اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣١ تموز ٢٠٢٥
في الوقت الذي يواجه قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة نتيجة الحصار والدمار المستمر منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في أكتوبر 2023، يكثف الاحتلال الإسرائيلي من استخدامه 'التضليل الإنساني الإعلامي'، عبر ترويج سردية زائفة بشأن تقديم المساعدات لغزة، بهدف خداع الرأي العام العالمي وتخفيف الضغوط السياسية والدبلوماسية، وفق مراقبين.
وتعتمد الرواية الإسرائيلية على تضخيم أعداد الشاحنات التي تدخل غزة، وترويج مشاهد مصوّرة تُظهر إسقاط مساعدات جوية، في محاولة لإيصال رسالة كاذبة مفادها أن (إسرائيل) لا تمنع الغذاء، بينما الواقع على الأرض يكشف نقيض ذلك تمامًا، إذ أن المجاعة وسوء التغذية تهددان أرواح مئات آلاف المواطنين لا سيّما الأطفال وكبار السن.
ووفق إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن إجمالي ما دخل القطاع أمس، 109 شاحنات مساعدات تعرضت غالبيتها لعمليات نهب وسرقة نتيجة الفوضى الأمنية التي يكرسها الاحتلال بشكل منهجي ومتعمد بهدف إفشال توزيع المساعدات وحرمان المدنيين منها.
وأكد المكتب في بيان صحفي له أمس، أن 6 عمليات إنزال جوي جرت في ذات اليوم، سقطت 4 منها في مناطق خاضعة لسيطرة جيش الاحتلال أو في أحياء سبق أن أمر المواطنين بإخلائها، ويُعرض من يتواجد فيها للاستهداف والقتل المباشر، ما يجعل هذه الانزالات عديمة الجدوى.
ويسعى الاحتلال من خلال سياسة التضليل إلى الالتفاف على الاتهامات المتزايدة بارتكابها جرائم إبادة جماعية في غزة عبر وسائل إعلام عبرية وأخرى غربية، ويترافق ذلك مع ارتكاب المجازر بحق المجوعين الفلسطينيين.
ولا تكتفي (إسرائيل) بمنع المساعدات، بل تخلق أيضًا بيئة من الفوضى الأمنية التي تتيح لعصابات مسلحة – بعضها مدعوم مباشرة بالطائرات المسيّرة الإسرائيلية – الاستيلاء على الشاحنات قبل وصولها إلى مستحقيها.
تضليل وخداع
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية رائد نعيرات، أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، لا يعدو كونه أداة تضليل إعلامي تهدف إلى خداع الرأي العام العالمي، مشدداً على أن الاحتلال هو الجهة التي تمنع إدخال المساعدات، وهو نفسه من 'يُلقيها جواً' في مشهد عبثي يفتقر لأي بعد إنساني.
وقال نعيرات لصحيفة 'فلسطين': إن 'الاحتلال يريد أن يبدو وكأنه يسعى إلى معالجة المجاعة، بينما في الحقيقة هو الذي صنعها ويمنع إنهاءها'. ووصف هذه السياسة بأنها 'عقيمة وغير مجدية'، مضيفاً أن الهدف منها ليس إنقاذ المدنيين، بل إيهام المجتمع الدولي بأن الأزمة الإنسانية في غزة في طريقها إلى الحل.
وتابع: 'لو كانت هناك نية حقيقية لمعالجة المجاعة، فالبداية تكون من فتح المعابر ووقف الحرب، لا عبر إسقاط طرود في البحر أو السماح لمجموعات مسلحة بالاستيلاء عليها'.
ووجه نعيرات انتقادات لاذعة للدور العربي والإسلامي، واصفاً إياه بـ'الفاشل والعاجز'، قائلاً: 'لا يمكن أن تستمر حرب إبادة بهذه الوحشية منذ نحو عامين تحت أنظار العالم العربي دون تحرك جريء أو موقف حاسم'. ودعا إلى اتخاذ خطوات عربية وإسلامية فاعلة، على الأقل من خلال إرسال وفود رسمية تبقى على المعابر وتضغط لإدخال المساعدات، بدلاً من الاستمرار في الاكتفاء بالبيانات والمناشدات.
وشدد على أن بعض الدول الأوروبية بدأت تظهر مؤشرات تغيّر تجاه جرائم الاحتلال، 'لكن العالم العربي لا يزال على حاله، ما يخلق شعوراً بالخجل والخذلان بين الشعوب، ويعزز الإحساس بالذل أمام آلة القتل والتجويع الإسرائيلية'.
وأيّد ذلك، الباحث والمحلل السياسي ماهر حجازي، قائلا: إن ما يُروّج له الاحتلال الإسرائيلي حول إدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، لا يعدو كونه محاولة مكشوفة لتضليل المجتمع الدولي وتبييض صورة نتنياهو، الذي يقود حرب إبادة وتجويع ضد أكثر من مليوني إنسان محاصر في غزة منذ شهور.
وأوضح حجازي لصحيفة 'فلسطين'، أن الاحتلال لا يُدخل مساعدات بشكل فعلي، بل يتّبع سياسة مدروسة تهدف إلى استدامة المجاعة والحصار، مشيرًا إلى أن ما يتم تصويره كـ'مساعدات' ليس سوى أدوات في يد الاحتلال لتخفيف الضغط الدولي، في ظل تزايد الانتقادات وفضح الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.
وأضاف: 'نتنياهو، مجرم الحرب، يسعى لتجميل صورته عبر مشاهد توزيع ما تُسمى مساعدات، وهي في الحقيقة مصائد موت راح ضحيتها عشرات الشهداء الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على ما يسدّ رمقهم'.
وأكد أن ما يجري على الأرض هو تجويع ممنهج يندرج ضمن جرائم الحرب والعقاب الجماعي والتطهير العرقي.
وبيّن أن الوضع الإنساني في القطاع كارثي بكل المقاييس، وأن عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين مهددون بالموت جوعاً بسبب استمرار منع إدخال الغذاء والدواء والوقود، وسط صمت دولي مخزٍ وعجز عربي وإسلامي عن التدخل الجاد لوقف المجازر.
وشدد حجازي في ختام حديثه على أن الحل الإنساني الحقيقي يبدأ بوقف الحرب، ورفع الحصار بالكامل، وفتح المعابر أمام تدفق المساعدات دون تحكم أو تدخل من الاحتلال.
وبحسب وزارة الصحة في غزة، بلغ عدد شهداء لقمة العيش ممن وصلوا المستشفيات إلى أكثر من 1179 شهيداً، وأكثر من 7957 إصابة، فيما سجّلت مستشفيات القطاع 154 شهيداً، نتيجة المجاعة وسوء التغذية منهم 89 طفلاً.