اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة مصدر الإخبارية
نشر بتاريخ: ١٣ تموز ٢٠٢٥
وكالات – مصدر الإخبارية
بعد وقت وجيز من شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه الشاملة على أوكرانيا، وضعت شركة روسية مغمورة، تقع على بُعد آلاف الأميال، خطة للتعاون مع شركات صينية بهدف معالجة أحد أكثر التحديات إلحاحاً التي واجهها الجيش الروسي الغازي، وهو تأمين طائرات مسيرة قتالية كانت تحولاً جذرياً في ساحة المعركة.
الوثائق التي اطلعت عليها 'بلومبرغ'، والتي تشمل مذكرات شركة 'آيرو-هيت' (Aero-HIT) ومراسلات مع مسؤولين حكوميين روسي، تكشف تفاصيل غير مسبوقة حول كيفية استغلال موسكو لعلاقاتها الودية مع بكين للتحايل على العقوبات الغربية واكتساب الخبرات والقدرات اللازمة لتصنيع طائرات مسيرة تُستخدم ضد أوكرانيا. وتستعرض الوثائق بالتفصيل دراسة حالة غير معلنة سابقاً عن تعاون بين شركات روسية وصينية في تقنيات الدفاع.
تُظهر الوثائق مجمعةً كيف يمكن للتقنيات الحساسة الانتقال من الصين إلى روسيا، حتى في ظل إنكار حكومة الرئيس شي جين بينغ تزويد أياً من طرفي الحرب بأي إمدادات.
تزعم شركة 'آيرو-هيت'، التي تلقت دعماً مالياً من الحكومة الروسية، أن مصنعها القريب من مطار مدينة خاباروفسك في أقصى شرق البلاد يمتلك القدرة على إنتاج نحو 10 آلاف طائرة مسيرة شهرياً هذا العام، مع خطط لتوسيع الإنتاج ليشمل نماذج أكثر تطوراً.
ونمت الشركة سريعاً لتُصبح واحدة من الموردين الرئيسيين للطائرات المسيرة المخصصة للعمليات العسكرية الروسية في منطقة خيرسون الأوكرانية، التي تسيطر روسيا جزئياً عليها ويطالب بوتين بضمها الكامل إلى السيادة الروسية كشرط لإنهاء الحرب.
'فيلس'.. مسيرة رخيصة التكلفة
تشمل منتجات الشركة طائرة 'فيلِس' (Veles)، وهي مسيرة بتقنية منظور الشخص الأول (FPV)، والتي تتيح للطيارين متابعة ساحة المعركة لحظياً عبر شاشة أو نظارات واقع افتراضي متصلة بكاميرا الطائرة الرباعية. وقد أصبحت هذه التقنية عنصر قتالي أساسي لكلا الطرفين في الحرب، بينما تشير عدة تقارير إلى أن روسيا استخدمتها عمداً لاستهداف المدنيين وملاحقتهم في مدينة خيرسون التي استعادتها أوكرانيا بنجاح أواخر عام 2022.
تتفاوت أسعار الطائرات المسيرة بتقنية منظور الشخص الأول بحسب تجهيزاتها، إذ تبدأ من بضع مئات وقد تصل إلى عدة آلاف من الدولارات. وبحسب أمر شراء في مارس اطلعت عليه 'بلومبرغ'، بلغ ثمن صفقة تضم 100 طائرة من طراز 'فيلِس' نحو 8 ملايين روبل، أي ما يعادل حوالي 1000 دولار للطائرة الواحدة.
وفي يونيو من العام الماضي، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية شركة 'آيرو-هيت' على قائمة العقوبات، مؤكدة أن مسيرات 'فيلِس' التي تنتجها الشركة 'استُخدمت من قبل القوات الروسية في خيرسون لاستهداف مواقع أوكرانية'.
لم ترد شركة 'آيرو-هيت' على طلب للتعليق أو على مجموعة مفصلة من الأسئلة المقدمة إليها.
شركات وهمية لإخفاء سلسلة الإمدادات
تكشف الوثائق، التي تمتد من أواخر عام 2022 حتى يونيو 2025، عن مدى سعى موسكو لإخفاء هوية موردي المعدات العسكرية لجيشها، وذلك من خلال الاعتماد غالباً على وسطاء يعملون في مجالات أخرى مثل تموين شركات الطيران وإمدادات المنتجات الزراعية وخدمات نقل المأكولات البحرية.
في رسالة بتاريخ 16 يونيو من هذا العام، خاطبت شركة 'آيرو-هيت' رئيس قسم البحوث متعددة التخصصات والمشاريع الخاصة في وزارة الدفاع بموسكو، مطالبة بدعم مالي لتعزيز قدراتها الإنتاجية عبر توطين تصنيع الطائرة المسيرة 'أوتيل إيڤو ماكس 4 تي' (Autel EVO Max 4T) داخل روسيا.
تُعد شركة 'أوتيل روبوتيكس' (Autel Robotics) واحدة من أبرز الشركات الصينية المصنعة للطائرات المسيرة وقطع غيارها. لكنها نفت توريد أي منتجات أو إقامة علاقات تجارية مع جهات روسية اعتباراً من فبراير 2022.
توثيق شراكة تقنية مع مهندسي الصين
تتضمن الرسالة خططاً مالية لاستثمارات تقدر بقيمة 7.1 مليار روبل (90 مليون دولار)، إلى جانب جدول زمني للنتائج المتوقعة يمتد على مدى 28 شهراً. وتنص على أن الشركة الروسية تتعاون مع مهندسي شركة 'أوتيل' منذ أوائل عام 2023. وانقطعت العلاقة بين الشركتين لفترة وجيزة بفعل العقوبات، ثم استُئنفت الاتصالات مجدداً مع 'أوتيل' أواخر عام 2024 تقريباً. كما أشارت الرسالة إلى أن الطرفين يتفاوضان على توطين إنتاج الطائرة المسيرة 'أوتيل إيڤو ماكس 4 تي'منذ مايو 2025.
تُظهر الوثائق أن الطائرة صُممت بالأساس لأغراض مدنية، لكنها أثبتت كفاءة عالية في العمليات العسكرية، بفضل مزايا رئيسية مثل وحدة اتصال لاسلكي مقاومة للتشويش الإلكتروني.
ويُقدر سعر بيع الطائرة الواحدة بـ650 ألف روبل شاملة ضريبة القيمة المضافة، فيما تستهدف الخطة إنتاج ما يصل إلى 30 ألف طائرة سنوياً، وفقاً للتفاصيل الموضحة في الاتفاق.
ترى 'آيرو-هيت' أن توطين إنتاج هذا الطراز سيعزز من قدرة روسيا على تصنيع طائرات مسيرة عالية التقنية، وسيمكنها من نقل التقنيات والمعرفة، بما في ذلك البرمجيات الثابتة وتصحيح الأخطاء وعمليات الإنتاج والصيانة. والأهم من ذلك أن المشروع سيدمج هذه الطائرات مع أنظمة تكنولوجيا المعلومات المحلية، بما يضمن تكييفها لتخدم متطلبات الجبهات القتالية الروسية.
لم يتضح من المراسلات ما إذا كانت شركة 'أوتيل'، التي فرضت عليها المملكة المتحدة عقوبات في نوفمبر بتهمة توفير سلع وتقنيات تُقوض سيادة أوكرانيا، على دراية بهذا المشروع، أم أن التعاون يتم عبر موظفين أفراد في الشركة أو موزعين لتقنياتها. كما أُدرجت الشركة على القائمة السوداء لوزارة الدفاع الأميركية بسبب مزاعم ارتباطها بالجيش الصيني.
لم ترد وزارة الدفاع الروسية على طلب للتعليق.
نفي أي تعاون مع روسيا
من جانبها، قالت شركة 'أوتيل روبوتيكس' في بيان عبر البريد الإلكتروني إنها لم تتعاون قط مع شركة روسية تُدعى 'آيرو-هيت'، كما أنها لا تعلم بأي ترتيبات إنتاج محلي تشمل 'آيرو-هيت' أو الطائرة المسيرة 'أوتيل إيڤو ماكس 4 تي'. وأكدت الشركة أنها أنهت تماماً كافة علاقاتها ومعاملاتها التجارية مع روسيا منذ فبراير 2022، بما في ذلك المبيعات المباشرة وغير المباشرة للكيانات الروسية، ووضعت سياسات امتثال داخلية صارمة.
وفي بيان منفصل صدر في يناير، نفت 'أوتيل' بشكل قاطع المزاعم الأميركية التي تشير إلى وجود علاقات لها مع الجيش الصيني. وقالت أنها 'شركة تكنولوجية متقدمة متخصصة في الطائرات المسيرة المدنية، وليست مقاولاً عسكرياً، ولا مورداً للجيش، ولا تمتلك أي مؤهلات عسكرية'.
بكين تفرض رقابة صارمة
من جهتها، أكدت بكين مراراً أنها تفرض رقابة على تصدير ما يُعرف بالسلع ذات الاستخدام المزدوج، مثل الطائرات المسيرة التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، وأنها لم تزود أي طرف من أطراف الحرب بأسلحة فتاكة. غير أن الوثائق لا تكشف ما إذا كانت الحكومة في بكين على دراية بمدى استمرار بعض الشركات الصينية في العمل مع كيانات روسية.
لم ترد وزارة الخارجية الصينية على طلب التعليق.
تُظهر الوثائق أنه مع تشديد بكين للقيود على تصدير الطائرات المسيرة، تراجعت بعض الشركات الصينية عن المشاركة في المشروع الروسي وانسحبت من العقود المبرمة، فيما تدخلت شركات أخرى لتتولى تنفيذ المهام محلها.
الطائرات المسيرة.. سلاح حاسم في الحروب
أصبحت الطائرات المسيرة سلاحاً بالغ الأهمية لكل من أوكرانيا وروسيا مع بلوغ الحرب عامها الثالث والنصف. وكثفت روسيا هجماتها مؤخراً على المدن الأوكرانية، وأحياناً ترسل وابلاً من ما يقرب من 500 طائرة مسيرة في ليلة واحدة، ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين.
تُقدر أوكرانيا أن روسيا تستعد لإنتاج ما بين 300 إلى 350 طائرة مسيرة بعيدة المدى يومياً، وتسعى لرفع هذا الرقم إلى 500 طائرة يومياً، بحسب ما صرح به الرئيس فولوديمير زيلينسكي في أواخر مايو. وفي الشهر ذاته، أبلغ زيلينسكي مجموعة من الصحفيين أن الصين أوقفت بيع الطائرات المسيرة لأوكرانيا، لكنها واصلت شحنها إلى روسيا.