اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سما الإخبارية
نشر بتاريخ: ٤ أيار ٢٠٢٥
يجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر (الكابنيت) اليوم الأحد من أجل المصادقة على استدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط للخدمة العسكرية خلال 48 ساعة، وعلى خرائط وخطط عسكرية لحملة عسكرية جديدة على قطاع غزة، بعد فشل الحملة المتوحشة “شجاعة وسيف”، وسط حالة تململ وتساؤلات في إسرائيل عن المبررات والغايات وعن مصير المحتجزين.
على الأرض، بدأ أمس جيش الاحتلال فعلياً باستدعاء مجموعات أولى من الاحتياط لاستبدال الجيش النظامي في عدة جبهات، خاصة داخل قطاع غزة.
في التزامن، سمحت الرقابة العسكرية اليوم بالنشر عما تم تسريبه أمس عن مقتل جنديين وإصابة أربعة جنود بجراح بالغة داخل قطاع غزة في حادثتين منفصلتين، فيما نشرت “حماس” شريط فيديو جديداً لأحد الجنود الأسرى يستغيث طالباً السعي للإفراج عنه، وهذا ما دعت له مظاهرة كبيرة في تل أبيب، الليلة الفائتة، بمشاركة عشرات آلاف الإسرائيليين الذين بدوا في وادٍ وحكومتهم في وادٍ آخر.
وتوضح مصادر إعلامية إسرائيلية أن الخطة العسكرية الإسرائيلية تهدف لاحتلال المزيد من الأرض داخل القطاع وحشر المدنيين في رقعة صغيرة، علماً أن الاحتلال يسيطر اليوم بالكامل على 35% منه، منوهة أن المستوى السياسي سيقرر في موضوع المساعدات الإنسانية من خلال نقاط فحص وتوزيع غذاء ودواء عبر شركة أمريكية تشرف على التوزيع وبمشاركة شركات مدنية، ولكن الجيش يرفض تحمل المشاركة في التوزيع مع الحرص على عدم سيطرة “حماس” عليها.
يشار إلى أن نتنياهو يدفع نحو الضغط العسكري على “حماس” ومنعها من الحصول على المساعدات، فيما يطالب سموتريتش باحتلال القطاع وبناء حكم عسكري، وهكذا حسم “حماس”. فهل سيختلف العدوان القادم عن الماضي؟
نتنياهو تنازل عن الأسرى
يجري كل ذلك وسط استمرار حالة شلل في مساعي الصفقة بين إسرائيل و”حماس” منذ أن كان نتنياهو قد عطّلها برفضه، قبل نحو الشهرين، الدخول في المرحلة الثانية منها، وهو عملياً ما زال يعطلها ويدفع نحو مواصلة الحرب على غزة بدوافع سياسية، وفق اتهامات كثيرة توجه له من قبل مراقبين إسرائيليين.
“هناك هدف أعلى للحرب وهو الانتصار على حماس”، قال نتنياهو قبل ثلاثة أيام، مشيراً بذلك إلى تنازله عملياً عن بقية الأسرى الإسرائيليين، وسبقه وزير الشؤون الإستراتيجية رون درمر، الذي نطق من حنجرة نتنياهو بقوله، قبل ذلك، إن الحرب ستنتهي بعد عام.
في محاولة متكررة، انتقل نتنياهو كعادته من الدفاع إلى الهجوم بتوجيه الاتهامات لقطر، داعياً إياها أن تختار طرفاً بدلاً من العمل كوسيط والانحياز لجانب “حماس” في ذات الوقت، والدوحة ترد عليه وتؤكد أن نتنياهو يحرّض، فيما قالت جهات مصرية إنها خائبة من مواقف إسرائيل التي رفضت مقترحاً مصرياً جديداً رغم أن الإدارة الأمريكية تنظر له بإيجابية، وفق مصادر إعلامية إسرائيلية.
تهديدات بن غفير
من جهته، أعرب وزير الأمن الداخلي، العائد من زيارة للولايات المتحدة، إيتمار بن غفير عن سعادته بالقرار بتصعيد جديد للحرب على غزة، وقال للإذاعة العبرية الرسمية، اليوم الأحد، إنه ينبغي حسم “حماس”، كما فعل الحلفاء مع النازيين، مع استخدام القوة القصوى وتفجير بقية مستودعات الغذاء داخل القطاع ومواصلة الحصار وتجويع الغزيين حتى النصر المطلق.
لكن عدداً كبيراً من المراقبين في إسرائيل يبدون تحفظهم من الرهان على القوة، ويشككون في جدوى الحرب، ويستبعدون احتمالات النصر المطلق، ويخشون من مقتل الأسرى، متهمين نتنياهو بحسابات سياسية خلف قرار مواصلة الحرب.
في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، يقول الجنرال في الاحتياط نوعم تيبون، اليوم، إن الحكومة تسير باتجاه معاكس لرغبة الإسرائيليين الراغبين بصفقة تبادل الآن تعيد كل الأسرى دفعة واحدة، معتبراً أن شعار “القضاء على حماس” يهدف للتغطية على “حرب سياسية”.
ويضيف عن حالة التململ الداخلي: “إن استدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط مع إعفاء الحريديم من الخدمة في حرب غير مبررة ينتج مشكلة صعبة. الضغط على حماس لا يحقق الهدف، بالعكس؛ فالحرب ربما تقتل الرهائن وهم في حالة صحية صعبة أصلاً”.
وقال قائد سلاح البحرية سابقاً، الجنرال في الاحتياط تشايني ماروم، للإذاعة ذاتها: نحن أمام روايتين.. احتلال القطاع وإقامة حكم عسكري وتحويله لجهة أخرى لاحقاً، وهنا يوجد 59 أسيراً… لن يعودوا على ما يبدو. وهناك رواية ثانية تقول إننا انتصرنا على “حماس” عسكرياً، وهم مستعدون للتنازل عن الحكم، وليس عن السلاح الخفيف، ومستعدون لصفقة وإنهاء الحرب: هناك من يدعي أن هذا يفتح الباب أمام سابع من أكتوبر جديد.
الحكومة تريد احتلال القطاع، ولكن على المدى البعيد لن ننجح بالسيطرة على كل القطاع… فهذه عبرة “السور الواقي” في الضفة الغربية، فبعد عقدين ونيف من الحملة العسكرية الكبرى، ألا يوجد “حماس” ولا يوجد إرهاب في الضفة؟
وبعكس مزاعم المستوى السياسي، يؤكد ماروم أنه لا توجد في القطاع دولة ولا حاجة لحسم عسكري هناك، معتبراً أنه في الضفة الغربية هناك دولة رغم أننا نحاصرها.
ويضيف: “المساعدات الإنسانية ستدخل خلال أسبوعين للقطاع، ولا أحد يعلم حقاً إذا كان بالإمكان منع “حماس” من السيطرة عليها، فهي ستستولي على المخازن. القانون الدولي سيجبرنا على إدخال المساعدات”.
العودة للواقع
تحت عنوان “العودة للواقع”، يشير المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع إلى أن الضغط العسكري الجديد يأتي بعد فشل عملية “شجاعة وسيف” في إملاء اتفاق صفقة بشروط إسرائيلية على “حماس”، بعدما كان نتنياهو قد عطّل الصفقة السابقة برفضه، قبل نحو الشهرين، الانتقال للمرحلة الثانية منها، وهي سياسية الطابع تشمل مداولات حول إنهاء الحرب والانسحاب من القطاع.
وينتقد المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل الرهان مجدداً على الخيار العسكري، وينوّه أن حكومة نتنياهو تصعّد اللهجة ضد “حماس” على خلفية خلافات داخلية في إسرائيل حول أهداف الحرب، ووسط تحفظات جنود الاحتياط المتعبين.
كما يقول هارئيل إن إسرائيل لم تستعد أسيراً واحداً بعد 50 يوماً من القصف، ويتهم نتنياهو بالسعي للحفاظ على أجواء حرب في أكبر عدد ممكن من الجبهات في ظل إخفاقات متتالية لحكومته.
وعلى غرار عدد من المحللين والمراقبين الإسرائيليين، يرى هارئيل أن التدخل الإسرائيلي المتزايد في سوريا يثير قلقاً من احتمال نزاع إضافي، ومن تآكل وإرهاق القوات التي تقاتل على عدد زائد من الجبهات.
اليائسون في إسرائيل
ويتفق معه المحلل السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر، الذي يقول ساخراً إن نتنياهو يعدنا بالمزيد من النيران مع تبعاتها الاقتصادية السلبية، وإن حديث درمر عن نهاية الحرب بعد عام يعني أنه تنازل عن المحتجزين… مثله مثل معلمه نتنياهو يضلل ويُناور ويعطل الصفقة.
ويمضي شيفر في تصوير حالة الإحباط السائدة في إسرائيل: “سألني المرة على ساحل البحر في تل أبيب أمس؛ إلى أين نحن ذاهبون؟” عن ذلك يقول شيفر إنه لا يعلم، ويضيف: “بوسع الإسرائيليين أن يجدوا ضالتهم، في ظل حالة الفوضى وعدم الوضوح وفقدان اليقين، بالفيلسوف جلال الدين الرومي، الذي قال قبل قرون: ارفع مستوى كلماتك، ولا ترفع صوتك، فالمطر هو الذي يُنبت الورود، وليس الرعد، مثلما قال أيضاً إن ‘الطريق معروفة للجميع، لكن قلائل فقط يسلكونها’. جوابي لحالة اليأس واليائسين في إسرائيل: انهضوا وتوقفوا عن بكائيتكم وعبّروا عن مواقفكم، واعملوا ما بوسعكم لتغيير الواقع ووقف حالة الجرف التي نتعرض لها”.
مصيدة الموت… اسمها الدولة الواحدة
ويذهب زميله المحلل السياسي البارز بن درور يميني للمستقبل الأبعد من الحرب بالتحذير من نشوء واقع الدولة الواحدة، واصفاً إياه بمصيدة الموت.
وعن ذلك يتابع: “أرادت حماس إدخالنا لمصيدة الدولة الواحدة من البحر للنهر، وهذا ما يدعو له اليسار المتطرف الكاره لإسرائيل في الجامعات العالمية، وهذا بالضبط ما يقوم به اليمين الصهيوني الذي يلحق الضرر بالصهيونية برغبته ألا تنتهي الحرب من أجل بناء نقاط استيطانية واحدة تلو الأخرى. بحال تحقّقت هذه الرؤية أو هذا الكابوس سيتحّول اليهود إلى أقلية سريعاً جداً. اليمين الصهيوني المتشدد يريد احتلال القطاع من أجل أن يفرض علينا ما فشل في الاتحاد السوفياتي، يوغسلافيا، السودان، في كل مكان فيه تعدد قوميات”.
لواء احتياط إسرائيلي:'حرب نتنياهو الثانية' في غزة عبث سياسي بلا غاية وتضحية مجانية بالجنود.
فيما قال اللواء احتياط يسرائيل زيف: 'في حرب فيتنام، كان الأمريكيون مقتنعين بتفوقهم العسكري. شعروا بأنهم لا يُقهرون بعد أن انتصروا في حرب عالمية طويلة وصعبة على الألمان واليابانيين. تفوقهم التكنولوجي على الفيتكونغ كان هائلًا، وحجم قوتهم وقدرتهم التدميرية فاق الفيتناميين بأشواط. لكنهم كانوا أسرى الغرور والجنون أمام الشيوعية. ظلوا يعتقدون أنهم على بعد خطوة من النصر – يحتاجون فقط إلى المزيد من القوة، المزيد من الجنود، المزيد من الوقت، المزيد من الأراضي. رغم أن الرئيس ليندون جونسون والجنرال ماكنمارا فهما لاحقًا حجم المشكلة، استمروا بالكذب على الرأي العام المحلي. وهكذا، بينما كانوا 'على بُعد خطوة من النصر'، سارت الإمبراطورية خطوة تلو الأخرى نحو مستنقع عميق غاصت فيه حتى النهاية. وخرجت منه ذليلة بقيادة الرئيس الرابع للحرب، جيرالد فورد، بعد 18 عامًا من النزيف والمهانة.
القصة تتكرر في عشرات الأحداث عبر التاريخ، ولم تتجاوزنا نحن أيضًا. تورطنا في لبنان 18 عامًا، علِقنا في غزة 40 عامًا حتى فك الارتباط، وحتى في الضفة الغربية، يستمر غياب الحسم الأمني منذ 58 عامًا.
رغم أن وضعنا مختلف، إلا أننا غارقون في إنكار مشابه – هذه المرة وعيوننا مفتوحة على اتساعها. جوهر هذا الإنكار يتمثل في وهم أن استمرار الحرب سيحقق نصرا مطلقا على حماس، حرب انتهت عمليًا بحسم التنظيم كهيكل وظيفي، فالتهديد الأمني الذي يشكله على إسرائيل ضعيف. حماس حاليًا مجرد مجموعة، هدفهم البقاء وتنفيذ ضرر محدود من حين لآخر. أي عمل عسكري ضخم الآن لا علاقة له بالحسم.
وأضاف: 'إن التحرك الآن نحو 'جولة حرب ثانية' في غزة، هو عبث لا مبرر له، إنها 'حرب نتنياهو الثانية'، بعد أن احتللنا غزة مرة، فككنا بنيتها العسكرية، دمّرنا ثلاثة أرباعها وقتلنا الآلاف، لا شيء مما نفعله الآن سيضيف إلى الإنجازات، وللأسف لا شيء سيعيد الأسرى.
نحن ذاهبون مجددًا إلى حرب بلا غاية، فقط ليتمكن نتنياهو من إعلان 'لقد انتصرنا' في لحظة يراها ملائمة سياسيًا، هذه حرب غير مبررة وبدون توافق وطني.
في هذه الأثناء، يحاول نتنياهو أن يمنح هذه الحرب صورة 'حرب استقلال'، لتخدم حملته الانتخابية المقبلة، بينما يُقلّل من أهمية ملف الأسرى، هذه خطوة بائسة، تعزز حماس التي كانت قد انهارت، وتمنحها صورة 'بطل إقليمي' لم تستطع إسرائيل هزيمته منذ زمن طويل.
لهذا المسار، يُجنّد نتنياهو رئيس الأركان، إيال زمير، الذي بدلًا من أن ينشغل بإعادة تأهيل الجيش المرهق والمثقل بعد حرب طويلة، أقنع نفسه بأنه قادر على تحقيق نتيجة أفضل من سلفه. هو يجرّ خلفه دولة كاملة نحو مأزق حرب لا هدف لها، لا تعريف، لا رؤية ولا موعد للانتهاء. هذه حرب ستقضي على ما تبقى من الإنجازات ولن تحقق أي نصر.