بالالتزام بالقيم التي تم انتخابهم بموجبها واساسها حقوق الانسان واينما كان.
الاعتراف بالدولة الفسطينية مثمن جدا لكل من اتخذه او ساهم في اتخاذه مع انه جاء متأخرا وذلك بسبب انصياع انظمة الغرب الرسمية للضغوطات التي كانت وما زالت تمارسها الحركة الصهيونية على هذه الانظمة التي ساهمت الى حد كبير في اقامة اسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية وعلى حساب الشعب الفلسطيني كحل لمشكلة العداء للسامية التي كانت مستعصية في اوروبا قبل الحرب الثانية وايضا بسبب عقدة الذنب التي خلفتها المحرقة النازية بحق يهود اوروبا والذي حولته الحركة الصهيونية الى حالة من الابتزاز المتواصل لهذه الانظمة الغربية ولكن هذا الاعتراف في اعتقادي يعتبر اعلان بنهاية هذا الابتزاز.
ختاما ولكل من يعتقد بان الاعتراف بدولة فلسطين هو مكافاة لحماس اعيد ما قاله بن غوريون بانه لولا الهولوكوست النازية لما قامت دولة اسرائيل وانا اقول لهؤلاء ايضا ومنهم نتنياهو بانه لولا الهولوكوست الصهيونية التي يمارسها نتنياهو شخصيا في غزة لما تم الاعتراف الغربي الان بدولة فلسطين بمعنى ان قرار الاعتراف هذا هو في الحقيقة انتصارا بامتياز للانسانية وللسلام على ارض فلسطين التاريخية.