اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
في قلب الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة، يقف الخلل الداخلي في الإدارة المالية والاقتصادية عاملا جوهريا لا يقل خطورة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي.
فرغم الأضرار المباشرة الناجمة عن احتجاز الاحتلال لأموال المقاصة – التي تمثّل أكثر من 60% من إجمالي الإيرادات العامة – إلا أن فشل السلطة في تبني نهج مالي رشيد، وغياب التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، إلى جانب الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية، كل ذلك ساهم في تكريس هشاشة النظام المالي، وزيادة تبعيته للعوامل الخارجية.
وبعد مرور أكثر من 30 عامًا على تأسيس السلطة، لم تتمكّن حتى اللحظة من بناء نموذج اقتصادي منتج أو إدارة مالية مستقلة، ما أدى إلى تفاقم العجز، تراكم الديون الداخلية والخارجية، وتراجع الثقة الشعبية، وسط ضعف واضح في منظومة الرقابة والحوكمة، واستمرار الإنفاق العام وفق أولويات غير منتجة.
يرى المحلل الاقتصادي خالد أبو عامر أن المشكلة المالية في جوهرها ناتجة عن 'فشل منهجي متواصل في بناء اقتصاد وطني مستقل'.
ويشير في حديثه مع صحيفة'فلسطين' إلى أن استمرار الاعتماد على الاحتلال في تحصيل الضرائب وعوائد المقاصة، وتحويلات العاملين، جعل الاقتصاد الفلسطيني رهينة قرارات سياسية وأمنية إسرائيلية.
ويضيف: 'منذ 2019، بدأت سلطات الإحتلال في اقتطاع مخصصات الأسرى والشهداء من أموال المقاصة، وبلغ إجمالي المبالغ المحتجزة حتى منتصف 2025 نحو 9.1 مليار شيكل، ما فاقم أزمة السيولة ودفع السلطة إلى الاقتراض من البنوك المحلية والخارجية، وهو ما رفع الدين العام إلى أكثر من 10.2 مليار شيكل، وفق بيانات وزارة المالية.'
ويؤكد أبو عامر أن السياسات المالية ظلت توسعية رغم تقلص الإيرادات، حيث استمرت الحكومة في الإنفاق على بنود تشغيلية غير منتجة، دون تبنّي سياسة تقشف فعالة أو مراجعة لهيكل الرواتب والموازنات التشغيلية.
كما ينتقد غياب التحفيز الاقتصادي المحلي، حيث لم تتبنَّ السلطة حتى الآن خطة فعلية لتعزيز القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، مما أبقى الاقتصاد رهينًا لعائدات المساعدات وأموال المقاصة، التي يمكن تعطيلها أو حجزها في أي وقت.
من جانبه، أكد الاختصاصي الاقتصادي سمير الدقران أن أحد أبرز أوجه الخلل يتمثل في استخدام الوظيفة العامة كأداة للتوظيف السياسي، دون ربطها بالكفاءة أو الحاجة الفعلية.
ويقول لصحيفة 'فلسطين':'بلغت فاتورة الرواتب والأجور في القطاع العام نحو 4.7 مليار شيكل سنويًا، أي ما يزيد عن 50% من إجمالي الموازنة العامة، وهو رقم ضخم يضغط على باقي البنود الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.'
ويؤكد أن ما يزيد الأزمة تعقيدًا هو غياب نظام حوكمة فعال، وانتشار الترهل الإداري، وافتقار معظم المؤسسات إلى نظم تقييم الأداء. ويضيف أن ذلك انعكس سلبًا على جودة الخدمات العامة، التي تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية.
وحذّر الدقران من استمرار العمل بموجب اتفاق باريس الاقتصادي، الذي وصفه بأنه 'واحد من أبرز أدوات التحكم الاقتصادي الإسرائيلي'، حيث يُقيّد قدرة السلطة على إدارة السياسة الضريبية والتجارية، ما يمنع بناء استقلال اقتصادي حقيقي.